ثقافة وفنفي الواجهة

الكوميديا تخسر رهان السباق بسبب أفكارها المستهلكة

تعتبر الأعمال الكوميدية الطبق الرئيسي في الوجبة الرمضانية الدرامية، حيث تحصل على أكبر نسبة مشاهدة باعتبارها أعمال خفيفة ومسلية، تروح عن النفس، غير أن في هذا الموسم الرمضاني الذي يشهد أعمال عديدة يبدو أن صناعها غير مدركين بهذا المفهوم  فأصبحوا يقدمون أعمالا يحضر فيها كل شيء إلا الكوميديا، تقوم على الاستظراف بشكل مبالغ فيه، بعيدة عن الحس الكوميدي المميز، هذا ما جعلها تتعرض لنقد كبير.

تشكل الكوميديا المحور الأساس في الأعمال الرمضانية التي لطالما روحت على المشاهدين في السنوات الماضية والتي كان ينتظرها بكل شغف فما كان يقدمه الممثل الراحل سراط بومدين من أعمال لا تقارن بما يقدم اليوم، لربما راجع إلى أن هناك قصورا  في فهم معنى الكوميديا، على صعيد الشكل والمضمون، وهذا ما نلمسه، بشكل واضح في عدد من الإنتاجات الدرامية التلفزيونية  لهذا الموسم، وسؤالنا هل لتلك الأعمال المقدمة تحت مسمى “الكوميديا” هل لها علاقة بالكوميديا، انهيار هذه الأعمال شاهدناه في السنوات الخمس الأخيرة، وإن كان هذا العام وصل للذروة في الانحدار، لدينا نحو خمسة أو ستة سلسلات ترفع شعار الكوميديا ولكن نسبة الضحك بها تكاد منعدمة.

الكوميديا منطقة راقية من الفن تتناول مضامين فكرية بمعالجة فنية دقيقة، وبحلول إخراجية ناجعة والأداء الرفيع والرصين، أن ما نشاهده هذه الأيام، وللأسف يعود إلى مرحلة تجاوزها الزمن، وتجاوزتها صناعة الإنتاج الفني بشكل عام، كما أن ما نشاهده من أعمال “كوميديا “هي في حقيقة الأمر، عبارة عن مجموعة من المشاهد الدرامية المكتوبة باستعجال والمنفذة بلا هوية أو طعم.

بداية بسلسلة  “الرايس قورصو” بطولة الثنائي صالح اوقروت وسيد أحمد أقومي، الذي انتظره المتابعون بشغف، كون الثنائي قدّم أعمالاً كثيرةً ناجحة من قبل، إلا أنهم تفاجأوا بالمستوى الذي ظهر فيه العمل، كونه اعتمد على كوميديا الموقف والإكسسوارات وتغيير الشخصيات، متناسي كليًا النص الذي لم يقدم أي جديد للجمهور.

أما  في سلسلة “عنتر نسيب شداد”، فكل ما تم تقدمه هو السخرية من اللغة العربية والتقليل من شأنها شكلا ومضمونا، واتخذها كاتب السيناريو أسلوبا لإضحاك المشاهدين، وفي سلسلة “بوبالطو” للمخرج سليم بومعزة، عن نص من تأليف عيسى شريط، أكثر ما تسبب في عدم نجاح السلسلة هو كمية الافتعال التي أثقل بها هذا العمل، حيث ظن صناّعه أنهم بصدد تقديم فقرة تلفزيونية شو”  مضحكة قوامها  البيئة والديكور  والشخصيات التي تعتمد على ما يعرف ب” الوستارن”، مقحمة دون بناء درامي، ومجموعة وجوه كوميدية لتجسد شخصيات العمل تتراوح بين الجودة والرداءة لم تستطع إقناع المشاهد بمحادثات مليئة بالتصنّع والإسفاف اللفظي غارق في الشعبوية مبني على نص متهالك لا يمتلك عنصر الإمتاع فلا مجال في هذا العمل الحديث عن الفكرة لأن العمل يفتقد الى اهم عنصر الدرامي وهو”الصراع”.

أما في سلسلة بوب للمخرج فريد بن موسى ومن تأليف رضا عنين، التي تعرض بالقناة الوطنية والتي تغيب هذه سنة عن السباق الدرامي الرمضاني لهذا الموسم دون مبرر، لم تستطع وعلى خلاف مواسمها السابق أن تكسب رضا الجمهور، فكل ما تحتويه هو الثرثرة والفوضى يحول من خلالها للمخرج أن ينتزع الضحكات من المشاهد رغما عنه، نص السلسلة واضح جدا انه مكتوب مستعجل مليء بالافتعال والاصطناع والتكلّف والتشدّق في محادثات الممثلين ضمن إيقاع  بلا أي رباط يجمع العمل ويوحّد بناءه الدرامي ويجعله منسجما

سلسلة “الحاج لخضر مول العمارة” لا تزال تدور في نفس القالب والمعالجة التي ظهرت بها خلال موسمها الأول، مواضيع مكررة دون أي هدف تستنزف عقل المشاهد بثرثرة وكوميديا مترهّلة تفتقد إلى أدنى رؤية أو رسالة، مبنية على الاستهبال من خلال سيناريو لا يحمل أدنى مقومات البناء الكوميدي الذي يتضمن مشاهد ونكت تضحك المشاهد بشكل ممتع ليس افتعال وانفعال مثلما يقدم.

سلسلة “بلا حدود” والتي حققت شهرة واسعة خلال سنوات التسعينيات، لم  يستطيع أبطالها “مصطفى”،  “حزيم” و”حميد” أن يعيدون لها مجدها، خاصة وأنهم ظهور عاجزين عن أداء أدوار بدنية قاسية لا تناسب سنهم، وهذا ما لمسه المتابعون في عدد من المشاهد.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى