في الواجهةولايات

البيض: زاوية “الموحّدين”.. معلم تحت الأرض للعلم والتعبد

تعد زاوية “الموحدين” الواقعة ببلدية الرقاصة (شمال شرق ولاية البيض) معلما دينيا وتاريخيا عريقا وذات مواصفات متميزة كونها مشيدة تحت الأرض.

وجاءت فكرة إنشاء هذا المسجد تحت الأرض قصد عدم لفت انتباه المستعمر الفرنسي الذي كان يعمل آنذاك، على محاربة كل ما يمثل الهوية الإسلامية والعربية.

ولا تزال هذه الزاوية، التي تم تشييدها سنة 1930 على يد الولي الصالح الشيخ سيدي محمد بن بحوص (1891-1954) والذي ينحدر من قبيلة أولاد سيدي الشيخ المعروفة بالمنطقة، منارة للعلم وحفظ القرآن الكريم وتعلم أحكام الشريعة الإسلامية واللغة العربية وشاهدة على ماضي عريق.

ويتربع هذا الصرح الديني على مساحة تقارب 200 متر مربع، وقد أنشأه الشيخ سيدي بن بحوص بمساعدة عدد من مورديه من طلبة العلم، وشيده في باطن الأرض وهي الميزة الفريدة من نوعها لهذا المسجد، حسب الشيخ زوي بوعمامة– أحد أحفاد الشيخ محمد بن بحوص. وجاءت فكرة إنشاء المسجد تحت الأرض قصد عدم لفت انتباه المستعمر الفرنسي الذي عمل على محاربة كل ما يمثل الهوية الإسلامية والعربية.

وتم الاستعانة بوسائل بسيطة للحفر تحت الأرض دون إدخال أي مواد في تشييد المسجد كالإسمنت والآجر وغيرها، فالجدران والأسقف والأعمدة كلها من صخور باطن الأرض مما جعل المسجد تحفة هندسية متميزة.

كما يوجد في ركن من أركان هذا المسجد الذي يمتاز بالهدوء والسكينة ما يسمى “بالخلوة” وهو المكان الذي كان ولا يزال يتخذه طلبة القرآن للتعبد والانعزال لأيام متواصلة في مراجعة كتاب الله والذكر. ويوجد في ركن آخر بئر للتزود بالماء، كما يتراءى للزائر عدد من الفتحات الصغيرة في سقف المسجد وذلك من أجل التهوية ودخول أشعة الشمس، كما أن الدخول إلى المسجد يكون عبر فتحة تم حفرها في أحد جوانب الزاوية.

وذكر المتحدث بدور الزاوية في التحضير للثورة التحريرية المجيدة عبر الجهة الجنوبية الغربية للوطن حيث قام شيخ الزاوية بتجنيد عدد من طلبة العلم للانخراط في صفوف جيش التحرير الوطني وإيواء المجاهدين.

كما عملت الزاوية أيضا على إيواء وإطعام الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل خاصة في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي بعد المجاعات التي عرفتها المنطقة، حسب ذات المصدر.

وبالنظر إلى نشاط زاوية “الموحدين” ألقى المستعمر الفرنسي القبض على الشيخ سيدي بن بحوص ووضعه تحت الإقامة الجبرية عدة شهور بمدينة البيض وإحالته بعدها على المحكمة العسكرية بوهران بتهمة التحريض والتحضير للثورة التحريرية وذلك عقب العثور على كمية من الأسلحة بداخل هذا المعلم.

وبعد وفاة الشيخ سيدي محمد بن بحوص سنة 1954 خلفه ابنه سيدي الشيخ والذي واصل نهج أبيه في تدريس أحكام القرآن الكريم واللغة العربية إضافة إلى تجنيد طلبة العلم للانخراط في الثورة التحريرية مما جعل هذه المنارة العلمية تتعرض في كثير من المرات للمداهمات من طرف المستعمر الفرنسي وحرق ممتلكاتها، يضيف ذات المصدر.

ومازال هذا الدور التعليمي للزاوية قائما لحد الآن ويواصل أحفاد الشيخ سيدي بن بحوص ضمان تعليم القرآن الكريم وإيواء وإطعام المحتاجين وعابري السبيل. كما يفضل الكثير من سكان المنطقة أداء الصلاة في هذا المسجد العتيق الفريد من نوعه. من جانبه أشار الباحث في التراث والتصوف محمد بوشيخي وهو أحد سكان المنطقة أنه لا يزال “اللقاء السنوي” لطلبة العلم الذين مروا ودرسوا بمسجد “الموحدين” يأتون سنويا لتلاوة القرآن الكريم وترديد الأوراد التي كان يلقنها الشيخ لطلبته وهو اللقاء الذي يتم خلاله أيضا تذكر وإبراز مناقب الشيخ سيدي محمد بن بحوص.

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى