كتب

“اختراع اليابان”.. استقصاء صورة اليابان في قطاعات المعرفة التي أنتجها الغرب

بمؤلفات مثل: “اليابان.. أزمة حداثة أخرى” (2003)، و”الجغرافيا السياسية والتاريخية لليابان” (2007)، و”كتوكو شوسيو: اشتراكي وأناركي ياباني” (2015)، يمثل الباحث الفرنسي فيليب بيليتييه (1956) أحد أبرز المتخصصين الغربيين في اليابان، بداية من مجاله الأصلي في الجغرافيا إلى مجالات أخرى مثل التاريخ السياسي والعلوم الإستراتيجية.

إلى هذه المؤلفات ينضاف كتابه الجديد الذي صدر مؤخراً عن منشورات “كافالييه بلو” بعنوان “اختراع اليابان”، وهو عمل يبدو أقرب إلى بحث في التاريخ الثقافي حيث يستقصي الباحث الفرنسي صورة اليابان في مجمل قطاعات المعرفة من الأدب إلى العلوم الاجتماعية التي أنتجها الغرب.

يمكن اعتبار أن كتاب بيليتييه الجديد يندرج ضمن مشروع بدأه منذ سنوات، وهو مقارنة كتابة تاريخ الشرق الأقصى ضمن مدونته الأصلية أي باللغات اليابانية والصينية والكورية وغيرها، وما كتب عنه في الغرب، ومن هنا بدأت فكرة أن الشرق الأقصى إنما هو اختراع غربي، وضمنه يمكن القول إن اليابان أيضاً اختراع غربي، مع خصوصية لدى الثقافة اليابانية تتعلق بقدرته على احتواء النظرة الأجنبية لتاريخ البلد وعدم تحوّلها إلى عائق في محاطات تاريخية مثل نهضة القرن التاسع عشر الصناعية أو نجاح النموذج الرأسمالي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية.

يشير بيليتييه إلى أن المصدر الرئيسي للمؤرخ الغربي حتى القرن التاسع عشر عن الشرق الأقصى هو رحلة ماركو بولو إلى الصين، ومنها نشأت مدونة تاريخية ضخمة باتت هي المرجع للمؤرخين الجدد، وقد غاب عن جميع هؤلاء أن ماركو بولو وإن كانت نظرته الواصفة ممتدة وموضوعية إلى حد كبير فإنها لم تكن تستطيع أن تكشف البنى العميقة لمجتمعات الشرق الأقصى، وقد امتد هذا التسطيح إلى اليابان، والذي يعتبر بأنه لم يجر فقط اختراع تاريخ له، بل جغرافيته متخيلة أيضا وهو ما يكشفه من خلال مسح في الخرائط المعتمدة لدى تكوين الديبلوماسيين المرسلين إلى اليابان.

في القرن التاسع عشر تطوّرت علاقة الغرب بـ”إمبراطورية الشمس الطالعة”، وقد مثل اكتشاف اليابان أحد أبرز الروافد الثقافية الفاعلة خصوصاً مع اكتشاف تطوّر الفن التشكيلي بما يضرب مسلمات التفوّق الغربي وقتها، وهو ما تبناه الأخوان غونكور في عملها التقديمي للفنان هوكوساي، لكن بيليتييه يشير أن هذا الحضور الجديد لليابان جاء انطلاقاً من انبهار النظرة الأولى وبالتالي فهو الآخر غير دقيق في فهم تاريخ البلد وثقافته وغير قادر على ملامسة بناه العميقة.

انتقادات بيليتييه لنظرة الغرب لتاريخ اليابان قريبة من أطروحات إدوارد سعيد وأنور عبد الملك حول الاستشراق، لكن أهميته تكمن في إبرازه أن اختراع تاريخ لبلد ومحاولة فرضه عليه لا يعني بالضرورة بناء علاقة غير متكافئة مع الغرب.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى