الفنان التشكيلي عبد الفتاح منور للحياة العربية.. رحلتي مع الألوان لا تتوقف والفن أعطاني مكانة في مجتمعي

 

 

الفن هو عصارة أيام وسنين، وهو تلك الشحنة من العواطف والخيال، هو أيضا جمل من التركيز والتدبير، الريشة بالنسبة إليه هي عنوان للمحبة والأمل، الفن التشكيلي هو النافذة التي من خلالها يلج الى عوالم الإبداع، من هنا يبدأ  الرسام عبد الفتاح منور، ومن هنا ينطلق نحو تصوير لوحاته الفنية التي تعكس صورا للمجتمع، بثقافاته وموروثاته المتعددة، التقينا الفنان  عبد الفتاح منور  وهو يهم بوضع اللمسات الأخيرة للوحته  التي عنونها بنوفمبر الجزائر فكان هذا الحوار…

الحياة العربية : الكثيرون يولدون مبدعون، وهناك من يكون النجاح مرافقا لهم  خلال مسيرتهم الطويلة، أين أنت من هذا وذاك؟

عبد الفتاح منور: حقيقة ان الإنسان  يولد موهوبا ومبدعا في مجال ما، لكنه ربما لم يكن يدري ذلك إلا بصقل موهبته والتي تمكنه من البروز والكشف عن قدرات  تكون  مغيبة، وأعتقد أنني كنت موهوبا منذ نعومة أظافري، ووالدي هو من شجعني في أولى خطواتي، كما لقيت يد العون من محيطي الأقرب والمدرسي، وهو ما اكسبني ثقة اكبر للاستمرار ومواصلة المشوار، وكانت الانطلاقة من الطبشور وقلم الرصاص، إلى الريشة التي ترافقني إلى يومنا هذا، تترامى الواني في كل شبر.خبرتي زادت  تكوينا على أيدي أساتذة مختصين في الفنون التشكيلية خلال تكويني بالجزائر العاصمة، وهو ما أكسبني شعبا من المعرفة والغوص في مجال الرسم  بشكل ملفت. كما أعتبر رئاستي لجمعية عبد الرحمان الثعالبي وساما ومسؤولية على عاتقي.

..متى كانت انطلاقتك الحقيقية في مجال الفنون التشكيلية ؟

انطلاقتي الحقيقية كانت أثناء تكويني بمعهد  الأساتذة ببن عكنون حيث تتلمذت على أيدي أساتذة مختصين في الفنون التشكيلية وهي الفترة التي بدأت خلالها أحلامي تكبر مع فنون الرسم، وكنت واحدا من الأوائل المتخرجين الحاصلين على شهادة أساتذة الرسم بولاية البويرة، وبعدها أطلقت العنان لموهبتي وواصلت إلى غاية اليوم.

من أين تولّد حبك للفن الريشة؟ هل بالممارسة أم بالاحتكاك مع أهل الاختصاص؟

كل إنسان ينطلق من موهبة سواء اكتشفها هو أو اكتشفها غيره فيه، لكن الاحتكاك بأهل الفن هو الذي يبعث في نفسك حب المواصلة، واعتقد ان احتكاكي بالفنان القدير  المرحوم عبد المالك بودعكار الذي أعطى ما لديه لمختلف الفنون بولاية البويرة، واطلاعي على أعمال ابن المدينة الفنان العالمي محمد بوزيد  وكذا الفنان القدير علي بايري (نونوش ) وكذا الفنان الكبير عبد القادر بوصوفة ، زاد من عزيمتي ومواصلة الرسالة وحمل الريشة، وعليه الاقتداء بمن سبقوني في فنون الرسم هو طريقي لبقاء المشعل وتواصل الأجيال.

الفنان المبدع يرفض أن يكون نسخة مطابقة للآخرين، لكنه مجبر على متابعة مختلف ما يقوم به الآخرين ؟

لاشك ان الفنان لديه صورة أولية عن أي عمل، وقد يكون متأثرا بذلك، لكن هذا لا يعني التقليد في كل شيئ، الفنان يتعلم من غيره من خلال المتابعة والاحتكاك، لكن الإبداع يولد من العدم، ولذا بالرغم من تأثري بالكثير من الفنانين الذين سبقوني إلا أنني أريد أن أكون نسخة تشبهني في أفكاري وطروحاتي وأحلامي وخيالاتي، اخترت أن ارسم طريقي وان أتواجد لأكون بذاتي وعوالمي، ارفض دائما ان أكون الفنان المقلد الذي يرضى ان تسمى أعماله  بالمقلدة أو النسخة الثانية.

وهل تعتقد أن الفنان باستطاعته أن يحقق كل رغباته من خلال لوحاته  ؟

الفنان موجة لا تنتهي من الإبداع والمشاعر والأفاق، يعايش الحياة بحلوّها ومرها، ويواكب التطورات الحاصلة في محيطه ومجتمعه الكبير، وعليه لا يمكن أن يحقق كل ما يحلم به لان الحياة متجددة وهو جزا من هذا الفضاء الشاسع بتحولاته وتطوراته، والفنان يكتب ويرسم وبدع دوما وبالنسبة اليه كل يوم إطلالة أخرى مغايرة على ما سبق، فقد يرسم اليوم عن الحلم وغدا عن الحب وبعدها عن السلم وتارة عن الآفاق، عن مجتمع وعن حالات  لا تعد ولا تحصى، وعليه فأنا أعتبر أن الفنان المبدع هو حاله من العواطف والتفكير والتواصل  لا منتهية، وهو ما يجعل هذا الفنان إنسان مساير لكل ما يحيط به في مجتمعه.

ربما قد يكون محظوظا أكثر من غيره من خلال ارتباطه وتواصله مع مختلف فئات المجتمع ومعرفته بأكثر التفاصيل لأنه الأقرب؟

لا أخفي سرا إن قلت أن الفن جعلني أكثر قربا من المجتمع بكل مكوناته وفتح لي المجال لزيارة مختلف المدن الجزائرية، وذلك من خلال مشاركاتي في العديد من التظاهرات واللقاءات الفنية، والفن أعطاني مكانة في مجتمعي لأنني أكثر تفاعلا مع هذا المجتمع، احمل همه وأناجي أفاقه  وافرح لسعادته، أعيش التفاصيل الدقيقة بكياني وريشة هي حبل التواصل مع هذا المجتمع، الذي يتبنى العمل الفني ويستحسنه لأنه يجد في الفنان الوسيلة التي توصل رسالته  وتعبر عن أعماقه  من دون وسيط.

هذا يعني أن مشاركاتك بأعمال ونشاطات كبيرة دلالة على رصيدك الكبير من الأعمال؟

الفنان مهما قدم خلال مسيرته يبقى دائما يطمح للأفضل لأنه يعتقد بأن الطريق لا يزال طويلا، وبالنسبة لمشاركتي وأعمالي فهي كثيرة، وكانت أجمل خطواتي هي تأسيس جمعية اللمسة التشكيلية بولاية البويرة والتي تعمل على تطوير الفن التشكيلي، وكذا رئاستي  حاليا لجمعية عبد الرحمن الثعالبي الثقافية التي تبقى واحدة من أهم الجمعيات الناشطة في الحقل الثقافي بالولاية، وعن مشاركاتي فهي  لا تعد  فقد زرت العديد من مناطق الوطن  وشاركت في مختلف التظاهرات بلوحاتي، كما أنجزت ديكور لملحمة سي لخضر ورسمت العديد من الشعارات واللوحات وهذا ما يدفعني للمزيد من الجهد.وطموحي هو  تمثيل الجزائر في محافل ثقافية كبرى وزيارة مختلف مناطق العالم بأعمالي  حتى أكون راضيا نوعا ما عما قدمته خلال مسيرتي المتواضعة.

ماذا تعني لك هذه الكلمات في عجالة؟

الوطن..

الوطن هو الملجأ الذي نعود إليه كلما كنا بحاجة إليه، وهو الحضن الدافئ الذي لا يرفضنا مهما أخطانا.

الفن ..

هو ذلك الشيء الراقي الذي تلامسه أفئدتنا وعقولنا.

الألوان..

الألوان هي عالمي الذي يمكنني أن أعيشه  وأتقاسمه مع عامة الناس بطريقتي

المستقبل..

المستقبل هو الأفق الذي يحلم به كل إنسان ويريد أن يعيشه في الواقع

كلمة أخيرة..

أريد القول بأن الفن هو الإنسان الآخر الذي يعيش بدواخلنا، وهو الاسمي والأرقى، وعليه أتمنى أن يرقى كل فنان إلى ما بداخله من حب وسلم وخير، كما أتمنى أن نسموا على كل الضغائن ونجعل من الفن هو رمز للحلم والحياة الجميلة، كما أشكر يومية الحياة العربية التي منحتني هذه الفرصة  للتعبير بصدق عما اختلج، وكل ما أتمناه أن يسع الخير والسلم لهذا الوطن الذي ليس لدينا وطن آخر من دونه.

 

أ.دهنيز

Exit mobile version