مقالات

فيروس الجهل والتعصب وشد أحزمة العقول

د. بسام الساكت **  وزير أردني سابق

قتل المعلم في فرنسا قبل أيام، كان خبراً سَيئا ومُسيئا، نقله الإعلام فوراً حول العالم. وكالعادة، تم الحدث والنقل الفوري، بدون البحث عن مبعث القتل، للعبرة، بل تكثف البحث عن هوية الفاعل ولونه وديانته ووجهت أصابع الاتهام فوراً نحو الإسلام والعرب.

وتلمس أمتنا ومجتمعاتنا العربية والاسلامية، حداثة الإجهار والافصاح عن استهداف الإسلام، ذلك أن العداء والاعتداء على الإسلام والعرب والمسلمين، لم يكن علنياً من قبل علنياً لكنه تطوَّر، من عداءٍ عسكري وعداء في الصدور، إلى عداء معلن من قادة تفرعنوا علينا وعلى شعوبهم، بفعل ضعفنا وتفرقنا، وهوان وحدة وُلاتنا؛ والجهل بنا وبحضارتنا عند بعض الدول.

فهبت رياح العداء من جهتين: من الخصوم وعتاة التعصب في الغرب، جرّاء سلوك بعض الجهلة من بيننا، ممن لا يتدبرون القرآن والسنة النبوية، ولا يدركون سمو الإسلام، ورسالته الإنسانية، للبشرية، ويتمسكون فقط بالقشور من لباس وحركات، يحسبونها صلاة وإسلاماً وتديُّنْا، ويسلكون في محيطهم سلوكا لا يستوعب التطور والبيئة المجتمعية، التي تحيط بهم، فيجلبون النقمة عليهم، ورفض معتقدهم وقيمهم. وفي عِدادِهم، بل أكثر منهم سوءاً وعَداءً، فئة المتعاونين المرتزقة من بين المسلمين المنفذين سياسة الأعداء، في خدمة كل سوء وتفرقة وفتنة، وكل ما يهدف لتمزيق نسيج بلادنا أرضاً وعباداً، فيزرعون التخلف والدمار والفتن في إقليمنا: في سوريا والعراق وليبيا واليمن. إنها مخططات. ولا أعير اهتماما، إن صنّف البعض هذا الحديث من قبيل البارانويا، المؤامرة، فحصاد الواقع المُر أقوى دليل.

ومناسبة الحديث هي القتل الدموي للمعلم الفرنسي في باريس، وجريمة الحافلة في نيس، والعنف والتعصب في الفعل وردة الفعل، والجهل، ولصق تهمة الجريمة بالإسلام. إن ما يمر به العالم اليوم هو عجز معنوي في القيادات العالمية الناضجة، ووفرة في معكوسها، وإنشغال الأجيال بالمادة والأمور المعيشية، فأصبحت غالبية أحلامهم هي «بالعلف» كالدجاج، لا بالرؤية الإنسانية الحضارية المستقبلية؛ وتفشى عندهم وعند شبابنا، فيروس الترف، والاستهلاك الاستعراضي والتكاثر منهما. والعاقل بيننا اليوم، يدين القتل والعنف، والتعصب، والعنصرية في المجتمعات، بكافة مظاهرها، الفكرية والجهوية، والفقر، والجهل لدى الفرد وعند بعض ولاة الأمر في عالمنا، تلك هي الفيروسات الاخطر الواجب حماية مجتمعاتنا منها، من خلال شدِّ أحزمة العقول والبطون، بمطاعيم العلم والثقافة والتواصل والقيم الروحية والسماوية الحقّة، التي حملها الرسل، والإيمان بوحدة البشرية. فهي خريطة طريق واضحة ذات أولوية، لحماية مجتمعاتنا الإنسانية .

إن مفهوم الإسلام عالمي، والمسلمون، سُمُّوا بذلك لا للونهم، ولا كحزب، ولا كجنس، ولا من قبيل العنصرية، بل من قبيل أنهم استسلموا لأمر الله تعالى وعبادته وحده، فالأنبياء جميعاً مسلمون، وإن اختلفت الشرائع. فالاسلام الذي جاء به محمدٌ ﷺ هو إمتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان. ومن عِدادِ المسلمين، وقبل سيدنا محمد كان أبو الانبياء، سيدنا إبراهيم عليه السلام، إذ وصَّى بنيه وآل يعقوب «إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون» فهو أول المسلمين، ولقد أخبر أنبياءُ الله، عليهم السلام أقوامهم، أن يكونوا مسلمين لله: فقال نوحاً «وأُمرت أن أكون من المسلمين»؛ وقال موسى «إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين»؛ وسأل سيدنا عيسى قومه، من أنصاري إلى الله، فاجابوه، نحن أنصار الله آمنَّا بالله واشهد بأنّا مسلمون» وحتى سحرةُ فرعون لمّا شاهدوا يقين سيدنا موسى قالوا: «ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين»؛ وبلقيس ملكة سبأ، قالت: «ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان للهِ ربّ العالمين». فالاسلام هو نهج كل من استسلم لأمر الله تعالى وعبادته وحده.

إن القتل والعنف محرمان وممقوتان، كذلك التمييز والتعصب بصوره كافة. ويتساءل البعض: أليست هناك علاقة بين الأحداث في فرنسا اليوم والمبالغة في تطبيق قانون 1905 لعلمانية الدولة في فرنسا، الذي فرض حيادية الدولة، ومنع الدعم، والتمييز بحق أي ديانة، وأتاح للمواطن حرية اختيار عقيدته ومشاعِرها. لكن التمييز في المسكن والعمل لذوي البشرات الملونة، في فرنسا، من مسلمي شمال افريقيا وغيرهم، والتضييق عليهم في أحياء سماها المتعصبون «أراضٍ خسرتها فرنسا» وتقييد حركتهم ولباسهم ومسكنهم، وممارستهم شعائرهم الدينية- كما سبق وفعلها نابليون مع اليهود- كلّ ذلك غرَّبهم وحال دون تكاملهم السلس مع المجتمع. والغريب أن يُمجَّدَ الفاعل والمُستهزِئ بهم وبعقيدتهم، ويسمّى رمزا للوطنية ووجها لفرنسا، إن ذلك يشوِّه وجهها، ولا نريد جميعنا لها ذلك .

لقد قصِّر المسلمون ومؤسساتهم، بواجبهم وحادوا في سلوكهم؛ فلو كانت الأجيال المسلمة الحالية تفهم حقيقة الإسلام، ونهج سيدنا محمد ﷺ، وقمنا أفرادا ومؤسسات وبالحِكمة والموعظةِ الحسنة، بإطلاع الجيل الحالي في الغرب، وعندنا، على تعاليم ونهج وسنة رسول الله محمدا، وكذلك لو أنهم اطّلعوا على بعض من أحاديثه وتعاليمه، قطعاً لم يكن ليسيئوا لسيدنا محمد بالقول والرسم والتعبير، ولما أخذوا مواقف متسرعة لإدانة الإسلام والمسلمين، ولكانت الردود أهدأ وبلا عنف وشتيمة.

وأختار هنا باقةً من أحاديث نبوية لسيدنا محمد، لها دلالات: «إن المؤمن ليدرك بحُسْنِ خُلُقِه درجة الصائم القائم»؛ «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم»؛ «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»؛ «إن من خياركم، أحسنكم خُلُقاً»؛ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو يصمت»؛ أنا وكافل اليتيم، وأشار بإصبعيه، السبّابة والوسطى؛ من أنظر معسراً أظلّه الله في ظلِّه».

القدس العربي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى