ثقافة وفنفي الواجهة

الروائي بشير مفتي لـ” الحياة العربية “: “المشهد الروائي الجزائري بحاجة إلى نقاد متمرسين لغربلته”

بشير مفتي روائي وكاتب جزائري، يشتغل بالتلفزيون الجزائري مشرفا على حصص ثقافية، وهو أحد المشرفين على منشورات الاختلاف بالجزائر، في رصيده الأدبي عدد من القصص منها “أمطار الليل” و”الظل والغياب” و”شتاء لكل الأزمنة”، ومن رواياته “أرخبيل الذباب” و”شاهد العتمة” و”دمية النار” و”أشباح المدينة المقتولة” و”غرفة الذكريات” وغيرها، أكثر ما يميز أعماله تنوع مواضيعها وعمقها في الطرح، الحياة العربية تقربت من الروائي وكان لها معه هذا الحوار.
حوار : نسرين أحمد زواوي

نبدأ من أخر إصدارتك “اختلاط المواسم”، كيف جاءت ولماذا تكررت بها مفردة “القتل”، هل هي تعبير لوضع سائد أم هي محصلة عشرية مرت؟
الرواية بالدرجة الأولى تميل للحديث عن التراجيديات أكثر مما تميل إلى المواضيع التي تحمل تصورات متفائلة بالحياة والعالم، وهذه طبيعة الفن بكامله وتمس كل الفنون والآداب، وليس الرواية لوحدها، أما ما يجب كتابته أو ما لا يجب لأن الروائي لا يستجيب في كتابته لرغبات الغير بل ينطلق من هواجسه وما يلح عليه في الداخل.
القارئ لروايتك يلاحظ تواجد تيمية التاريخ تتكرر بها والوقائع اليومية، هل اشتغالك هذا مقصود أم هو فقط هاجس كاتب؟
الكتابة بالنسبة لي شغف وحب، اشرع بها عندما يكتمل موضوعها في ذهني، أو صار قريباً مني وأعرف عنه تفاصيله الكبرى، وحتى هذا الأمر لا آخذه كمسلمة نهائية، لأن الرواية مغامرة مفتوحة فقد تكونين ذاهبة في طريق ثم تتخلين عنه، وتجدين نفسك في طريق آخر، هنا تُفهم الرواية كأرض احتمالات متعددة، كل ما أدريه هو أن العمل يستغرق وقتاً طويلا في التفكير والتدبير وقد تضعين كل هذا على جانب عندما تشرعين في التدوين، نعم تضعيه على جانب وتجدين نفسك ذاهبةً في استغوار طرق أخرى لم تفكرين فيها، شخصياً لا أحب التخطيط المسبق مثلما كان يفعل نجيب محفوظ مثلاً، أترك للعفوية مساحة لكي تأخذ مكانتها في النص الروائي، ثم الشخصيات تتطور مع الكتابة وقد تصبح بفعل دورها في الحكاية مهمة أو تتخلف إلى الوراء وتترك شخصية أخرى تأخذ مكانتها.. وجانب آخر أنا لا أحب رواية البحث في الكتابة، لكن كقارئ فقد أجد متعة في قراءة روايات أمبرتوإيكو، ولكن لا أظن عندي ميل لأن أكتب على طريقته، أعتقد أنه كلام صائب الذي قاله (شكري المبخوت) نقلاً عن كاتب لا أذكره الآن: أنه عندما تكون بحوزتك أجوبة تكتب بحثاً أكاديمياً، وعندما تكون بحوزتك أسئلة تكتب رواية، وفي ردي عن سؤالك بالنسبة للمواضيع والقضايا التي اطرحها في روايتي هي بطبيعة الحال جزء من الأسئلة التي يطرحها علينا الواقع الذي عشنا فيه وجئنا منه ومن الصعب تجاوز ذلك.
.. هل هذا ما قصدته في روايتك “غرفة الذكريات”؟
رواية “غرفة الذكريات” تتحدث ببساطة عن مرحلة ما قبل العنف في العشرية السوداء من خلال مجموعة من الأصدقاء الأدباء أوالشعراء الذين يلتقون مع بعض ويتحدثون عن حياتهم وجراحهم وقصص حبهم وآمالهم وأحلامهم الكثيرة ثم يأتي العنف فيجرف كل شيء، ولا يبقى من تلك المجموعة إلا الراوي “عزيز مالك” الذي بعد نهاية تلك الفترة المقيتة فيستعيد تلك الذكريات لأنها الوحيدة التي كان يحلم فيها بصدق قبل أن يغرق في اليأس والانسلاخ عن الحياة كلها. هي رواية تاريخ داخلي حميمي لذلك الإنسان الذي قتلوه بداخلنا ، لموسيقى الشعر التي لم تعد تعزف، لأننا بعدها دخلنا في مرحلة اليأس والصمت واللامبالاة.
.. في دراسة نقدية لها قيل أنها تمثل صوت للأخر، صوت للذين رحلوا دون ان يقولوا ما يريدون، وللذين سلبت حريتهم؟
أعتقد أن الكثيرون في الجزائر ذهبوا ضحية تلك العشرية السوداء دون أن يقولوا شيئا، فلم نسمع صوتهم، لم نعرف حكايتهم ولا أحلامهم، ولا آمالهم، ذهبوا وذهب معهم ذلك كله مع أن عدد القتلى في تلك التراجيديا كان كبيرا جدا، وفادحا للغاية، ولعل هذا ما قمت به في عدد من رواياتي أن أعطي صوتا للضحية كي يتكلم، كي يحكي، كي يقول لنا من هو؟ ما هي حياته وأحلامه..الخ
ثلاثية “المرأة، الحب، الوطن” أضحت تميز كتاباتك لما هذا الاهتمام أو بالأحرى التوجه؟ وما الذي تريد الوصول إليه من خلال ذلك؟
لا توجد ثلاثية أو ثنائية أو رباعية توجد هواجس تَأْسر أي كاتب من الكتاب في كافة أنحاء العالم، للكاتب هواجس تشغله/ تسكنه وهو يعبر عنها من خلال رواياته، بالنسبة للمرأة هي حاضرة صحيح بقوة لأنها ضحية في مجتمعنا، ومهمشة، ومجموعة وككاتب لا أستطيع إلا أن أكون متضامنا مع هذه الفئات المهمشة لأنني لا أريد ولا أستطيع أن أكون مع الأقوى ..بالنسبة للوطن فلقد كان وأنا شاب حُلماً جميلاً، فكرة مثالية وصار بعد سنوات العنف خيبة كبيرة، بل صار عنوانا للفشل واليأس ولهذا فرواياتي ربما تُرثي زمنه الحالم، وتحكي بواقعية وصدق عن هذا الانكسار والفشل ..أما “الحب” فالموضوع خالدة عند غالبية الكتاب، وأنا فقط أحكيه في مجتمع يقمعه كذلك، ولا يؤمن به، وهو يتلوّن مع الواقع الذي يعيش فيه فيظهر في رواياتي كما هوفي يومياتنا حلما أكثر منه حقيقة، أمنية أكثر منه اقعاً.
.. كيف تقرأ الفضاء الروائي الجزائري في الوقت الراهن؟
أحاول قراءة ما أستطيع قراءته رغم أنه صار صعبا مع الكم الكبير من الإصدارات الروائية قراءة كل شيء ومعرفة وتقييم كل ما ينشر لكن يبدو أن الرواية صارت تستحوذ على اهتمام الجميع أكثر من الشعر أو القصة القصيرة رغم أنني أذكر في نهاية التسعينيات عندما كتبت روايتي الأولى “المراسيم والجنائز” 1997 كان حضور الشعر والقصة القصيرة أقوى وكانت الرواية تعتبر عملا صعبا للغاية لا يقترب منه إلا القليل، بل كان ما يعرف بالجيل الجديد يُعَد على اصابع اليد ..بل كنا نحسد الشعراء لأنه كانت لهم ملتقيات كثيرة، وجوائز كثيرة، ويحضون باهتمام الإعلام أكثر، أما الرواية فحظها كان ضعيفا، وأعتقد دون أن أمدح نفسي أنني ساهمت في منشورات الاختلاف في دفع الحركة الروائية إلى الأمام وذلك بتشجيع الكتاب من خلال النشر خاصة لقد نشرنا يوم كانت جمعية كتاب الاختلاف تعمل على تحريك الحركة الأدبية بجهدها الخاص أعمالا روائية كثيرة لشباب لم ينشر من قبل أذكر جيلالي عمراني، زهرة ديك، كمال بركاني ، الخير شوار، سفيان زدادقة، زهرة ديك..الخ كما كانت جائزة مالك حداد فرصة لظهور الكثير من الكتابات الروائية حينها حسين علام ، انعام بيوض، عيسى شريط، ياسمينة صالح . خليل حشلاف، بلقاسم شايب..الخ
