أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو، أمس الأول، عن نتائج الاجتماع 17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، ومن ضمنها تصنيف طابع “الراي” في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية.
اعتبرت وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي، في تصريح لها عقب إعلان منظمة اليونسكو أن هذا الاستحقاق الثقافي الجزائري العالمي الذي سجلته الجزائر، هو اعتراف من الجماعة الدولية بأصالة هذا النمط الغنائي التراثي الجزائري، كما أنه اعتراف مضمر بهوية الأغنية الرايوية، كرسالةِ صداقة وحب وسلم، رسالة هي في الحقيقة مُهداة للعالم وللإنسانية جمعاء.
وأوردت مولوجي في تصريحاتها عبارات الشكر والتقدير إلى الّلجنة الحكومية الدولية المجتمعة في دورتها السابعة عشرة، وكذا اللجنة الحالية للتقييم، نظير خبرتها الموضوعية والنزيهة التي حققت هذا الاعتراف الدولي، إضافة إلى الدول التي ساندت هذا الترشح، وكذا أمانة الاتفاقية، إزاء الجهود المبذولة، والعمل المُنجَز في جو من التبادل، والسماع، والمرافقة.
ولم تغفل وزيرة الثقافة والفنون بالمناسبة الدور الكبير الذي قام به الباحثون والمختصون الجزائريون من مختلف المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة والفنون، الذين اشتغلوا كثيرًا على هذا الموضوع، وفي سياق حديثها، شددت مولوجي على أنه لا يخفى على أحد التزام الدولة الجزائرية بخدمة كل ما تباشر به منظمة “اليونيسكو” من أجل الثقافة والتراث والفنون العالمية، وهي تسعى إلى توسيع نطاقه أكثر من ذلك، كما ستعمل على تعزيزه بكل الوسائل الضرورية لضمان سيره بانتظام وكفاءة.
ودعت الشباب الجزائري والفنانين وكتاب الأغاني الرايوية والموسيقيين إلى صون هذا الموروث والتراث الشعبي الجزائري دون أن يشوبه غريب الكلام واللحن.
ودخلت أغنية الراي الجزائرية الشعبية المتجذرة بعمق في ثقافة مجتمعها من مهدها في الغرب الجزائري إلى أكبر خشبات العرض في العالم، في قائمة اليونسكو المرموقة للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية.
فقد كرست المنظمة الأممية، خلال الدورة الـ 17 للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي، فن من فنون العرض تحمله التقاليد الشفوية والممارسات الاجتماعية التي تطورت من مهدها بالريف الجزائري لتقتحم الساحات الفنية والثقافية في العديد من بلدان العالم، في وثيقة التبرير المقدمة إلى الخبراء وممثلي الدول الأعضاء، قدم الراي كأغنية شعبية جزائرية تتنفس وتنقل علامة قوية للتعبير عن هوية المجتمع الذي ولده واعترف به.
وتوضح ذات الوثيقة أن هذه الأغنية الشعبية من مهدها في مدن غرب الجزائر مثل وهران وعين تموشنت وسيدي بلعباس والسعيدة، تترجم الواقع الاجتماعي وتغني عن الحب والحرية واليأس والقيود الاجتماعية، دون طابوهات أو رقابة.
وذكر المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، الذي أعد ملف الترشح للتصنيف، أن الأساتذة (الشيوخ) غنوا، منذ قرنين من الزمن، نصوص الشعر “الملحون” (الشعر باللغة العربية العامية) رفقة أوركسترا تقليدية تتكون من “القلال” (دف أنبوبي) و “القصبة” (الناي)، وتؤكد الوثيقة أن النساء (الشيخات) هن اللواتي قدمن، في بداية القرن العشرين، توجها أقل عرضة للغات المتفق عليها من خلال فرض قوانين مخالفة.
وعرف الراي بعد ذلك انتشارا جغرافيا أكبر في الجزائر نحو وسط البلاد وشرقها، ويرجع الفضل في ذلك أساسا إلى ظهور وسائط التسجيل التي سمحت بانتشاره الواسع، قبل فرض نفسه على المستوى الدولي بفضل الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج، وقد أدخل الراي المعروف في شكله الحالي منذ السبعينيات، آلات مثل القيتار الكهربائي والبوق والأكورديون و البيانو الرقمي (le synthétiseur) دون تشويه “روحه”، كما يعرض ملف الترشح هذه الموسيقى على أنها “الناطق باسم الأمل ضد الأصولية الإسلامية” في التسعينيات، ولكن أيضا “كحلقة وصل رمزية مع البلاد” بالنسبة للجالية الجزائرية المقيمة في الخارج.
من خلال التعاون المتنوع بين الفنانين المشهورين عالميا، فقد فرض الراي نفسه أيضا كعامل تقارب بين المجتمعات والثقافات ووسيطا في “التفاهم المتبادل والتبادل”.
نسرين أحمد زواوي