الاصلاح السياسي ضرورة في المنطقة

 د. سعيد الشهابي

حدث انفجار بيروت يوم الثلاثاء الماضي في الوقت الذي كان الناجون من قنبلة هيروشيما يستعدون لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لتلك الجريمة البشعة التي حدثت في السادس عام 1945. في غضون لحظات فقد حوالي 140 الفا من سكان المدينة اليابانية حياتهم في اول تفجير نووي بشع.

وتحدث البعض عن حجم الانفجار اللبناني الهائل الذي حدث في أحد المخازن بمنطقة المرفأ وانه يعتبر الثاني بعد قنبلة هيروشيما، وان كان البعض يرى في ذلك مبالغة. بغض النظر عن المقاربة بين الانفجارين، فان الخسائر البشرية والمادية التي نجمت عن الحادثة ستؤجج الوضع الأمني والسياسي في بلد عصفت به التظاهرات والاحتجاجات منذ اكثر من عام، ولم يخفف منها سوى انتشار وباء فيروس كورونا.

ويتوقع استمرار المشادات بين حكومة لبنان والمواطنين الذين يتهمونها بالفساد والتقصير، مشيرين الى انه كان بالإمكان تفادي الكارثة لو لم يتباطأ المسؤولون في اتخاذ قرار التخلص من المواد الكيماوية من نوع «نترات الأمونيوم». هذه المادة مركب كيميائي بلوري عديم الرائحة يشيع استخدامه كسماد زراعي، وحين يمتزج بزيوت الوقود يؤدي إلى تفجيرات كثيراً ما يتم اللجوء إليها في أعمال البناء والتعدين. ولا شك ان تزامن الانفجار مع ذكرى قنبلة هيروشيما حرك الكثيرين للتفكير أبعد من الحادثة، وذلك في سياق الدعوات المتكررة لخلق عالم آمن من السلاح النووي.

فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن شبكة مراقبة الأسلحة والشفافية وبناء الثقة التي أُنشئت خلال الحرب الباردة وما بعدها، آخذة في التآكل، مشيراً إلى أنه بعد 75 عاماً، لم يتعلم العالم بعد أن الأسلحة النووية تقلص الأمن بدلاً من أن تعززه. ودعا إلى حماية البنية الدولية لعدم الانتشار ونزع السلاح وتعزيزها، معرباً عن تطلعه لدخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ، إلى جانب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي قال إنها «لا تزال أولوية قصوى من أجل ترسيخ وإضفاء الطابع المؤسسي على المعيار العالمي ضد التجارب النووية في خضم جائحة كـوفيد-19 «.

ولكن السجال النووي لا يتصل مباشرة بكارثة بيروت التي ستتواصل انعكاساتها داخل لبنان وفي محيطه العربي. ومن المؤكد أن هذا السجال لن يتطرق للصاعق الذي أدى لانفجار المواد الكيماوية المخزونة، وربما هو الجانب الأهم. فكيف حدث الحريق؟ أهو حادث مؤسف حدث خطأ عندما كان العمال يستخدمون اجهزة اللحام؟ ام انه مفتعل على غرار الحرائق الكثيرة التي حدثت بعد يوم واحد من تفجير بيروت في مخازن المواد الغذائية بمدينة النجف العراقية؟ وفي مؤتمر صحافي قال مدير عام الدفاع المدني العراقي اللواء كاظم بوهان أن «الخسائر التي خلفها الحريق في أكثر من 50 مخزنا للمواد الغذائية في حي القدس في النجف تبلغ عشرات المليارات بسبب البناء بمادة السندويش بنل». وشهدت إيران، هي الاخرى، حرائق متفرقة منذ بداية الشهر الماضي آخرها حريق هائل قبل انفجار بيروت بيوم واحد في محطة للكهرباء في سمنان في شمال إيران. كما اندلع بالتزامن مع انفجار بيروت حريق هائل آخر في المنطقة الصناعية بحي جاجرود بمنطقة برديس.

وكان رئيس خدمات الإطفاء والسلامة ببلدية الأهواز، إبراهيم قنبري، قد أعلن في اول آب- اغسطس عن وقوع حريق في المجمع القضائي في منطقة خرمكوشك، الواقعة شرق مدينة الأهواز. كما اندلع صباح الجمعة 31 تموز- يوليو حريق كبير في منطقة تجارية كبيرة، جنوب العاصمة، تضم مستودعات لمختلف السلع المصنعة. وعلى مدى الشهرين الاخيرين تعرضت محطات توليد الطاقة ووحدات البحث النووي وصناعة الصواريخ الإيرانية لحرائق عديدة. من هنا يصعب فصل الحريق الذي سبق انفجار بيروت عن الحوادث المذكورة التي حدثت في إيران والعراق. وعلى مدى عام كامل شهدت سوريا حرائق كثيرة آخرها قبل شهرين في مناطق زراعية. وقالت وكالة سبوتنيك (الروسية) للأنباء عن مراسليها بان الحرائق التي التهمت آلاف الدونمات من القمح في الشرق السوري «مفتعلة» وتقف وراءها دولة. هذا بالإضافة للقصف الجوي الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي في سوريا ولبنان، والعمليات السيبرية التي تستهدف المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن شبكة مراقبة الأسلحة والشفافية وبناء الثقة التي أُنشئت خلال الحرب الباردة وما بعدها، آخذة في التآكل، مشيراً إلى أنه بعد 75 عاماً، لم يتعلم العالم بعد أن الأسلحة النووية تقلص الأمن بدلاً من أن تعززه