اليوم صار للرواية حضور كمي كبير، والتقييم سيأتي من النقاد الذين يعملون على غربلة الساحة، رغم ضعف حركة النقد عندنا وذلك لأسباب موضوعية كذلك كغياب المجلات والفضاءات التي تسمح بذلك.
كيف تفسر لجوء الكثير من الكتاب الجزائريين إلى دور نشر مشرقية، هل هذا بغية في الشهرة، أم لمشاكل تتربص بدور النشر عندنا؟
أولا أين العيب أن يبحث الكاتب عن “الشهرة” فلا يوجد كاتب في العالم لا يريد أن يشتهر، بل ربما الغاية من النشر هو أن تنتشر وتشتهر أي توسع جمهور القراء لأعمالك، وهذا حق من حقوق الكاتب أو شيء لا يُلام عليه إلا من طرف من لم تتح لهم الفرصة لذلك، أولم تستطع نصوصهم اختراق الحيز الجغرافي المحلي، أما النشر في دور نشر عربية فهولا يخضع لمقايس الزبائنية كما قد يحدث عندنا نحن بل للجودة غالب الوقت، لأن الرهان هو على النصوص الجيدة ولا افهم من يشتكي من أزمة النشر عندنا وكل دور النشر العربية لا تبحث إلا عن النصوص الروائية الجادة والجيدة، أي إن حدث ولم ينشر الكاتب الجزائري في الخارج فأنا أقول بصراحة فهذا يعود لخلل في كتابته، أو ضعف في موهبته وعليه أن يجتهد ويعمل أكثر ليصل إلى ذلك ..
… أثار غياب الأسماء الجزائرية عن القائمة القصيرة لجائزة البوكر الكثير من اللغط، وطرح بخصوصه الكثير من التساؤلات، في نظرك لماذا هذا الإخفاق في وصول الرواية الجزائرية في الوصول إلى أدوار متقدمة من هذه الجائزة؟
صراحة يوم تحضر الرواية الجزائر في قائمة البوكر لا يتم التكلم عن ذلك، أي لا يتم التصريح بمستوى الرواية الجزائرية، ويوم تغييب بسرعة نبدأ في عملية “جلد الذات” ويسمح كل من هب ودب، وخاصة ممن لم يقرأ رواية جزائرية واحدة في حياته، وأعرف عددا لا بأس به من المتنطعين الذين يتحدثون في كل المواضيع والقضايا دون أن يكون لهم ابسط إلمام بالأمر، وهم الذين يثيرون هذه المغالطات والسخافات وهي مضحكة على كل حال ..ومثيرة للسخرية ولا تحتاج إلى كل هذا التهويل الإعلامي ..
.. لماذا هذا التعثر، وكيف يمكن أن ننتج رواية عربية بروحها وأدواتها؟
أذكر منذ ثلاث سنوات حدث نفس النقاش في المغرب مثلا عندما حضرت الرواية الجزائرية ولم تحضر الرواية المغربية وحدث نفس النقاش في العراق حول الرواية العراقية عندما لم تصل رواية عراقية واحدة ..أعتقد أن المشاركة الجزائرية ضعيفة في هذه الجائزة، فحسب ما سمعت فانه من بين 180 رواية مشاركة شاركت الجزائر ب8 روايات فقط يعني قليل جدا ..وأيضا أتصور أن منشورات الاختلاف هي الوحيدة التي تشارك في هذه الجائزة وأغلب دور النشر الأخرى لها اهتمامات غير الرواية والأدب والجوائز ..الخ
.. كيف تشخص لنا حالة المشهد الثقافي في الجزائر؟
مُبعثر وفوضوي جدًا، لم يستطع تنظيم نفسه قط، يحارب بعضه البعض، ميزانيات ضخمة لا تستطيع أن تحقق الجوهري والمرغوب فيه، هذا لا يعني أن اللوحة سوداء ، يوجد بياض متناثر ومرتبط بمساعي أفراد لا مؤسسات أو جماعات.

++++++++++

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى