“ماكاش خير من لعلام يا مادام” (لا يوجد أحسن من العلم سيدتي)، “غير بشوية نربح وفي بلادي ما نسمح” (رغم أنني أربح القليل لن أفرط في وطني) هكذا يردد الباعة الشباب وسط حشود المتظاهرين في الجزائر.
“دنيا ووطن “هكذا لخّص عبده البالغ 24 سنة نشاطه الذي يمارسه منذ أن بدأت المسيرات بالعاصمة، يحمل هذا الشاب الأعلام الوطنية وبعض المستلزمات التي يحتاجها المتظاهرون ويقف على جانب شارع ديدوش مراد بقلب العاصمة بحثا عن مشترين.
عبده يتابع دراسته في جامعة بوزريعة بالعاصمة تخصص لغة إسبانية، ولم يمنعه ضغط الدروس من “كسر قيود البطالة ومحاولة التحرك خطوة للأمام على الأقل ماديا بما أن المناخ ملائم”.
يرى أن الحراك فرصة ذهبية لتحسين دخله المادي من خلال تسويق الأعلام الوطنية على اعتبارها الأكثر طلبا لدى المحتجين، ويقول للجزيرة نت “لا يحتاج السوق لدراسة مطولة ما إذا كان مربحا أم لا، كل المؤشرات تدفع إلى الاستثمار”.
ويؤكد أن العمل خلال المسيرات لا يمنعه من ممارسة حقه في التعبير عن رأيه وسط حشود المحتجين، ويحلم بجزائر لا تشبه تلك التي عاش فيها طيلة السنوات الماضية. ومع بداية يوم جديد، ينتشر الباعة في مختلف الزوايا والطرقات بالميادين الكبرى التي يتوجه إليها المتظاهرون، يعرضون أعلاما ومستلزمات مختلفة ومأكولات جاهزة ومياه تعين الموجودين في الميادين على تمضية يومهم الطويل.
غير متماشين مع قانون العرض والطّلب يمارس الشّباب عملهم التجاري وسط الحراك دون زيادات فاحشة في الأسعار، كما جرت العادة بالحالات الاستثنائية، يتحمّلون مسؤولية تنظيم أنفسهم مع الحرص على ألا يخرجوا عن النّسق العام للسلمية والانتظام.
يبتسم سهيل (24 سنة) حين سألناه عن مدخوله خلال هذه الأيام مقارنة بالفترة التي سبقت الحراك، ويكشف أنه يجني مداخيل إضافية تقدر بنحو ستة آلاف دينار جزائري (نحو خمسين دولارا) مقارنة بتجارته السّابقة بأحد الأسواق الشعبية بالعاصمة.
ووفقا للباعة الذين التقتهم الجزيرة نت في ساحة البريد المركزي، تقترب مداخيلهم من عشرة آلاف دينار (نحو 83 دولارا) ويرتفع هذا المبلغ وينخفض حسب نسبة عدد المحتجين، حيث تزيد الحصيلة في المليونيات وأيام الثلاثاء المخصصة لمسيرات الطلبة.
وحرص هؤلاء الباعة على التأكيد أنهم لا يعتبرون نشاطهم فرصة لكسب المزيد من الأموال بشكل مبالغ فيه، وقالوا إنهم يحرصون على هامش ربح بسيط لا يؤثر على جيوب المحتجين.
دون تشنج من المنافسة أوخوف من ملاحقة الشرطة، يمارس هؤلاء تجارتهم بعيدا عن الظروف التي كانت تحيط العمل التجاري غير المقنّن قبل 22 فبراير، فقد وفّر الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد مناخا جديدا للعمل، حسب هؤلاء.
وفي ختام يوم طويل، يتسابق الباعة الجائلون بين مسيرات الجزائر لتنظيف المناطق التي وجدوا فيها، ويحرصون على أن يكون حضورهم إضافة مميزة لمشهد جديد تتشكل ملامحه من أسبوع لآخر في الجزائر.