الأخيرةثقافة وفنفي الواجهة

السينما الجزائرية تودع الأيقونة “شافية بوذراع”

بعد ثلاثة أيام من رحيل القدير "أحمد بن عيسى"

  بعد ثلاثة أيام فقط من رحيل الفنان القدير سيد أحمد بن عيسى تشأ الاقدار أن ترحلنا عن عالمنا فنانة قديرة، صنعت مجدها وسجلته بحروف من ذهب في ملف صناع السينما والدراما وحتى المسرح الجزائري، هي القديرة شافية بوذراع المعروفة باسم “لالة عيني” التي توفيت أمسية الأحد عن عمر ناهز الـ 92 سنة، بعد مسيرة حافلة بالأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية، استمرت لأكثر من نصف قرن.

شافية بوذراع التي عرفها الجمهور الجزائري بـ “لاله عيني” عن دورها في مسلسل الحريق للمخرج الراحل مصطفى بديع والمقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للأديب الجزائري محمد ديب، والذي تناول مراحل الاحتلال الفرنسي للجزائر قبل الحرب العالمية الثانية، وكانت شافية بوذراع الممثلة الوحيدة بين جميع الطاقم التمثيلي، كون بقية الممثلين تم اختيارهم من قبل المخرج من الهواة.

كما عرفها العالم العربي والعالمي بصفة عامة من خلال فيلم “الخارجون على القانون” للمخرج رشيد بوشارب، الذي عرض بمهرجان كان السينمائي في دورته لسنة 2010، وهو فيلم أثار جدلا واسعا حينها في فرنسا خاصة وان الفيلم يتناول الحرب التحريرية وقضية الاستعمار الفرنسي، وقد عاصرت اسطورة السينما الجزائرية العديد من المخرجين الذين صنعت معهم وبإبداعهم وفنهم مجد السينما الجزائرية التي كانت تشهد آنذاك عصرها الذهبي، وقد عرفها جمهورها ومحبيها ببساطتها وتواضعها حنانها،رغم أنها عاشت حياة صعبة جدا بعد رحيل زوجها الذي استشهد في الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وتكبدت معها معاناة المرأة، وكابدت معها حياة تربية أبنائها وأن تكون لهم الأب والأم معا.

وعلى مدار نصف قرن من الزمن، تمكنت شافية بوذراع من تقمص الكثير من الأدوار التي تنقلت من خلالها بين السينما والتلفزيون والمسرح، والذي بدأته من المسرح الجهوي بقسنطينة، كما قدمت بإذاعة قسنطينة مسلسلا إذاعياً بعوان “الهزي” في ستينيات القرن الماضي، أما أول عمل لها فكان شخصية “حرية” للمخرج مهداوي في الستينيات أيضا، أما انطلاقتها في المسرح فكانت على يد المخرج مصطفى كاتب في عدة أدوار بينها مسرحية “دائرة الطباشير القوقازي” و”المرأة المتمردة”.

ومن بين أشهر أعمالها السينمائية يوجد فيلم “كحلة وبيضاء” للمخرج عبد الرحمن بوقمروح عام 1981، و”مال وطني” للمخرجة فاطمة بلحاج، و”شاي بالنعناع” لعبد الكريم بهلول، “شرف عائلتي” لرشيد بوشارب، و”صرخة الرجال” لعكاشة تويتة، بالإضافة إلى فيلم “زواج موسى” للطيب مفتي، و “ليلى والآخرون” للمخرج علي مزيف، “هروب مع حسن طيرو” لمصطفى بديع ، “امرأة لولدي” للمخرج علي غالم “، “مصاص دماء في الجنة” لعبد الكريم بهلول، كما شاركت في أعمال فرنسية نذكر منها وفي التلفزيون شاركت الممثلة في العديد من الأعمال التلفزيونية الفرنسية على غرار “اليسار السادس” للمخرجة كلير بلانجيل، “سر إليسا رايس” للمخرج جاك أوتميزغين، “واحد ضد الآخر” للمخرج دومينيك بارون.

وتمّ تكريم الممثلة شافية بوذراع في العديد من المرات لا سيما من طرف المسرح الوطني الجزائري ومهرجاني الفيلم العربي بوهران ومهرجان الفيلم العربي بسلطنة عمان سنة 2018، عرفانا لمسارها ومسيرتها الحافلة بالأعمال الفنية التي ستبقى راسخة في ذاكرة السينما الجزائرية وفي ذاكرة جمهورها ومحبيها.

الوسط الفني حزين برحيل “لالة عيني”

خبر وفاة أيقونة السينما الجزائرية نزل كصاعقة على من عايشها من مخرجين وفنانين ومن محبين، فقد عجت مختلف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصورها والجميع ترحم عليها وتذكرها بخصالها الحميدة، معتبرين رحيلها خسارة كبيرة للسينما الجزائرية، رجين المولى عز وجل أن يرحمها ويسكنها فسيح جننها، وبالمناسبة نعت الرئاسة الجزائرية الفنانة شافية بوذراع، إحدى أيقونات التمثيل في الجزائر، وقال الرئيس عبد المجيد تبون في برقية عزاء لأسرتها “أمام هذا المصاب الجلل، فإننا نودع كوكبا أفل في سماء الفن الجزائري”. وأضاف: “صدحت المرحومة رفقة ثلة من فناني الرعيل الأول للجزائر المستقلة عبر ركح المسارح، وافتتحت بواكير الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وكانت مثالا ومدرسة لأجيال من الفنانين، ومنبعا للاحترام من جمهور المتذوقين على مر سنوات طوال”.

كما نعتها وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، وبعثت برسالة تعزية لعائلة الممثلة القديرة  شافية  بوذراع ذكرت فيها  “تلقت وزيرة الثقافة بكثير من الحزن والأسى، نبأ وفاة المغفور لها بإذن الله أيقونة السينما الجزائرية الممثلة القديرة -شافية بوذراع، عن عمر ناهز 92 سنة بعد صراع مع المرض”، وتابعت رسالتها “تعتبر الفقيدة المعروفة بشخصية “لاله عيني” تحفة لن تمحى من الذاكرة الفنية في الجزائر، فهي واحدة من الفنانات الجزائريات اللواتي عكسن الصورة النموذجية للمرأة الجزائرية في كفاحها ونضالها ضد الحرمان والجهل والفقر، وبطش الاستعمار الفرنسي، فنشرت الحب والابتسامة في الوسط الفني، ومنحت الجمهور متعة المشاهدة، فأحبها… وحرص على متابعة كل كبيرة وصغيرة في مسيرتها الفنية الثرية”.

كما نعت وفاتها ووزارة المجاهدين وذوي الحقوق، والهيئة العربية للمسرح، والعديد من الفنانين والكتاب والإعلاميين الجزائريين والعرب عبر منصات التواصل الاجتماعي.

من جهة أخرى نعى عدة فنانين جزائريين على صفحاتهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي الفنانة شافية بوذراع، من بينهم فيزية توقرتي، فضيلة حشماوي، والمخرج أمين بومدين الذي نشر صورة له مع الفنانة الراحلة شافية بوذراع عبر “أنستغرام”، وأرفقها بدعاء وترحم على روحها، ونشر المسرحي الجزائري محمد شرشال صورة جمعت بين الفنانين الراحلين شافية بوذراع وأحمد بن عيسى، قائلا: “شافية بوذراع تلتحق ببن عيسى بعد ثلاثة أيام من وفاته، وكأن الصورة ترفض إلا أن تجمعهما مع بعض في حكاية”، وتابع قائلا: “لالة عيني بطلة مسلسل الحريق لمحمد ديب، المرأة التي كرهنا تسلطها، ولكننا تعاطفنا مع جوهر الأم الفقيرة المكافحة التي كانت، المظاهر خداعة، والفقر كافر. هذا ما صنعه فينا الاستعمار الفرنسي”.

وختم منشوره بالقول: “تودعنا اليوم سيدة المسرح، السينما والتلفزيون، اليوم كما ودعنا بن عيسى الجمعة الماضي، وهي شامخة بإنجازاتها، مشيعة بحب الجماهير لها، هو الموت يعبث بنا، يموت بن عيسى أولا لتدفن شافية بوذراع قبله، سنبقى نحبكم إلى أن نلحق بكم، من أعماق القلب شكرا”.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى