دعوة للسلام في “حروب الذكاء الاصطناعي القادمة”

صدر كتاب “حروب الذكاء الاصطناعي القادمة واحتمالات فناء البشر” عن الجمعية المصرية الروسية للثقافة والعلوم بالقاهرة في منتصف العام 2021، وهو عبارة عن دراسة علمية للكاتب الدكتور صلاح شعير خبير الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، ويأتي الكتاب كدعوة لدعم ثقافة السلام كبديل لثقافة الحرب.

وتزامن صدور هذه الكتاب مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أشهرا على صدوره. وأشارت الدراسة أن إلى هياكل الإنتاج الحالية سوف تتغير، مما يتطلب من الدول النامية؛ الاستعداد لمواكبة الاقتصادي الرقمي خلال عقد على الأكثر، وخاصة أن الدول المتقدمة قد قطعت شوطًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، وحققت نتائج حاسمة، مكنتها من السيادة العلمية، ولكن بعض هذه الدول ذهب لتبديد هذه المكتسبات في تطوير قدرة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية على دقة القتل وإبادة الإنسان.

وأدى التطور في الاتصالات عبر الوسائل الرقميّة الحديثة؛ إلى ربط البشر بالإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا عزز من عمليات اختراق الآخر عبر الحروب السيبرانية، وإمكانية التأثير السلبي على الجماهير وخاصة بالمجتمعات النامية، وهذا التدخل قد يسفر عن حروب أهلية، أو يؤجج بعض الصراعات الدولية. ويمكن تناول محتويات الكتاب بشكل مختصر جدا كما يلي:

– 1حماية الأمن السيبراني للعرب:

تعتمد حروب الغزو الثقافي الموجهة ضد العالم العربي على الدمج بين آليات التخطيط بكافة صوره، وخاصة التخطيط طويل الأجل، والتخطيط الاستراتيجي؛ وذلك بهدف توظيف كافة العوامل، وعلى رأسها العوامل الاقتصادية والسياسية، ومبادي علمي النفس والاجتماع، وغيرها، للمرور إلى المستقبل، من خلال عدة وسائط منها: وسائط التكنولوجيا القيمية، والمنتجات الفنية، والثقافية، والتعليم، وغيرها وذلك بهدف ضمان تمزيق الدول العربية من الداخل، وقد شرحت الدراسة الأساليب المستخدمة في ذلك وسبل التصدي للهجمات التي تستهدف المنطقة، علاوة على وضع  خريطة عمل؛ بهدف إفشال مخططات أجهزة المخابرات المعادية للعرب.

– 2الإطار العلمي للدراسة:

وقد أثبتت الدراسة أن الاقتصاد المعرفي أو الرقمي، لا يعتمد على رأس المال البشري والمادي فحسب ولكن ازدهار هذا النوع من الاقتصاد يتوقف على عامل ثالث وهو التوازن في النفقات العسكرية وهو على عامل جديد، ظهر خلال عدة نماذج دولية منها:

أ –  نماذج التوازن في النفقات العسكرية: لقدأسفر هذا التوازن الإجباري فى كل من: اليابان، ألمانيا، إيطاليا؛ إلى تعزيز الاقتصاد بهذه الدول، وحققوا بالتجارة ما لم ينجحوا في تحقيقه بقوة السلاح بالحرب العالمية الثانية.

حيث جاء صافي ميزان المدفوعات، في صالح الدول الثلاث، فنجد أن كلامن اليابان، وألمانيا، وإيطاليا؛ قد حققت كمثال خلال عشر سنوات من 2010 حتى 2018 فائضا قدر على التوالي، 1608.94، 863.79، 22.70 مليار دولار.  وهذا في جزء منه قد جاء بسبب القيود العسكرية على التسلح، والتي فرض على البلدان الثلاثة عقب الحرب العالمية الثانية. وهذا يعنى أن التوازن في ضبط النفقات العسكريّة؛ قد منح دول المحور بالاقتصاد ما فشلت في تحقيقه بقوة السلاح.

وتحقق النمو الاقتصادي في فرنسا عندما عادت إلى التوازن في النفقات العسكرية، وعلىالرغم من أن نفقات فرنسا العسكرية كانت في عام 1960 نحو 6.46% من الناتج المحلي، ويرجع ذلك إلى أنها كانت تعيد بناء قواتها المسلحة، والتي دُمرت بالحرب العالمية الثانية، وبعد أن أصبحت القوة النووية الثالثة في العالم بامتلاك نحو 300 سلاح نووي، قلصت الحكومات الفرنسية هذه النفقات العسكرية بالتدريج؛ حتى بلغت في عام 2018م نحو 2.29%، وذلك في صالح التنمية الاقتصادية.

ب – نموذج التراجع الاقتصادي بسبب الإفراط في النفقات العسكرية: لقد أسفر الإفراط في النفقات العسكرية عن فشل بعض الدول المتقدمة في حماية مصالحها التجارية، وبالتالي، سجلت هزائم تجارية متلاحقة بسبب هوس المبالغة في الإنفاق العسكري ومن هذه الدولالولايات المتحدة الأمريكية،ورغم أن  المواطنون بهامازالوا يتمتعون بمستوى معيشة جيدة، إلا أن المبالغة في الحروب العبثية، والتخطيط للنيل من الآخر، وتوظيف رغبات اليمين المتطرف في قرارات عسكرية لتدمير الاخر، وخاصة العالمينالعربي والإسلامي، فقد أسفر هذا التوجه عن  جملة  كبيرة من الخسائر الاقتصادية للولايات المتحدة على الصعيد التجاري،  حيث أدى التورط   في غزو أفغانستان والعراق إلى خسائر باهظة، سوف  تصل إلى 6.7 تريليون دولار بحلول عام 2023م.

كما أن التغاضي عن علاج المشاكل الاقتصادية كمثال أدي إلى زيادة العجز بالميزان في الفترة من 2009: 2019 فقط، إلى نحو 4664.78 مليار دولار وهو مبلغ كبير. ورغم أن الولايات المتحدة تملك 6450 سلاحا نوويا، لم تفلح في حماية نفسها بهذا السلاح المدمر من شبح الهزيمة الاقتصادية أمام الصين.

ج- روسيا نموذج القوة الغاشمة والعجز الاقتصادي: ورغم أن روسيا تمتلك نحو 6850 سلاحًا نوويًا،  وتُعد الدولية النووية الأولى بالعالم من حيث العدد، إلا أن العجز في الميزان التجاري الروسي بالفترة من 2010 إلى 2019، قد بلغ نحو 532.73 مليار، ولم تفلح النفقات العسكرية في صناعة التفوق الروسي في المجال التجاري، فقط  تلخص  تقدمها في القدرة على قتل سكان العالم متى أرادت، وقد دفع الشعب الروسي ثمن المبالغة في بناء قوة الردع؛ والتي تفوق حد التوازن، حيثيعيش الرعايا الروس حياة قريبة من حياة المواطنين بالعالم الثالث،  وذلك بسبب الهوس العسكري.

– 3ضبط النفقات لإنقاذ الدول الكبرى والعالم بأثره:

لا تمثل النفقات العسكرية والحربية مجرد اقتطاع من الفعاليات الاقتصادية فحسب، ولكنها أداة تدمير للنشاط الاقتصادي حال استخدامها في الحرب، وهذا يقتضي التخطيط لضبطها وترشيدها في فترات السلم، والتخطيط لإعادة الإعمار بعد انتهاء العمليات الحربية، عقب انتهاء أي صراع عسكري.

وتكمن الخطورة في نمو الأسلحة العسكرية التي تكدسها الدول الكبرى، أنه في حال فشل هذه الدول في علاج الخلل الاقتصادي، قد تلجأ إلى ممارسة النهج الاستعماري بأسلوبه القديم أو عبر الاستعمار الاقتصادي؛ للهروب من شبح الإفلاس بسبب المبالغة في النفقات العسكرية، وقد ينجم عن ذلك في النهاية؛ تصادم نووي رهيب يقضي على ما حققه الإنسان من نهضة علمية، بل ربما يمتد لمحو البشر من فوق كوكب الأرض.

ويكمن الحل في ضغط النفقات العسكرية بمقدار 0.5% بالدول التي يتجاوز ناتجها المحلي تريليون دولار، سوف يتم يوفرنحو 50 مليار دولار في كل تريليون، وهذا المبلغ ومضاعفاته؛ يمكن أن يعالج الكثير من الخلل بالقطاعات الاقتصادية ذات الطابع المدني.

ويرى المؤلف أن حد التوازن في النفقات العسكرية؛ بأنه ذلك الحد الذي يتوقف فيه الإنفاق العسكري عند الدرجة التي تتحقق للدولة فيه القدرة على الردع، مع الاستمرار في التطوير بأقل تكلفة ممكنة، لأن فخ الاستدراج نحو سباق التسلح؛ يسفر في النهاية عن هزيمة المُستدرج نفسه.

وقد ناقش الكتاب علاوة على ما تقدم عدة قضايا منها:تطور العلاقة بين الاقتصاد والتكنولوجيا الرقميّة، وخطورة استخدام الفضاء الإلكتروني في الحروب السيبرانية، والسلاح وفكرة الإبادة الرقميّة، وإمكانية تفكك كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على الأمد الطويل.

-4إنقاذ العالم:

يتطلب المنطق ضرورة التطبيقات السلمية للتكنولوجيا، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان، واتباع سياسات لخفض النفقات العسكرية بالدول العظمى؛ حتى لا يؤدي الإفراط في النفقات العسكرية إلى استمرار التراجع الاقتصادي، علاوة على إخضاع الخلافات الدولية إلى الحلول القانونية، وذلك عبر تطوير وهيكلة محكمة العدل الدولية، ثم إنشاء فرع لها في كل قارة، وتكون مسؤولية هذا الفرع هي حسم الخلافات بين الدول وفقًا للعدالة، وفي حال عدم امتثال أي دولة للحكم القضائي تقاطعها كل الدول تجاريا ودبلوماسيا.

والالتزام بالاتفاقيات التي تحرم الأسلحة الخطيرة، وخاصة البيولوجيّة، والكيمائيّة، والنوويّة. ورغم استحالة منع فكرة الحرب، ولكن العمل على منعها، أو الحد منها، أو سرعة وقوفها حال نشوبها، من الأعمال التي تقلل احتمالات فناء الجنس البشري من فوق الأرض.

Exit mobile version