مقالات

النكبة العربية الكبرى

واسيني الاعرج

حالة مستعصية على الفهم: رفض الحكام العرب رؤية ما يعيشونه اليوم أنه نكبة حقيقية بكل المواصفات، يتم فيها نهبنا وإخراجنا من التاريخ، وتحويلنا إلى كيانات مشردة، ضائعة أو تابعة.

أكبر ما حلّ اليوم بالعرب هو تجريدهم من أيّ مبادرة، ومن أي وجود موحّد، كلّ يغني بليلاه، ليسهل الانقضاض عليهم واحداً واحداً كما في ملوك الطوائف لا يختلف العدو في الجوهر، بين ملوك كاثوليك يحملون في أعماقهم حقد ثمانية قرون، وربما أكثر، وكيان صهيوني يحمّل العرب معضلات التاريخ والحاضر.

نكبتان تُجسِّدان هذه الحالة: الأولى سقوط الأندلس، وإنشاء محاكم التفتيش المقدس في فترة الطرد والاسترجاع، فكانت الفجيعة الأولى، طرد ثلاثة ملايين من الموريسكيين والمارانيين (المسلمون واليهود)، وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة في عراء السواحل، فكان أكبر هولوكوست في التاريخ، دفع إسبانيا الحالية إلى الاعتذار لليهود ومنحهم استرجاع هوية أجدادهم، وهو أمر حضاري طبيعي، لكنهم لم يعتذروا للمهجرين من المسلمين، الموريسكيين، الذين كان أغلبهم قد أصبح مسيحيّاً منذ قانون الملكة إيزابيلا وفرديناند.

لنتخيّل قليلاً تلك الحشود واقفة على حواف الموانئ الإسبانية تنتظر السفن الإيطالية التي تنقلهم نحو الضفة الأخرى، كثير من هذه السفن كانت ملكاً لقراصنة بحار، ترمي أغلب المهجرين في عرض البحار بعد تجريدهم من أموالهم.

الهولوكست العربي الثاني: اتفاقية سايكس بيكو، التي استباحت الأرض العربية، ومزَّقتْها فرنسا وبريطانيا، وخلقت عليها دويلات هشَّة منعتها من أيّ انتقال حقيقي نحو الحداثة، وفصلت فلسطين عن بقيَّة الأراضي العربية، وَوُضِع لها قانون خاص انتهى ببريطانيا إلى تسليمها لعسكريي الهاجانا والشتيرن الصهيونيين، وتشريد الشعب الفلسطيني في ثاني أكبر عملية طرد في التاريخ.. شعب أخرج من أرضه ورمى في مخيمات الموت.

وفي ظل صمت عالمي متواطئ، تحولت الأرض العربية، إثر ذلك، إلى رقعة شطرنج كبيرة، تتحرك فيها مصالح القوى الدولية، وتمّ خلق شرق أوسط، ابتدعه الغرب الاستعماري من خيالاته وأوهامه وأحلامه، ليتمكن من الهيمنة على الخيرات العربية.

وما الشرق الجديد، الذي يمرر اليوم عبر الاتفاقيات والمعاهدات، إلا استمراراً للشرق الذي رسخته اتفاقيات سايكس بيكو، التي جعلت من الكيان الصهيوني قوة الهيمنة المطلقة في المنطقة، فقد حلَّت محل سايكس بيكو الجغرافية والأرض، سايكس بيكو الطائفية والإثنية والعرقية ليكون التمزق العربي شاملاً، في ظل «البُعْبعين» الإسلاموي والفارسي.

في حالة اندلاع حرب مجنونة بين إسرائيل وإيران، ستكون الأراضي العربية، الخليج بالتحديد، الضحية الأولى، ولن تحمي إسرائيل إلا نفسها، من داخل الأراضي العربية، فالدم اليهودي مقدس، والدم العربي مستباح.

إن المشهد التراجيدي الذي نراه اليوم يتأسَّس داخل الجحيم والحسابات الدولية، لا يخرج عن المسار التمزيقي الذي شُرِعَ فيه منذ أكثر من قرن، وربما كان أكثر خطراً وتجذراً، فما كان يقبل قديماً كدولة عربية، اختزل في الإثنية أو الطائفة، وقريباً في القبيلة.. النار أصبحت في البيت العربي.. قرن من الخيبات، والنزيف العربي مستمر.

الرؤية الإماراتية

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى