كيف يستعد المسلم لاستقبال شهر رمضان؟

من نعم الله تعالى على العباد أن جعل لهم مواسمَ للطاعات، تعظم فيها الحسنات، وتزداد فيها الدرجات، وتتنزل فيها البركات، وتعم فيها الخيرات، فالسعيد من استغل هذه المواسم في طاعة ربه، والقرب منه، والتزود من الحسنات؛ قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، فالإنسان لا يدري لعلها لا تأتيه مرة أخرى، أو يدركها في موسم آخر، ومن أعظم هذه المواسم التي ينبغي أن يحرص المسلم عليها، ويستعد لها غاية الاستعداد.

شهر رمضان الذي تتنزل فيه من البركات والخيرات ما لا يكون في غيره من الشهور؛ حيث تفتح فيه أبواب الرحمة، ويكثر فيه العتق من النيران، ويكفِّر الله به الذنوب، وتطهر النفس بالصيام، ويأمن المسلم من الشيطان وشره، فشهر رمضان هو شهر تلاوة القرآن والقيام للرحمن: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وفيه ليلة القدر العملُ فيها يعدل العمل في ألف شهر مما سواها؛ ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]، من قامها إيمانًا بها واحتسابًا لأجرها، غُفر له ما تقدم من ذنبه؛ ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))، وهذا فضل ليلة من لياليه، فكيف بمن صامه إيمانًا بفضله واحتسابًا للأجر والثواب من ربه سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 184]، فعلى المسلم أن يهيئ نفسه ويروضها لاغتنام أيامه ولياليه، والإكثار من الأعمال الصالحة فيه؛ من القيام والصيام، وتلاوة القرآن، والصدقة، وإفطار الصائمين، وإعانة المحتاجين، وصلة الأرحام، وتربية الصغار.

وقد ذكرت بعض النصائح في كيفية الاستعداد لاستقبال شهر رمضان والاستعداد له، ولم أقصد استقصاءها كاملة، بل ذكرت ما أسأل الله أن ينفعني بها ومن يقرأها؛ وأولى هذه النصائح:

– 1النية الصالحة:

وهي أن يعزم المسلم على أن يصوم هذا الشهر، وأن يجاهد في إصلاح نيته؛ فالنية ما كانت في قليل إلا كثرته، ولا حقير إلا عظمته، وهي الأصل الذي تُبنى عليه الأعمال، وهي كذلك مفتاح قبولها، فلا يقبل اللهُ عملَ عبدٍ إلا إذا كانت نيته خالصة لله، فأيما رجل عمل عملًا ابتغى فيه غير الله، رده عليه وأحبط عمله؛ قال تعالى في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))، فيحرص المسلم أن يحسن نيته من الآن، وأن يخلص قلبه من اليوم؛ وليتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات…))، فعلى قدر نيتك يكون جزاء عملك، وعلى قدر إخلاصك يكون توفيق الله لك وإعانته إياك، فكثير من الناس يدخل عليه رمضان ويخرج وهو لم يزدد شيئًا، أو يغير أمرًا كان يعمله، وهذا قد يكون لقلة إخلاصه، وموت قلبه، وكثرة ذنوبه؛ فقد ((سمع الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام يومًا يقول: آمين، آمين، آمين، قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر، فقلت: آمين، آمين، آمين، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين…))، فهذا هو البعيد حقًّا.

2- التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحًا:

فخير ما يُستقبَل به رمضان هو التوبة إلى الله، والإقلاع عن الذنوب، والعودة والإنابة إليه، والانكسار بين يديه سبحانه، فإن القلب إذا امتلأ ذنوبًا ومعاصيَ، فلن يجد لذة الطاعة ولا حلاوة العبادة والمناجاة، وتمر عليه الأشهر والأيام، وهو لاهٍ غافل عن الله؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((تُعْرَضُ الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه))، فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وجلاؤها التوبة إلى الله، والإقبال على الأعمال الصالحة، والاستغفار من هذه الآفات والمعاصي؛ يقول تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فأمرُ الله عباده بالتوبة يبيِّن أنها سببٌ للفلاح والسعادة وطمأنينة القلب، فكيف يفلح من صدَّ عن الله وحاربه بالذنوب، وقابله بالكفر بدل الشكر.

3- الدعاء والإكثار منه:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء

وبعض السلف كانوا يدعون الله قبل رمضان أن يبلغهم الصيام، وإذا انقضى دعَوه أن يتقبل منهم الصيام والقيام، وكانوا يسألون الله أن يسلمهم؛ لكي يدركوا رمضان وهم في صحة وعافية؛ قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم: “اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلًا”، فيسأل الله أن يبلغه هذا الشهر، وأن يعينه على صيامه وقيامه، ويسأله أن يتقبله منه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، فالدعاء من العبادات العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، والإلحاح على الله بالدعاء دأبُ الصالحين، وعمل المتقين؛ فمن أَكَثَرَ قرعَ الباب، فإنه يوشك أن يفتح له، ومن سأل الله بصدق، فإنه حري أن يُستجاب له؛ فعن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه))، فبدعاء وسؤال الله بإخلاص، فإنه يحصل له الأجر، وينال ثواب العامل.

– 4الإكثار من نافلة الصيام قبل رمضان:

الإكثار من الصيام قبل رمضان فيه ترويض للنفس، وتعويد لها على الصيام والطاعة، فقد جاءت كثير من الأحاديث في فضل الصيام؛ فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له، قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له))، ومن هنا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام نصوص تبين فضل صيام شعبان، وأنه نافلة لرمضان كنافلة الصلوات المسنونة قبل الفرائض؛ واسمع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها ماذا تقول، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان))، فكان صلى الله عليه وسلم يكثر من صيام شهر شعبان، حتى اختلف العلماء: هل كان يصومه كله أو لا؟ وكان صلى الله عليه وسلم يحب الصيام، وأن يُرفَع عمله وهو صائم، فما أعظم الصحيفة عندما تكتب وترفع إلى الله وأنت صائم لله، ممتنع عن الطيبات من أجله سبحانه!

5- أن يستشعر عظم الثواب والأجر في هذا الشهر:

فرمضان من الأشهر المعظمة التي تضاعف فيه الحسنات، وتقبح فيه السيئات؛ فلا نقتحم فيه المنكرات، ونضيع أيامه ولياليه في النظر إلى المحرمات، ومتابعة المسلسلات، فأهل الشر والفساد لا ينشطون إلا في هذا الشهر؛ ليضيعوا على الناس صومهم ويلهوهم عن عبادة ربهم فيه، فهو شهر نزل فيه القرآن، وفيه تتنزل الرحمات، وهو مدرسة تهذب فيها النفوس، وتتطلع إلى مرضاة الله، وفيه أنواع العبادات من قيام الليل، وإطعام الطعام وتفطير الصائم، والتكافل بين الناس، والتآزر بين أفراد المجتمع، وأعظم من ذلك كله أن قيامه وصيامه يكفر الذنوب والمعاصي؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [متفق عليه].

فأنصح إخوتي بالحرص على الصيام والقيام والتزود من أنواع الطاعات في هذا الشهر؛ فلعل الواحد لا يدري هل سيأتي رمضان القادم وهو في هذه الحياة، فلا يدري ما يعرض له؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((تعجلوا إلى الحج – يعني: الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))، وهو عام في كل عمل صالح.

Exit mobile version