كتب

“الدولة: نظريات وقضايا”.. التطورات الأخيرة في نظرية الدولة

صدر عن سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “الدولة: نظريات وقضايا” وهو ترجمة أمين الأيوبي العربية لكتاب The State: Theories and Issues الذي حرره بالإنكليزية كولِن هاي ومايكل ليستِر وديفيد مارش.

يعرض الكتاب نطاقاً واسعاً من آراء مجموعة من المرجعيات الأكاديمية في مضمار العلوم السياسية، ومقاربات نظرية رئيسة متباينة لدراسة الدولة إضافة إلى القضايا البارزة المتنازع عليها في ما يتعلق بالعولمة، والأشكال الجديدة للحكم، والتغيير الحاصل في الحدود ما بين العمومي والخصوصي، علاوة على التغيرات التي طرأت في سلطة الدولة وقدراتها، فضلاً عن تعريفها ومفهومها والتطورات الأخيرة التي طرأت في نظرية الدولة.

يتألف هذا الكتاب (544 صفحة بالقطع الوسط، موثقاً ومفهرساً) من مقدمة واثني عشر فصلاً وخاتمة. في المقدمة، “نظريات الدولة”، يعرض كولِن هاي ومايكل ليستِر تعريفاً للدولة ومفهومها، وللتطورات الحديثة في نظرية الدولة، وما بعد الدولة، كما يقدمان عرضاً موجزاً للكتاب.

..تعددية ونخبوية

في الفصل الأول، “التعددية”، يشدد مارتن سميث على أن نظرية التعددية كانت ولما تزل منظوراً عظيم التأثير في التحليل السياسي عموماً، وفي نظرية الدولة خصوصاً، مشيراً إلى أن التطورات الحديثة في الفكر التعددي وجوهر الاستقرار من صميم المقاربات التعددية، ويتميز هذا الجوهر بتشديد مستمر على مركزية المجموعات، إيماناً بتقييد سلطة الدولة وفهم السلطة بأنها معممة. ويسلط سميث الضوء أيضاً على ضعف إخفاق النظرية في إثبات أن الدولة مثار إشكاليات، وميلها المتأصل إلى النظر إليها من منظور حيادي. المفارقة هي أنه إذا كان يُنظر إلى الدولة دائماً على أنها تمثل النقطة المرجعية المركزية في نظرية الدولة ونقطة انطلاق لجميع النظريات الأخرى، فلا يتمتع مفهوم التعددية للدولة في حد ذاته بالتفسير الكافي.

في الفصل الثاني، “النخبوية”، يسعى مارك إيفانز إلى استطلاع كيفية تطوُّر جوهر نظرية النخبة، محدداً سلسلة اقتراحات أساسية، منها: يمثل الحكام مجموعة متماسكة ويُنتقون على أساس إمكان حصولهم على موارد اقتصادية أو سياسية أو أيديولوجية، ويعملون ضمن منطقة، وهم معزولون عن المحكومين. وردّاً على الانتقاد النظري والإمبريقي من بعض الوجوه، وبسبب التغيرات التي طرأت مؤخراً على البنى السياسية والاقتصادية العالمية من وجوه أخرى، يشير إيفانز إلى أن هذه الاقتراحات تغيرت. فالنخب السياسية المعاصرة منخرطة في منافسة في ما بينها على أساس نطاق واسع من الموارد. وفي تشديد على التطورات المعاصرة، يختتم إيفانز الفصل بمعاينة النظريات التي تسعى إلى تحليل صور النخب ووظائفها على مستويات الحكم المختلفة.

..ماركسية واختيار عام

في الفصل الثالث، “(ما المقصود بالماركسية) نظرية ماركسية للدولة؟”، يتحدث كولِن هاي عن النظريات الماركسية الخاصة بالدولة، منطلقاً من أن كارل ماركس لم يطور بنفسه نظرية دولة متماسكة ومنهجية. ويتابع هاي تطورَ هذه النظرية الماركسية بدءاً بشذرات تأملات ماركس في الدولة، عبر الابتعاد عن النزعة الاقتصادية التي استهلها غرامشي، من خلال النقاش الدائر بين البنيوية والقصدية، وانتهاءً بالتعبيرات لبلوك وجيسوب. ويختم هاي هذا الفصل الذي يطور موضوع التغير ضمن المقاربات الأنموذجية وبينها في التعاطي مع مفهوم الدولة، بالمجادلة أنه يمكن المقاربة الماركسية تقديم الكثير على الرغم من المزاعم التي تحكي عن أفول الدولة والماركسية.

في الفصل الرابع، “نظرية الاختيار العام”، يقول أندرو همندور إن نظرية الاختيار العام ترى الدولةَ من منظور الفشل، باستخدام طرائق اقتصادية والاعتماد أساساً على افتراض أن الأفراد استغلاليون ونفعيون. ويجادل منظرو الاختيار العام بأن مفهوم الدولة باعتبارها حارسة المصلحة العامة ما هو إلا خرافة، لأن الجهات الفاعلة من الدول تسعى – مثل سائر الأفراد – وراء مصالحها الذاتية بطريقة عقلانية. ويعرض همندور في هذا الفصل عدداً من الأمثلة عن الطرائق التي أشار منظرو الاختيار العام من خلالها إلى أن هذه الأعمال النفعية التي تقوم بها الجهات الفاعلة من الدولة تؤدي إلى إخفاق الدولة.

..مؤسساتية ونسوية

في الفصل الخامس، “النظرية المؤسساتية”، ترى يفيان شميت أنه ربما يمكن اعتبار النزعة المؤسساتية الجديدة ردة فعل على افتراضات نظرية الاختيار العام وثورة السلوكيين في ستينيات القرن الماضي. وقد سعت إلى إعادة تأهيل الدولة، ومثّلت من بعض النواحي استمراراً لمحاولة بدأت في ثمانينيات القرن الماضي لإعادة الدولة إلى التحليل السياسي. وكما تجادل شميت، عوضاً عن اختزال العمل السياسي بمكوناته الفردية، سعى أصحاب هذه النزعة إلى تحليل العنصر الجَمْعي للعمل السياسي. ويوجد بالطبع نطاق منوع من النزعات المؤسساتية الجديدة التي تهتم بها شميت: النزعة المؤسساتية للاختيار العقلاني، والنزعة المؤسساتية التاريخية، والنزعة المؤسساتية السوسيولوجية، والنزعة المؤسساتية الاستطرادية. وتتفاوت هذه الاتجاهات في طريقة مقاربتها هذه الرؤية، لكنها تتقاسم اهتماماً بكيفية تكييف المؤسسات للأفعال الفردية، من خلال ترتيبات تحفيزية أو تركات تاريخية أو أعراف تاريخية و/أو استطرادية.

في الفصل السادس، “النظرية النسوية”، تتحدث يوهانا كانتولا عن النسوية مشيرةً إلى أنه كثيراً ما عاب الحركةَ النسوية موقفُها الغامض من الدولة. وامتداداً لفصول أخرى، يجري التشديد على تنوع وجهات النظر النسوية حيال الدولة. يشير الفصل إلى ثنائية “الداخل والخارج”، حيث تخضع القدرة التحريرية عند الدولة للنقاش، ولا سيما بين من يرون الدولة حيادية بالضرورة ومن يرونها سلطوية بالضرورة. وسعت مجموعة من المؤلفين في القضايا النسوية إلى تجاوز هذا التباين الصارخ، منهم المؤلفون في دول الشمال الذين يرون فروقاً بين عمليات الدولة ونتائجها بالنسبة إلى المرأة، خصوصاً على صعيد الفروق في الحقوق الاجتماعية. ورفض أنصار الحركة النسوية في مرحلة ما بعد البنيوية إجمال توصيفات الدولة، وسعوا في المقابل إلى الإشارة إلى طبيعتها المميزة.

..خضراء وما بعد بنيوية

في الفصل السابع، “النظرية الخضراء”، كان لمنظري حركة الخضر مثل نظرائهم في الحركة النسوية، موقف غامض بعض الشيء تجاه الدولة. لكن، يجادل ماثيو باترسون وبيتر دوران وجون باري، بأن ذلك الوضع تغيّر مع سعي منظري حركة الخضر إلى المشاركة في إرساء افتراضات وممارسات أساسية متلازمة مع التنمية غير المستدامة. ويمضون في عرض طائفة من انتقادات الخضر للدولة، انتقادات تركز على أسباب إنتاج الدولة الحديثة ديناميات غير مستدامة بيئيّاً وكيفية إنتاجها وتوطيدها. لكن يرفض المؤلفون وجهة النظر الفوضوية بيئيّاً التي فحواها أن الدولة عصية على الإصلاح في كل زمان ومكان. ويعاين باترسون ودوران وباري كيفية سعي المنظرين إلى خوضرة الدولة، مشددين على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع، وعلى إجمال توصيفات الدولة، مرددين صدى التطورات التي شهدتها النظريات الأخرى.

في الفصل الثامن، “ما بعد البنيوية”، يجادل ألن فينلايسون وجيمس مارتن بأن هدف ما بعد البنيوية هو التحقيق في اللغة السياسية وفي الخطاب السياسي لجمع بعض مكوناته وقواعده وكيفية إضفاء الطابع المؤسسي عليه، لفتح ما كان مغلَقاً، وبذلك إتاحة بدائل. ويشدد المؤلفان في موضوع الدولة على كيفية تشكيك ما بعد البنيوية في الدولة ذاتها، مجادلَين بأن تثبيت الدولة أو تعريفها نشاط سياسي، أي إن الدولة هي حصيلة سياسات وليست أمراً يُستعان به في تفسير السياسات. يشدد عملُ فوكو في ميدان فن الحكم وتحليله على كيفية توزيع السلطة على شرائح المجتمع باعتبار الدولة والحكومة غير محتوَيتين في حيز واحد، بل تمتد كلٌّ منهما عبر السلطة/شبكات الاتصال المعرفية.

..عولمة وتحول

في الفصل التاسع، “العولمة والدولة”، تعاين نيكولا هوثي وديفيد مارش ونيكولا سميث كيفية تأثير العولمة في الدولة. يُزعَم على نطاق واسع أن العولمة قادت إلى إضعاف الدولة القومية. ففي عالم يزداد تشابكاً، يُزعَم أن الأعمال التي تؤديها الدولة باتت محصورة على نحو مطرد. لكن، بعد عرض أهم المؤلفات التي تتحدث عن العولمة، يلاحَظ أنه في وقت تحدث فيه تغيرات في الاقتصاد العالمي، يُخفّف من وَقْعها بالتركيبة الاقتصادية والسياسية المؤسسية العاملة في سياقات معينة. بالتالي، فإن النتائج المترتبة على عملية العولمة غير متسقة أبداً. وهذا بدوره يستلزم رفضاً لنوع التوصيفات المُجمِلة للعواقب المحتومة للعولمة التي هيمنت على المناقشة.

في الفصل العاشر، “تحوُّل الدولة”، يعرض غيورغ سورنسن النقاشات الدائرة بين أولئك الذين يرون أن الدولة في طريقها إلى الانحسار والذين يرون أنها ستبقى قوية، وبين موقف مركَب ثالث يشير إلى تغيُّر الدولة وفقدانها بعضاً من نفوذها واستقلاليتها وترسُّخ نفوذها في نواحٍ أخرى في الوقت عينه. يعاين سورنسن التحول الذي تشهده الدولة في ناحيتَي الاقتصاد والسياسة الأساسيتين وتحولها على صعيدِ مفهومَي الجماعة والسياسة الأساسيين، وهذا ما يشير إلى أننا نشهد تغيراً من الدولة الحديثة كما يسميها إلى دولة ما بعد الحداثة. ويذكّرنا بأسلوب نافع بأن المواقف من تحول الدولة تتأثر بقوة بنظريات الدولة المختلفة التي تصوغ هذه المواقف.

..حوكمة وحكومة

في الفصل الحادي عشر، “الحوكمة والحكومة والدولة”، يرى برايْنارد غاي بيترز وجون أن ما يحصل هو تحوُّل في مركزية الحكومة في الحوكمة وفي كيفية عمل الحكومة ضمن هذا الترتيب الجديد. ويدعوان إلى تقديم الأولوية التحليلية للدولة وأهميتها المستمرة على تحليل دور مؤسسات الدولة في الحوكمة. ويجادلان بأن الدولة تكيّفت بما يتلاءم ونمط حوكمة مختلف، وهو نمط ذو سيادة مختلطة أو مزدوجة يستخدم الأدوات المختلفة لتنفيذ السياسة واللامركزية. وعوضاً من تقليص دور الدولة في الحوكمة، ربما تجسِّد هذه التغيرات إعادةَ تأكيد تأثير الدولة، أي إن الدولة تمارس صلاحياتها بطرائق مختلفة.

في الفصل الثاني عشر، يشير ماثيو فلندرز ماثيو إلى أن الدولة موسومة بالانقسام والتفكك، ويتطرق إلى الأخطار المحتملة للنظر إلى الدولة باعتبارها كياناً متجانساً. ثم يعاين المجالَ الأرحب للحوكمة العامة الموكَلة أو الموزعة، أي المنطقة الرمادية التي تمثل فيها الشراكات بين القطاعين العام والخاص ناحية مهمة.

في خاتمة الكتاب، يسعى محرروه إلى تحديد بعض الموضوعات الشائعة والقضايا التي استجدت في الفصول السابقة. ويعودون إلى موضوع التقارب بين نظريات الدولة التي نوقشت في الطبعة الأولى لكتاب “النظرية والطرائق” لمارش وستوكر. وفي الاستنتاجات، يعيدون دراسة القضية ليحددوا إن كان يمكن ملاحظة مثل هذا الميل عند دراسة نطاق أوسع لوجهات النظر المتصلة بالدولة.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى