مقالات

أهمية الدور العربي في المخاض الدولي الراهن

نايف القانص

حان الوقت للدول العربية أن تلعب دورا محوريا ضمن التطورات والوقائع التي توحي بانتهاء مرحلة الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية المطلقة.

إن الوضع يبدو لنا اليوم أكثر تعقيدا، فالعالم يتغير وبعض الدول الناهضة أصبحت أقطابا عالمية،ولم تعد القوة العسكرية وحدها من تفرض الهيمنة والنفوذ، بل أصبحت الطاقة والنفط قوة رادعة، ومن يمتلكها يمتلك سلاحاً يوازي الأسلحة العسكرية في تأثيره إن لم يكن أكثر تأثيرا منها، وهذا أهم سلاح بيد العرب إضافة للموقع الجغرافي، وعندما تتعزز هذه القوة بحنكة وحكمة في التصرف، وتوظف المتغيرات السياسية التي لا تستمر بوتيرة واحدة من حيث الرؤى أو المواثيق والاتفاقات، بل تخضع للمصالح والمكاسب لهذه القوى أو تلك، خاصة وأن الظروف والتطورات تشير إلى تغيير الخارطة السياسية العالمية ( الجيوبوليتيكية)، والى ان قوة الأحادية القطبية لا يمكن لها أن تصمد بوجه المتغيرات الجديدة، فبروز متغير الطاقة الذي خلفته الحرب الروسية الأوكرانية،وتوقيع دول الأوبك لاتفاقية خفض الإنتاج قد تعصف بكل مقدرات وإنجازات حلف الناتو إذا لم تسقطها وتعطل حركته . وحتى تستمر تلك القوى  بنفس حيويتها وانطلاقها نحو التعامل مع المتغير السياسي بحرفية تضمن لها سياسة متوازنة وقوية، يجب أن تراعي نقاطاً عديدة تجعل منها شريكاً أساسياً في النظام الدولي الجديد.

وما يتوجب على العرب اليوم هو استخدام القوة الذكية.. ولا نعني هنا بالقوة الذكية الناعمة ولا القوة الصلبة، بل عملية دمج تفاعلي بين الاثنتين ببناء استراتيجية شاملة، وهذا ما نلمس بعض ملامحه  في السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية من خلال توظيف كل المقومات والقدرات المطلوبة لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية، والدخول في معترك توازن القوى بأقل الخسائر مستفيدة من مكانتها القوية في أوبك، والثنائية التي تشكلها مع الإمارات العربية في قيادة دول مجلس التعاون الخليجي وجميعها أعضاء في أوبك، بالإضافة الى دخولهما  ضمن تحالفات جديدة واستعدادهما للقيام بدور محوري لصالح حلفائهما الجدد، روسيا، والصين، وبإمكان السعودية أن تحدث هزة كبيرة في الاقتصاد الأمريكي في حال تحوّلت رغبتها بالانضمام إلى تكتّل “البريكس” إلى واقع، علما انها تجد ترحيباً من روسيا والصين بشأن ذلك الانضمام، وقد تصل الى حد اعتماد اليوان الصيني في بيع النفط. و على ضوء هذه المتغيرات صرح البيت الأبيض في ما يخص العلاقات السعودية الأمريكية بأنها “ليست قصّة رومانسيّة في مدرسة ثانويّة”، وهو التعبير الأكثر حدّة وسخرية الذي يصدر من واشنطن تجاه الحلفاء السعوديين. السعودية بدورها وعلى لسان وزير خارجيتها الأمير بن فرحان أعلن عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني للمملكة تعقد خلالها ثلاث قمم سعودية صينية، خليجية صينية، عربية صينية.

نحن إذا أمام تحول تاريخي في معظم دول العالم . وما تشهده أوروبا من أزمة ومتغير سياسي وصعود اليمين المتطرف في ظل سياسات أوربية مضطربة نتيجة مواقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيارات اقتصادية وسياسية، مؤشر قوي على حقيقة ذلك التحول .

نحن بحاجة إلى نظام توازن عربي تقوده دولة عربية قوية أو رباعية عربية تتقارب في ما من شأنه تحقيق أمن قومي عربي مشترك،  بحيث يكون عامل استقرار للمنطقة و تعاون عملي على بناء مستقبل مشترك، فالتنسيق السعودي المصري الجزائري السوري المحتمل من شأنه أن يساهم في بناء نظام إقليمي عربي تعاوني متين يوسع من نطاق تفاعلاته الأفقية بدلا من تلك العمودية التي تتركه فريسة لتفاعلات النظام الدولي، وتلك مهمة لا ينجزها إلا الكبار المتجاوزون لكل الجراحات الماضية. وكما رأينا فإن سورية تستقبل حماس من جديد متجاوزة جراح الماضي رغم ان آثاره التخريبية ما زالت ظاهرة في الكثير من المناطق السورية …و هنا لابد من استذكار المعادلة الشهيرة والمتمثلة في الثلاثية ( س م س) سعودية، مصرية، سورية، والتي لا يمكن  إغفال ضرورتها ووزنها اطلاقا ، لأنها شكلت معادلة استقرار للمنطقة وللإقليم على مدى نصف قرن، وبالتالي فإننا بحاجة اليوم إلى عودة هذه المعادلة لرأب الصدع في الصف العربي و لملمة جراحه وقيادة سياسته، ومن المهم عودة هذه المعادلة التي تحتاج إلى تقارب عربي سوري سعودي مصري يتم فيه تجاوز كل الخلافات التي أثرت على العلاقات منذ 2011، فبدون هذا التقارب سيظل الدور العربي مشلولا.

إن التغيير في السياسة السعودية تجاه أمريكا قد يكون نتيجة دراسة معمقة لكل المتغيرات منذ 2011،  وتجاوزا لمرحلة التصدع العربي والقطيعة التي لم يستفد منها سوى العدو، فالكل خاسر، وربما ينطوي هذا التراجع كما يقتضي المنطق على مراجعة خطأ  الانسياق السعودي وراء المخططات الأمريكية، ودعم الإرهاب في سورية. وكذلك مراجعة السياسة السعودية الخاطئة التي أفضت إلى الوقوع في مستنقع الحرب اليمنية منذ 2015، وأنا أعتقد أن السعودية تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة الحاجة إلى إعادة تقييم سياستها في المنطقة،  وبما يليق بها من دور قيادي مشترك مع مصر وسورية، فمن يمتلك استراتيجية على المستوى العالمي ليحقق من خلالها شراكة في النظام الدولي، يستطيع ان يفرض معادلة تصالحية  على المستوى العربي والاقليمي . وفي حال تحققت هذه المعادلة سنرى أغلبية الدول العربية تنضم حول الثلاثي العربي وتلتف حوله.

لقد أصبحت الظروف الدولية والإقليمية فرصة للإفلات من التبعية،و بلورة شخصية سياسية عربية قادرة على بناء نظام عربي متفاعل مع النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب، وخلق معنى حقيقي لمفهوم النظام الإقليمي العربي الذي يوظف قدراته لبناء قوة ذاتية بخصوصية نسبية تعطيه الاستقلالية التي تعد أحد أهم الشروط الضرورية التي تفرض نفسها على النظام الدولي للاعتراف به نظاما إقليميا فاعلا.

رأي اليوم

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى