“الفاغنرية”: الموسيقى في ظلال الأيديولوجيا

لا تزال حياة ريتشارد فاغنر ومواقفه السياسية مثار جدل حتى اليوم، بل إن صديقه نيتشه الذي بشّر به كمخلّص في الموسيقى في نهاية ستينيات القرن التاسع عشر، عاد بعد نحو عشرين عاماً ليصف موسيقاه بأنها تجسيد حيّ للمرض، وأنها تذهب نحو الانحطاط الثقافي.

ورغم أن المؤلّف الموسيقي الألماني (1813 – 1883) لم يضع عملاً واحد معادياً لليهود، إلا أن تمّ تأويل العديد من شخصياته الأوبريالية بأنها وضعت السامية في قوالب نمطية محدّدة، بحسب تحليلات عديدة أشارت أيضاً إلا أنه كتب أفكاره ضدّ اليهود بمقالة حملت اسماً مستعاراً، وأتى تفضيل أدولف هتلر لبعض أعماله بمثابة الحسم بشأن كراهيته لليهودية.

“الفاغنرية: الفن والسياسة في ظل الموسيقى” عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للناقد الموسيقي ألكيس روس عن منشورات “فارار وستراوس وغيرو”، ويضيء فيها على أسباب الصراع في العالم الغربي حول امتزاج الجمال والعنف لدى فاغنر.

ويرى المؤلّف أنه بغض النظر إن كانت ذلك جيداً أو سيئاً، فإن صاحب أوبرا “خاتم النيبلونغن” لا يزال الشخصية الأكثر نفوذاً في تاريخ الموسيقى، والتي دفعت إلى نسج العديد من الأساطير والتكهنات حول أفكاره وسلوكه، ودّعم ذلك ثوريته التي عبّر عنها خلال الانتفاضات التي شهدتها أوروبا خلال القرن التاسع عشر، وهجومه اللاذع على الاقطاع بوصفه تركة من الماضي.

وقد تأثّر بموسيقاه العديد من الكتّاب والفنانين، بحسب الكتاب، ومنهم فيرجينيا وولف وتوماس مان وبول سيزان وإيزادورا دنكان ولويس بونويل، ولا تزال محفزة للعديد من الأناركيين والنسويات وأنصار حقوق المثليين، مقابل كونها رمزاً لألمانيا النازية في الوقت نفسه.

يعيد أليكس روس شرح الارتباك الرائع لما يعنيه أن تكون من أتباع فاغنر، حيث يدور هرج ومرج بين العباقرة والمجانين والدجالين والأنبياء الذي يتصارعون على إرثه متعدّد الجوانب، ويثير أفكاراً باتجاهات متناقضة في العمارة والرواية ومن يؤمنون بالحقوق المدنية أو الذي ينتظرون نهاية العالم.

يشير أيضاً إلى البعد المأساوي لدى فاغنر، فالفنان الذي ينافس شكسبير في انتشاره يتم التقليل من مكانته بفعل أيديولوجية المراهية التي تنسب إليه، إلا أن ذلك لا ينكر تأثيره الواسع والممتد مع مرور السنين وأنه تجسيد للفكرة الأكثر صدقية في كيفية خلق الفن في العالم.

Exit mobile version