ثقافة وفن

الناقد عبد الكريم غريبي لـ”الحياة العربية”: المسرح بحاجة إلى إستراتيجية تكوينية صارمة تشمل كل الحرف الفنية

حذر الدكتور عبد الكريم غريبي إطار بوزارة التعليم العالي و البحث العلمي من خطورة الوضع السائد الذي يشهده المسرح الجزائري، وقال إن انعدام الحرية والديمقراطية والرقابة التي أصبحت تؤثر سلبا على المردود الفني الذي سيغيبه مستقبلا عن المهرجانات العربية والعالمية ، مثل ما غاب هذه السنة عن الدورة 11 للمسرح العربي.
قال الباحث غريبي في حديث جمعه بـ “الحياة العربية” إن انعدام الحرية وتهميش المبدع الحقيقي والواعي بجميع مفردات ومضامين العملية المسرحية والرؤى القاصرة للقائمين على المشهد الثقافي بالجزائر تسببت في ركود للمسرح الجزائري الذي تراجع مستواه مقارنة ما كان عليه في السنوات الماضية، مستطردا قوله بأن المسرح نشاط ثقافي سياسي واجتماعي يتأثر بكل الارتدادات وهو نشاط تنعكس عليه كل التقلبات الحاصلة صعودا ونزولا على مستوى الأفراد والمجتمع، مشيرا إلى الصراعات التي تعرفها الأمة العربية اليوم بما فيها الجزائر يجب أن تشمل جميع القطاعات حتى يستطيع المسرح أن يعبر عن الارتدادات التي تحصل بهذه المنظومة ويأخذ على عاتقه إشكالية تتطلب البحث والدرس خاصة في العلاقة الغامضة بين المثقف والسلطة.
وفي ذات الصدد أشار الباحث عبد الكريم إلى التكوين والذي يرى انه مسالة ضرورية ويجب التفاتة لها ووضع استراتيجية واضحة المعالم بخصوص، حيث قال ” إن مسألة التكوين المسرحي في الجزائر مرت بمرحلتين، الأولى منها كانت سنة 1964 ببرج الكيفان وكان تكوينا استعجاليا في إطار منظومة سياسية وثقافية مؤسسة على بيان 1963، وقد تكفلت به نخبة من المثقفين العرب والغرب وقدم جيلا من الممثلين والمخرجين صنعوا ربيع المسرح الجزائري وكذلك نخبة من المنشطين الثقافيين الذين قاموا بالإشراف والتسيير للشأن الثقافي والمسرحي، أما المرحلة الثانية تحول معهد برج الكيفان إلى نوع أخر من التكوين تكفلت به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إطار اتفاقية مع وزارة الثقافة على أسس بيداغوجية و تعليمية تضمن الحصول على شهادة جامعية، وعليه عرف المعهد تقلبات وعدم وضوح الرؤية الاستشرافية التي ترتبط بالجانب المهني والجانب النظري وما يتطلبه من الوسائل المادية والبشرية ولتأطيريه وتحديد مجالات الاختصاص مسرح سينما كوريغرافيا وغيرها من المهن، كما انفتحت الجامعية على الدراسات المسرحية في وهران سنة 1986 وتبعتها العديد من كليات الفنون التي ارتبطت أغلبها بالأدب واللغة دون مراعاة للخصوصية الفنية التطبيقية للمسرح وبقيت الدراسة نظرية صرفة من أجل الحصول على الشهادة وليس التكوين من أجل التأهيل المهني لغياب التأطير الخاص”، داعيا في ذات السياق إلى إعادة النظر في مسألة التكوين والفصل بين التكوين النظري والتطبيقي والاعتماد على الخبرات الأجنبية عبر إستراتيجية تكوينية وتأهيلية صارمة مع ضبط مستويات التكوين المنفتح على كل الحرف المسرحية الفنية والتقنية حسب المستويات الثلاث الليسانس، الماستر،والدكتوراه.
وبخصوص رؤيته لواقع المسرح الجزائري يقول محدثنا إن المسرح بالجزائر عرف فترة قوية متنوعة الأشكال والمضامين ساهمت فيه نخبة من المثقفين والمسرحيين في إطار منظومة ثقافية شاملة رافقتها الدولة وانخراط النخبة المثقفة بكل مشاربها الإعلامية والإيديولوجية والاجتماعية، أمثال كاكي ومصطفى كاتب، وكاتب ياسين وسلمان بن عيسى وبن قطاف وكذلك مسرح الهواة الذي اعتبره المدرسة الحقيقية لجيل الثمانينات مثل الطيب دهيمي، عمر فطموش، حسن بوبريوا عثماني مختار والعديد من تجارب نخب مسرح الهواة ، أما في فترة التسعينات يقول المتحدث قد شهد المسرح الجزائري وكبات عنيفة شملت جميع المستويات و الأصعدة. ففي المستوى الثقافي مثلا يصرح المتحدث أحدثت هذه الفترة انقطاعا بين الأجيال من ناحية وغياب منظومة شاملة للشأن الثقافي والمسرحي وغياب التكوين وعدم انخراط النخبة في الفعل الثقافي، بالإضافة إلى تقهقر التربية والتعليم في كل مستوياته ولقد حاولت الدولة باستدراك الأمر وملء الفراغ بخلق آليات الإنتاج المسرحي من خلال الدعم والتأسيس والهيكلة وفتح الأبواب للمساهمين حيث عرفت فترة 2000 كما هائلا من الإنتاج المسرحي بمساهمة جيل جديد متعطش لإبراز مواهبه وأفكاره، بعفوية وفي كثير من الأحيان باندفاع والحاجة إلى الاستفادة من الدعم المادي أو شكل من أشكال التشغيل غير أن التجربة هذه عرفت من ناحية أخرى عشوائية في التسيير تحتاج إلى منظومة مؤطرة ومقاييس وإستراتيجية وإعادة نظر في آليات التكوين والإنتاج والتوزيع.
نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى