ذهب بن لادن وبقيت البنلادنية

علي الصراف

لا يحسن بأي أحد أن ينسى أن أسامة بن لادن ارتكب جريمته، وكان يتحدث عن فلسطين.

الولايات المتحدة ما تزال تدعم كل جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. وتتغاضى عن فشل عملية السلام، وتترك للإسرائيليين أن يستولوا على المزيد من الأراضي الفلسطينية، حتى بمقاييس الخرائط المأساوية والظالمة التي انتهت إليها اتفاقات أوسلو.

لا يحسن بأي أحد أن ينسى أعمال القصف الوحشي ضد مدن الفلوجة والرمادي وتكريت وسامراء والموصل، تلك التي لم تتورع الولايات المتحدة عن استخدام أسلحة مما يقع على ضفاف ما يعتبره العالم مُحرّما، حتى قُتل نحو مليون إنسان، وتهجر نحو 5 ملايين غيرهم.

وهل كانت أعمال التعذيب الوحشية في “سجن أبوغريب” إلا شيئا وثيق الصلة بإيمان القادة الغربيين بـ”الحرية والديمقراطية”؟ وعندما افتضح أمر هذا الإيمان، فقد أوكلوا المهمة لرعاعهم الذين افتتحوا سجونا دخل إليها أكثر من 400 ألف إنسان، ولم يخرج منها شخص واحد بمشاعر إنسانية على الإطلاق. فكان من الطبيعي لتنظيم داعش أن يكون هو النتيجة.

داعش إيمان آخر لا يأبه بالعاقبة، يوازي الإيمان الذي يرتكب بتفوقه العسكري كل ما يرتكب، ولا يأبه بالعاقبة.

وبينما سمح المؤمنون بالحرية والديمقراطية أن يغتصبوا النساء والرجال (في السجون وخارجها) في العراق، فقد سمحوا لأنفسهم أن يمارسوا كل تفوقهم التكنولوجي في أعمال القتل الجماعي ضد الأفغان، ومن ثم سلطوا عليهم مَنْ عجزوا حتى عن أن يقيموا نظاما قادرا على الدفاع عن نفسه.

قليل على هذا الواقع أن يكون هناك داعش واحد. وهذا ما يحصل الآن. الداعشية التي انتصرت في سوريا، على طرفي جبهات القتال، وصلت إلى ليبيا والنيجر وموزمبيق وغيرها في أفريقيا. وستظل تتسع كنموذج للانحطاط، يناظر تماما نموذج “الحرية والديمقراطية” الزائف.

ثقافة الانتقام الوحشي التي حملت هذا النموذج إلى أفغانستان والعراق انتهت إلى أنها انهزمت بما فعلت. فعادت طالبان لتحكم، وانقلب الرعاع على راعيهم في العراق.

الداعشية الغربية هي التي أنتجت داعش. دع عنك كل الكلام التافه عن الحرية والديمقراطية. هذه الداعشية أصلٌ من أصول النظرة العنصرية؛ أصلٌ تمده القوة العسكرية والتكنولوجية والعلمية والغنى المادي بكل يحتاجه من مشاعر تفوق واستعلاء.

ذهب بن لادن، وبقيت عندنا البنلادنية. لم تكسب الولايات المتحدة معركة القلوب والعقول. فلسطين ما تزال علة العلل. والدعم الغربي لإسرائيل وتغاضيه عن جرائمها يوفر للإرهاب الفرصة لكي يغذي بها إيمانه.

في الحرب بين الشر والشر لا يوجد منتصر. الإرهابيون خسروا بضعة أنفار بينما خسرت الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق نحو 8 آلاف قتيل وأكثر من 100 ألف جريح وثلاثة تريليونات دولار. وخسرنا نحن، بأعمال الانتقام الغربية، الملايين من الضحايا، وخرابا غير مسبوق.  يحتاج المرء إلى مخيلة عظيمة لكي يعرف مَنْ يمكنه أن يكون الفائز في هذه المحنة.

الطرف الذي سيغلب في النهاية هو الطرف الذي يستدرك إيمانا حقيقيا بقيم العدالة والمساواة والأخلاقيات الإنسانية.

الغرب، أبعد من أن يستطيع ذلك. نحن نستطيع.

العرب اللندنية

Exit mobile version