الأزمة التونسية إلي أين؟

شهدت الساحة السياسية التونسية تطورا مفاجئا بالإعلان يوم الأربعاء الماضي عن اندماج حزب الاتحاد الوطني الحر في حزب نداء تونس وتوزيع المناصب الرئيسيّة بين قيادات الحزبين فيما أطلقت عليه بعض المصادر مصطلح القيادة الجماعية. الاندماج المذكور لم يكن هو التطور الوحيد في المشهد السياسي التونسي، ففي غضون شهر واحد انتهي التحالف بين حزب نداء تونس وحزب حركة النهضة، وتم تشكيل ائتلاف وطني تحت قبة البرلمان هدفه دعم حكومة يوسف الشاهد، وتكوّن من نواب مستقلين وآخرين منشقين عن كتلهم النيابية. هكذا تكون تونس قد انتقلت خلال سبعة أعوام من صيغة حكم الترويكا ـ أي حكم ثلاثة أحزاب ـ اثنان منها يساريان والثالث إسلامي، إلي صيغة الحكم الثنائي المكّون من حزب ليبرالي وآخر إسلامي، إلي صيغة لم تتبلور ملامحها بعد ، فمازال نداء تونس بعد اندماج الاتحاد الوطني فيه بعيدا عن أن يضم كل القوي المدنية أو الحداثية كما في التعبير التونسي، كما أن الائتلاف الوطني الملتف حول يوسف الشاهد والمدعوم من حركة النهضة يصعب وصفه بالإسلامي فالشاهد كان قطبا من أقطاب حزب النداء كما أن قوي مدنية حزبية وغير حزبية تؤيده .
لم تكن علاقة النداء بالنهضة علي ما يرام فالاختلاف الفكري واضح بينهما، وقد دخل الطرفان في علاقة الشراكة هذه مضطرَين عندما عصفت ظاهرة الاغتيالات السياسية بتونس في عام 2013 وكانت الأمور مرشحة للتفاقم فالتقي السبسي مع الغنوشي ثم انطلق الحوار الوطني. وتكرر الأمر بعد ذلك عندما تأزمت الأوضاع في ظل حكومة الحبيب الصيد فالتقت الأطراف المختلفة عام 2016 ووضعت وثيقة قرطاج (1)، ثم التقت هذه الأطراف أيضا مع تجدد الأزمة في ظل حكومة يوسف الشاهد واتفقت علي وثيقة قرطاچ (2) في 2018. هكذا يبدو واضحا أن عملية الشد والجذب بين النداء والنهضة لم تتوقف أبدا لأن جوهرها هو الصراع علي من يحكم تونس. قد يقول قائل لكن النهضة لم ترشح من يمثلها في انتخابات الرئاسة عام 2014 وقد لا ترشح أيضا في عام 2019، وهذا قول صحيح لكن هذا أيضا هو الأسلوب الذي تتبعه النهضة دائما، فهي لا تشتبك في الصراعات السياسية بنفسها لكنها تشتبك فيها من خلال آخرين، حدث هذا مع منصف المرزوقي الرئيس السابق في ظل حكم الترويكا والذي أيدته النهضة عندما ترشح «للانتخابات الرئاسية عام 2014» ثم سحبت تأييدها له بعد أن تفاهمت مع النداء، وهاهو يحدث مع يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي، فلا يصدق أحد أن تشبث النهضة بيوسف الشاهد سببه الحرص علي الاستقرار السياسي قبل انتخابات 2019، فمطالبات النداء باستقالته عمرها عام علي الأقل، ثم إن الاستقرار يتحقق بتوافق النهضة والنداء وليس بالتكتلات والتكتلات المضادة، الموقف من يوسف الشاهد مجرد واجهة لصراع أعمق بكثير.
هل كسبت حركة نداء تونس باندماج الاتحاد الوطني الحر فيها؟ لا أعتقد ذلك لجملة أسباب، الأول أن سليم الريّاحي الذي كان رئيسا للاتحاد الوطني قبل اندماجه في النداء حديث العهد بالعمل السياسي في تونس فقد قضي معظم حياته في ليبيا وكوّن فيها ثروة طائلة تحيطها شبهات كثيرة، وهو قد نافس الباچي قائد السبسي علي رئاسة الجمهورية في 2014 أي أن لديه سقفا عاليا للتوقع، فهل سيقنع بمنصب الأمين العام لحزب النداء في ثوبه الجديد؟ أم أن تنافسا سينشأ بينه وبين الرئيس السبسي وابنه حافظ حول من يصل إلي قصر قرطاچ؟ المنطق يقول إن التنافس سيحصل. والثاني أن ثمة تذمرا داخل حزب النداء من اندماج الاتحاد الوطني الحر فيه، والبعض يعتبر أن الاتحاد هو الذي استفاد من اسم النداء وليس العكس، ثم إن الطريقة التي انتقل بها نواب الاتحاد الوطني الحر أولا إلي الائتلاف الوطني ليوسف الشاهد وثانيا لحزب النداء في ثوبه الجديد، هذه الطريقة لا تبشر بخير. والثالث أنه إذا كان قصد السبسي من هذا الاندماج تكوين كتلة برلمانية كبيرة تؤّمن له أغلبية مطلقة وتسمح له بتغيير رئيس الحكومة، إذا كان هذا هدفه فهو مازال هدفا بعيدا لأن نصيب النداء بعد اندماج الاتحاد فيه هو 51 مقعدا أي ينقصه أكثر من هذا العدد ليحقق هدفه، وبالتالي فإن النداء يحتاج لمزيد من الاندماجات من قوي أخري ليبرالية ويسارية حتي يشكل كتلة برلمانية متوازنة، وهذا سيخضع لابتزازات ومساومات .
السؤال الآخر يتعلق بحركة النهضة وهو: ما انعكاس الاندماج بين النداء والاتحاد عليها؟ النهضة خسرت بالتأكيد لأن الائتلاف الوطني الذي تدعمه انسحب منه نواب الاتحاد وانضموا للنداء، وبالتالي فإن هذا قد أثّر علي حجم الكتلة البرلمانية التي يستند إليها يوسف الشاهد، ولا أستبعد أن يفاجئنا الغنوشي إذا أحس بأن هناك تناقصا مستمرا في عدد أعضاء هذه الكتلة بالإعلان عن أنه لا يمانع في تغيير رئيس الحكومة ليكون بمثابة كبش الفداء لتقارب جديد مع نداء تونس وقد فعلها من قبل، فلقد سبق للغنوشي أن رفض بإصرار تشكيل حكومة تكنوقراط بدلا من حكومة النهضة التي رأسها علي العريض ثم اضطر بعد ذلك للقبول.
إن الوضع الاقتصادي في تونس وضع حرج وروشتة صندوق النقد الدولي مؤلمة، وثمة إعداد لإضراب شامل نهاية هذا الشهر ما يهدد الاستقرار السياسي الذي تقول النهضة إنها تدافع عنه، ونحن علي مقربة من حلول الذكري الثامنة للثورة التونسية، فهلا مد ساسة تونس من كل الأطياف أياديهم مجددا للحوار ونزعوا فتيل الأزمة؟ أتمني أن يخلع الجميع قميص يوسف الشاهد ويتحسبوا مما هو آت.

نيفين مسعد/  الأهرام المصرية

Exit mobile version