الشاعر عمر أزراج: غياب النقد الأدبي تسبب في تراجع المشهد الثقافي بالجزائر

يرى الشاعر الجزائري عمر أزراج، تراجع المشهد الثقافي الجزائري سببه غياب نقد أدبي جزائري، بمصطلحاته ومفاهيمه ومقارباته الخاصة، مستدلا برأيه عما وصله الأفارقة بعدما شكلوا لهم قاعدة مبنية على أبعادهم الفلسفية وصفاتهم الحضارية الإفريقية تعكس بنيتهم.

أكد الشاعر عمر أزراج، أن المشهد الثقافي الجزائري عرف تراجعا بمستوى ملفت للانتباه بعد الاستقلال رغم أن الجزائر استقبلت مطلع القرن العشرين العديد من الكتاب والمثقفين والشعراء والفنانين والمفكرين، -فحسبه- لم تحافظ على زادها الثقافي الذي خلّفه هؤلاء، ولم يستفد الجزائريون منهم ولم يطوروا من ساحتهم الثقافية التي باتت تنعزل يوما فآخر.

وأما هذا الطرح تساءل الشاعر عن الحلول الواجب اتخاذه لإنقاذ المشهد الثقافي وإيصاله إلى بر الأمان،  ومن أهم التساؤلات التي بادرها الشاعر في مقال له نشر بجريدة العرب اللندنية، “لماذا لم تنتج الجزائر مدارس ونظريات ومفاهيم نقدية أدبية على مدى 57 سنة من الاستقلال؟ وكيف نفسر غياب الصحافة الأدبية المتخصصة والتي يشرف عليها أدباء ونقاد أكفاء، كما كان الأمر نسبيا في بدايات الاستقلال حتى نهاية فترة ثمانيات القرن الماضي، علما أن تعداد الصحف اليومية والأسبوعية الصادرة الآن في البلاد هي أكثر بكثير من عدد الصحف والمجلات التي كانت تصدر قبل عشرين سنة؟”.

وفي بحثه عن هذه التساؤلات أورد الشاعر المشاكل التي مازالت تتخبط فيها الجزائر حيث قال “..هناك أسباب لا تزال تحول دون تأسيس تقاليد النقد الأدبي الجزائري المتميز أسوة بجهود جيراننا الأفارقة الذين طوروا ويوصلون تطوير نقدهم الأدبي بواسطة انتهاج مسارين وهما تجنب اجترار المصطلحات والمفاهيم والمقاربات الأوروبية والغربية، واستلهام مرجعيات الأبعاد الفلسفية والصفات الحضارية الأفريقية التي يفترض أن الجزائر تشترك فيها ولكن هذه الشراكة لم تستثمر وتفعل حتى يومنا هذا”، مشيرا إلى أن تطوير النقد الأدبي مشروط بتفعيل الرأسمال الوطني وبتقدم المجتمع وأساليب إنتاجه وعيشه ومناهج تفكيره، وعلى هذا الأساس فإن النقد الأدبي هو جزء من الوضع العام ولا يمكن النظر إليه كحالة استثنائية أو كجزيرة معزولة، ولاشك أن تخلف البنية الثقافية في أي بلد من البلدان يؤثر بقوة في إضعاف النقد الأدبي الذي ينبغي أن يتأسس على تقدم الفكر والعلم وعلى مختلف أشكال التطور المادي والاجتماعي.

من جهة أخرى، تحدث الكاتب عن مكونات البنية الثقافية الجزائرية وقال “رغم تزايد طلاب شعب الأدب والنقد الثقافي والدراسات المسرحية في الجامعات الجزائرية التي تقدر بخمسين جامعة ومركز جامعي، فإن مكوَنات البنية الثقافية الجزائرية وفي صميمها النقد الأدبي الذي يفلسف ويعيد بناء عوالم الإنتاج الأدبي الإبداعي ويخلق الذوق الجمالي في المجتمع وينشئ القراء والمقروئية الذي ما زال يخطو خطوة إلى الأمام حينا وخطوتين إلى الوراء أحيانا أخرى على نحو أشبه بحال الرقصة الأسبانية”.

ونوه  أزراج بأن النقد الأدبي في المشهد الثقافي الجزائري كان في بدايات الاستقلال والسنوات التالية أكثر حيوية رغم دورانه في إطار البؤر النظرية التقليدية، ويقصد بالحيوية نشاط النقاد الجزائريين التقليديين الذي تميزوا بالمتابعة المتواصلة عرضا وتقديما وتحليلا للإنتاج الأدبي الصادر حينذاك إيمانا منهم أن تلك المهمة لا تختزل فقط في ممارسة سبر وتقييم وتقويم النصوص الإبداعية، بل تدخل في تقديرهم في صميم الالتزام الوطني ببناء الهوية الأدبية الجزائرية وتنمية الشخصية الثقافية الوطنية، وبذلك صار النقد الأدبي للإنتاج الإبداعي رديفا لمقاومة الجهل وفعلا ثقافيا وطنيا على طريق تجاوز مخلفات الحقبة الاستعمارية التي خلخلت وأخرت مختلف أشكال التعبير الثقافي والفني الوطني.

وختم الشاعر مقاله بالحديث عن النقد الأدبي ذي الطابع الصحافي أو الجامعي خاصة بالنسبة للمؤرخين الذين اقاموا في الجزائر وتفاعلوا بشكل إيجابي مع الأدب الجزائري وساهموا في تغذية الحركة الأدبية الجزائرية، منهم على سبيل المثال الشاعر التونسي منور صمادح، والشاعر السوري شوقي بغدادي، والشاعر العراقي سعدي يوسف والمسرحيون المصريون مثل ألفريد فرج وسعد أردش وكرم مطاوع، والروائي الفلسطيني أفنان القاسم والشاعر العراقي محمد البوسطاجي، والروائي السوري وحيدر حيدر، والشاعر المغربي محمد علي الهواري، والناقد السوري شكري فيصل، والروائي المصري يوسف أبو رية، والمترجم والدارس الأدبي الفرنسي جان ديجو، وغيرهم.

نسرين أحمد زواوي

Exit mobile version