توحش شركات التكنولوجيا الكبرى

جستن فوكس

تضمنت إعلانات التسريح، التي صدرت مؤخراً من قبل الرؤساء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الكبرى، تلميحات لفكرة أنه قد تم توظيف عدد كبير للغاية من الأشخاص أثناء الوباء، وهو ما تم التعبير عنه بدرجات متفاوتة من الأسف.

وكتب آندي جاسي، من شركة «أمازون»، أنَّ عمليات تسريح الموظفين التي قامت بها الشركة كانت نتيجة لمراجعتها السنوية، مشيراً إلى أن «مراجعة هذا العام كانت أكثر صعوبة، نظراً للاقتصاد غير المستقر، وأننا قمنا بتوظيف كثير من الأشخاص بسرعة على مدار السنوات الكثيرة الماضية».

وفي منطقة خليج سان فرانسيسكو، كان هناك استعداد أكبر للاعتراف بحدوث أخطاء، إذ كتب ساندر بيتشاي، من شركة «ألفابت» مالكة «غوغل»: «على مدار العامين الماضيين، شهدنا فترات من النمو الهائل، ولمواكبة هذا النمو ودعمه، قمنا بتعيين الناس في ظل واقع اقتصادي مختلف عن الواقع الذي نواجهه اليوم». فيما كان مارك بينيوف، من شركة «سيلزفورس»، أكثر وضوحاً، إذ قال: «مع تسارع عائدات الشركة خلال الوباء، قمنا بتوظيف عدد كبير للغاية من الأشخاص، ما أدى إلى هذا الانكماش الاقتصادي الذي نواجهه الآن، وأنا أتحمل مسؤولية ذلك».

أما مارك زوكربيرغ، مالك شركة «ميتا»، فقد اختار التعامل مع رسالته المتعلقة بتسريح الموظفين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي باعتبارها اعترافاً، إذ قال: «في بداية وباء (كورونا)، تحرك العالم بسرعة نحو الإنترنت، وأدَّت طفرة التجارة الإلكترونية إلى نمو كبير في الإيرادات، وحينها توقع كثير من الناس أن يستمر هذا التسارع بعد انتهاء الوباء، وقد فعلت ذلك أيضاً، ولذلك اتخذت قراراً بزيادة استثماراتنا بشكل كبير، ولكن للأسف، لم تجرِ الأمور بالطريقة التي توقعتها».

وصحيح أنه قد يكون لدى زوكربيرغ كثير من الأشياء الأخرى التي يجب أن يندم عليها، بما في ذلك قراره تغيير اسم «فيسبوك» في 2021 والمراهنة على الواقع الافتراضي، حيث قامت «ميتا» بالفعل بتوظيف كثير من الأشخاص في عامي 2020 و2021، مع زيادة عدد الموظفين بنسبة 60 في المائة خلال تلك الفترة، وبالنسبة إلى «مايكروسوفت» و«ألفابت» و«سيلزفورس» و«ميتا» كانت الزيادة المجمعة 35 في المائة أو 126170 وظيفة. ويبلغ إجمالي عمليات التسريح التي أعلنت عنها هذه الشركات الأربع حتى الآن 41 ألفاً، أي نحو ثلث الوظائف التي أضافتها منذ عام 2019. أما «أمازون» فهي في مستوى توظيف مختلف، حيث يعمل معظم قوتها العاملة في المستودعات ومحلات السوبر ماركت وأماكن أخرى، تطلق عليها الشركة «الدعم الميداني والعملاء»، وليس من خلال الإنترنت، ولهذا السبب فقد تركت هؤلاء الموظفين خارج خططها الأخيرة، كما أضافت 810 آلاف موظف من عام 2019 إلى عام 2021، أي أكثر من ضعف عدد موظفيها، كما توظف عدداً من الأشخاص أكثر من أي شركة أميركية، بخلاف شركة «وول مارت».

ولكن «أمازون» أعلنت عن تسريح 18 ألف موظف حتى الآن في فصلي الخريف والشتاء، وهو عدد أكبر من العدد الذي قامت أي شركة تكنولوجيا أخرى بالاستغناء عنه، كما استغنت الشركة بالفعل عن 99 ألف موظف في الربع الثاني من عام 2022 خلال ما قالت إنه بسبب تناقص عدد المستودعات وعمال الخدمات اللوجستية، لكنها أضافت 21 ألفاً في الربع الثالث.

ويبلغ إجمالي العدد الحالي للموظفين الذين تم تسريحهم في مجال التكنولوجيا في الفترة 2022 – 2023، الذي يشمل شركات في البيع بالتجزئة والتمويل والرعاية الصحية والعملات المشفرة، 219.132، منها 59448 تم الإعلان عنها خلال هذا العام.

وفي الوقت نفسه، أضاف أرباب العمل في الولايات المتحدة بشكل عام 4.5 مليون وظيفة في عام 2022، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، مع عدم وجود مؤشر حقيقي على تباطؤ أعداد الوظائف في ديسمبر. وأضافت القطاعات الثلاثة المذكورة أعلاه 117 ألف موظف خلال أول 11 شهراً من العام الماضي، ما يعد أكثر مما أضافت عام 2020 أو 2021.

صحيح أن هذه الزيادة في معدلات التوظيف قد استمرت فترة من الوقت، لكنها تسارعت خلال السنوات الثلاث الماضية، كما كانت هناك علامات على حدوث تسارع حتى قبل وباء «كورونا»، ما يلقي بعض الضوء على سبب اعتقاد الرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا أن ما كانوا يرونه أثناء الوباء قد يمثل الوضع الطبيعي الجديد.

وحتى نوفمبر، وظفت هذه القطاعات ما يقرب من 171 ألف شخص في الولايات المتحدة، أكثر مما لو كانوا قد التزموا بزيادة التوظيف في العقد الماضي.

ويبدو الآن كما لو أن المديرين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا يحاولون دفع أعداد الموظفين إلى ما كان يمكن أن يكونوا عليه، لولا ذلك الوقت العصيب الذي اعتقدوا فيه أنهم في وسط ما أسماه زوكربيرغ «التسارع الدائم». لكن هذا «التسارع الدائم» ليس شيئاً حقيقياً في مجال الأعمال، فمع نمو شركتك، يتباطأ معدل نموها. صحيح أنه يمكن أن يكون هناك ركود يتبعه انتعاش، لكن بالنسبة للشركات الكبيرة الراسخة («ميتا» ستبلغ عامها الـ20 العام المقبل، وستبلغ «مايكروسوفت» قريباً 48 عاماً)، يمكن أن يؤدي هذا إلى مواقف محفوفة بالمخاطر، مثل تلك التي تتكشف الآن. لكني لم أذكر شركة «أبل» هنا، وذلك لأنها لم تعلن عن أي تسريح للعمال، ولم تسرع عملية التوظيف أثناء الوباء؛ حيث زاد عدد موظفيها بمعدل سنوي قدره 6 في المائة من 2019 إلى 2022 (تنتهي السنة المالية للشركة في سبتمبر – أيلول) بعد تسجيل نمو سنوي بنسبة 8 في المائة على مدار السنوات الخمس الماضية.

وهذا هو نفس وضع شركات مثل «Accenture Plc»، ثالث أكبر صاحب عمل على مؤشر «Standard & Poor›s 500»، الذي يحاول في الغالب مساعدة الشركات غير العاملة في صناعة التكنولوجيا والمؤسسات الأخرى على مواكبة التطورات التقنية، فقد تراجعت العمالة لديها في وقت مبكر من الوباء، لكنها تعافت بسرعة في أواخر 2020 و2021، مع استقرار معدلات التوظيف عام 2022 في مسار أدنى قليلاً من مساره السابق للوباء، وحتى الآن لا توجد مؤشرات على أن هذا على وشك التغيير.

وتعد عمليات التسريح التي تم الإعلان عنها مؤخراً في قطاع التكنولوجيا مؤلمة بالطبع لأكثر من 200 ألف عامل تم تسريحهم، وباتوا مضطرين لدخول سوق العمل، الذي غمره فجأة ضحايا آخرون للتسريح يتمتعون بمهارات وخبرات مماثلة. وقد تأتي عمليات التسريح هذه بنتائج عكسية على الشركات التي تقوم بها، من خلال الإضرار بمعنويات الموظفين وعلاقاتها بالعملاء.

ومع ذلك، فمن الواضح أنها رد فعل على طفرة التوظيف التي خرجت عن نطاق السيطرة، ونظراً لأن أرباب العمل الأميركيين الآخرين كافحوا لتوظيف عدد كافٍ من الأشخاص خلال العامين الماضيين (تم الإبلاغ عن 3.3 مليون فرصة عمل، أو 51 في المائة، في نوفمبر الماضي، أكثر من السنوات الثلاث السابقة)، فإن الوضع الذي تواجهه شركات التكنولوجيا يبدو فريداً من نوعه.

ووفقاً لـ«سيلز فورس»، فإن «الانكماش الاقتصادي الذي نواجهه الآن ليس ظاهرة عامة، على الأقل حتى الآن»، لكن يكمن الخطر في أن التحول المفاجئ لشركات التكنولوجيا من التوظيف إلى الفصل من العمل يمكن أن يؤدي للوصول إلى هذه النقطة.

وكالة “بلومبرغ”

Exit mobile version