قد يكون من الصعب تحديد هوية الجهة (ان وجدت) التي أحدثت الحريق في مستودعات مرفأ بيروت، خصوصا في غياب المعلومات الدقيقة لدى الاطراف المعنية من جهة، والتوجيه السياسي والايديولوجي للأنباء المتصلة بتلك الحوادث. ولعل من اسباب عدم اتهام الاطراف التي تقف وراء هذه الاعمال الشنيعة شعور الاطراف المتضررة بعدم القدرة على التصدي للفاعلين او القوى التي تقف وراءهم. وبموازاة اعمال التفجير والحرق التي لم تعلن جهة بعينها مسؤولية مباشرة عنها، هناك حقيقتان لا يستطيع اي محلل تجاوزهما.

الاولى الضغوط المتواصلة على لبنان لاستهداف حزب الله بشكل مباشر، بإخراجه من الحكومة ومصادرة سلاحه وتجريم مسؤوليه، ومن تلك الضغوط وضع عدد من مسؤوليه على قوائم الارهاب الامريكية، وكذلك على قوائم العقوبات الاقتصادية وتخصيص مبالغ ضخمة لمن يدلي بمعلومات دقيقة عنهم. وقبل اربعة شهور عرضت الولايات المتحدة يوم الجمعة حوالي عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن محمد كوثراني، أحد رموز حزب الله، والمسؤول عن ملف العراق لدى الحزب.

الثانية: وقف الدعم المالي عن لبنان من قبل السعودية وحليفاتها، الامر الذي ادى بشكل تدريجي لعجز الموازنات المالية وتداعي العملة الرسمية (الليرة). وكان واضحا عندما اعلنت السعودية وقف دعمها لـ «الجيش اللبناني» عام 2016 انها كانت منزعجة لعدم قيام حكومة لبنان بالقطيعة مع حزب الله حسب الرغبة السعودية. وبعد ذلك أصدر الكونغرس الأمريكي قانونا يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة «منظمة إرهابية». وضخت السعودية في الدورة الاقتصادية اللبنانية بين 1990 و2015، أكثر من 70 مليار دولار، بشكل مباشر وغير مباشر، بين استثمارات ومساعدات ومنح وهبات، وقروض ميسّرة وودائع في البنوك والمصارف.

الثالثة: عرقلة مسارات الحكومة اللبنانية وابتزازها لدفعها لمواجهة حزب الله، الامر الذي ينذر بعودة لبنان الى المربع الاول من الصراع الداخلي الذي قد يؤدي لحرب أهلية ثانية بعد ثلاثة عقود من انتهاء الفصل الاول منها.

الرابعة: تنسيق العمل السياسي والعسكري والامني الموجه للبنان من قبل قوى الثورة المضادة لضمان فاعلية الضغوط. فبالإضافة للحصار السياسي والاقتصادي، تواصل «إسرائيل» ضغوطها على لبنان بطلعات جوية تستهدف الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، وكذلك وجود الحزب في سوريا.

الأمر الواضح ان السعودية وحليفاتها في «قوى الثورة المضادة» لن تقف عند حد وهي تستهدف القوى المضادة لمشروعها في المنطقة، تلك القوى التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الامريكية. فالمال ليس السلاح الوحيد لإخضاع معارضي سياساتها، بل يشمل ذلك كافة وسائل الضغط والاستهداف، ومنها الاستهدافات السيبرية والاعمال العسكرية والعمليات السرية التي تشمل الاغتيال والحرق والتفجير.

هذا الجانب من السجال لا يتعارض مع الجدل حول المؤسسة الحاكمة في لبنان، وما إذا كانت تجربة الاثني عشر شهرا الماضية من الاحتجاجات والاضرابات قد تركت أثرا على عقلية النخبة الحاكمة في هذا البلد المتعدد الأديان والايديولوجيات. فهناك فساد سياسي ومالي واداري تقتضي مصلحة الشعب والوطن التصدي له بحزم وصلابة. ويبقى السؤال: من هو المعني بهذا التغير الهادف لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي.

المؤكد كذلك ان الغرب، ومنهم فرنسا، كان سباقا لإفشال مشروع التحول الديمقراطي. ان لبنان لا يمكن اصلاحه اذا بقي محيطه مهترئا وغير مبدئي ولا يشعر بالانتماء لامته وثقافته.

القدس العربي

Exit mobile version