“الجَبَّة القبائلية”.. أصالة جزائرية صنعت زيا فريدا

 

صدق من قال إن “الجزائر قارةٌ”.. قارة بمناخها المتنوع، بثرواتها المعدنية الغنية، بتضاريسها وتربتها، بما تجود به الأرض الجزائرية من خيرات الخضر والفواكه المتنوعة، قارة بتنوعها الثقافي في لهجاتها وعاداتها وتقاليدها التي تتميز بها كل منطقة جزائرية عن الأخرى.

منطقة القبائل التي تضم ولايات تيزي وزو، وبجاية، والبويرة، وبرج بوعريج، وجزء من سطيف، لها خصوصية ثقافية لا يمكن مشاهدتها في أي بلد عربي آخر، بل هي من المناطق الجزائرية القليلة التي بقيت متمسكة بتاريخها وثقافتها وكل تفاصيل عاداتها وتقاليدها، ولا تجد الأجيال الجديدة “حرجاً” في الافتخار بكنزها الحضاري والتمسك به. وإذا ما تحدثنا عن منطقة القبائل ، فإن ذلك يقودنا إلى عادات وتقاليد كثيرة، كل واحدة منها تحتاج إلى بحث وتدقيق، لكنها تكشف في الأخير عن جمال جذاب في كل تلك العادات والتقاليد.

ومن بين ما يميز تلك المنطقة الجميلة والغنية بثرواتها وجبالها الساحرة، توجد “الجَبَّة القبائلية”، ذلك اللباس التقليدي الذي ترتديه المرأة القبائلية الأمازيغية الجزائرية، رمز أنوثة وتاريخ المرأة القبائلية، الذي بات بفضل تمسكهم به واحداً من أجمل الأزياء في العالم.  فهذه المنطقة الواقعة شرق الجزائر، حافظت على مدار مئات السنين على مختلف أنواع الحرف اليدوية، من أبرزها وأهمها عند سكان المنطقة النسيج والخياطة، وبقيت معها “الجَبَّة القبائلية” سيدة الألبسة التقليدية النسوية لمنطقة القبائل.

“الجَبَّة القبائلية” أو كما تسمى باللهجة القبائلية “ثاقندورث نلقبايل”، هي فستان تقليدي جزائري أمازيغي عريق يمتد تاريخه إلى الحضارة الأمازيغية قبل مئات السنين، وبقي منذ ذلك الوقت “الكتاب المفتوح” الذي يروي تاريخ المرأة القبائلية.

.. خصائص الجَبَّة القبائلية

نجد في “الجَبَّة القبائلية” مجموعة من الرموز والأشكال المرسومة على قماشه، كما وجدت ذلك “العين الإخبارية” في محل “لالا زهرة” لـ”أمين بن الربيع” الخاص ببيع “الجَبَّة القبائلية” في الجزائر العاصمة، حيث قال “إن تلك الرموز الملتصقة بالجبة القبائلية كانت تعبر في السابق عن أحاسيس المرأة القبائلية التي لا تجرؤ على قولها لزوجها أو أهلها كالغضب والاكتئاب، وحتى الفرح والأمل”.

ويتابع أمين شرحه ، تفاصيل “الجَبَّة القبائلية” قائلاً: “لا يوجد في الجزائر من لا يعرف الجبة القبائلية، وبمجرد رؤيتها يعرف الجميع أنها لباس تقليدي خاص بنساء القبائل على عكس بعض الألبسة التقليدية الجزائرية، ويعتمد هذا اللباس على أنواع زاهية خاصة الأصفر والأخضر والبرتقالي ونجدها حتى في الفضة القبائلية”.

ويتكون اللباس القبائلي من حزام، يقول أمين إنه يسمى باللهجة القبائلية “أسارو” أو “آقوس” على حسب تسمية كل منطقة، والجبة تسمى أيضا “ثاكستيوث”، والفوطة التي تربطها المرأة على خصرها وفوق الجبة تسمى “أمنديل”.

أما عن الفرق بين الجبة القبائلية القديمة والعصرية، يقول أمين “إن العصرية جاءت بألوان ورموز جديدة حتى أن هناك جبات خاصة بالسهرات، أما القديمة فتجدها مصنوعة باليد ومن الحرير، واليوم تصنع بالدونتيل والقماش المغربي”.

.. أسرار عن الجَبَّة القبائلية

أما عن تفاصيل أخرى تخص أسرار “الجبة القبائلية”، إكشفت أميرة، وهي صاحبة محل لخياطة وبيع الجبة القبائلية، أن هناك نوعاً آخر من الجبة خاص بمنطقة تيزيوزو، تصنع من أنواع مختلفة من الأقمشة، من بينها نوع “أزهار الربيع” الذي يسمى بالقبائلية “أجقيق تفسوث”، وأخرى من “بحاشيات” و”طفطاف” لكنها وجدت صعوبة في ترجمتها إلى اللغة العربية.

وتحدثت كذلك أميرة عن حجم إقبال الجزائريات على الجبة القبائلية، إذ قالت “إن الإقبال عليها لا يقتصر فقط على نساء منطقة القبائل، بل لنا زبونات حتى من جنوب وغرب الجزائر، وحتى من الأجنبيات، ونجد صعوبة كبيرة في إكمال الطلبيات في مواسم الأعراس”.

وأضافت “لا يمكن للعروس القبائلية أن تدخل بيت زوجها دون 5 جبات على الأقل، إضافة إلى الجبة الملكية الخاصة بالعروس، والمصنوعة من الحرير ولها برنوس خاص بها”.

.. الفوطة

ومن بين الأسرار التي تكتشفها في رحلة بحثها، أن لتلك “الفوطة” خاصية فريدة، فبها يمكن التفريق بين المرأة المتزوجة والعازبة.

فالمرأة المتزوجة لا يمكنها أن تلبس الجبة “دون الفوطة” التي تلفها على خصرها وهي إشارة في الأعراس وفي المنطقة على أنها “امرأة متزوجة”، أما الفتاة العازبة فلها طريقة أخرى في ارتداء تلك الفوطة، إذ تربطها على جانبيها الأيمن أو الأيسر على عكس المتزوجة التي تربطها تحت السرة.  الفوطة أيضا ليست للزينة فقط، بل هي وسيلة مهمة عند نساء القبائل، خاصة صاحبات الأراضي، إذ تستعملها في مواسم جني الزيتون ومختلف أنواع الخضار والفواكه التي تشتهر بها المنطقة.

.. الألوان

وفيما يتعلق بالألوان، فمن خلال البحث مع عدد من الخياطات ومحلات البيع، وجدت “العين الإخبارية” تفسيراً لأسباب تفضيل الألوان الأصفر والأخضر والبرتقالي وحتى الأزرق في اللباس القبائلي النسوي.

حيث يرمز اللون الأصفر في معتقدات سكان منطقة القبائل إلى لون الشمس الذي يترجمونه على أنه “مصدر للقوة”، والأخضر الذي يرمز عندهم إلى “الأمل والتجديد والحياة”، في حين يرمز الأزرق في معتقدات قبائل الجزائر إلى الحرية، كما نجد اللون البرتقالي كذلك بكثرة في الجبة القبائلية، ويرمز بحسب أمين وأميرة إلى القوة والشهامة.

..سعر الجَبَّة القبائلية

ومن خلال التجول في محلات بيع “الجبة القبائلية” وجدت أن أسعارها خاصة تلك المصنوعة في منطقة القبائل تكون مرتفعة، وتتراوح ما بين 100 يورو إلى 400 يورو، فيما تتراوح أسعار الفساتين الخاصة بالعرائس من 400 يورو إلى 800 يورو، وترتفع أسعارها أكثر في فترات الأسعار وقد تصل إلى ألف يورو.

ولا يمكن للزائر إلى مختلف قرى منطقة القبائل إلا أن يجد المرأة القبائلية وهي ترتدي تلك الجبة، ولا يقتصر الأمر فقط على السيدات، بل حتى على الفتيات مهما كان سنهن، فهو لباسهن الرسمي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، المعبر عن أنوثة المرأة القبائلية.

Exit mobile version