ثقافة وفن

“انتغون” فيلم يروي قصة مهاجرين جزائريين بنظرة كندية

قدم امس، بالدورة الـ49 من مهرجان روتردام السينمائي فيلم “انتيغون” للمخرجة الكندية صوفي ديراسب، يتناول قضايا العنصرية والهجرة وعنف الشرطة وعقم القانون، والحلم بالتحقّق في مجتمع جديد هربا من الموت في الوطن.

فيلم “انتغون” المأخوذ من قصة سوفوكيلس، يكشف لنا واقعنا اليوم الذي يتخبط في صراعات سياسية واجتماعية، فالمخرجة الكندية صوفي ديراسب تناولت في هذا الفيلم قضايا كثيرة تتعلق معظمها بالعنصرية والهجرة وعنف الشرطة وعقم القانون، والحلم بالتحقّق في مجتمع جديد هربا من الموت في الوطن، والمعالجة التي كتبتها المخرجة نفسها جاءت بالطبع بتصرف كبير رغم حضور معظم شخصيات المسرحية الأصلية، سوفوكليس.

قصة الفيلم تتناول قصة عائلة مكونة من الجدة “مينيس” (رشيدة أوسعادة) ومعها أربعة أطفال قتل والدهم في الصراع المشتعل في الجزائر، الأطفال الأربعة هم: الابن الأكبر “اتيوكيل” (حكيم براهيمي)، والأصغر “بولينيس” (رواض الزين)، والابنة الكبرى “اسمين” (نور بلخيرية)، والصغرى “أنتيغون” (نعيمة ريسي) وهي ممثلة من أصل تونسي. تمر السنون. ولا يزال وضع الأسرة في المهجر غير مستقر، فلم يحصل الجميع بعد على الإقامة الدائمة، ولكن أنتيغون تتفوّق في دراستها وتنال مكافأة مالية نتيجة تفوّقها في المدرسة الثانوية. إنها ما زالت في السابعة عشرة من عمرها. تتطلع إليها الأسرة في أمل. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فالآلهة تدبّر أمورا أخرى غير ما يحلم به المرء ويتمناه حال التراجيديا اليونانية، الابن الأصغر بولينيس ضالع في أعمال غير قانونية ترتبط بتوزيع المخدرات، وقد سبق أن قبض عليه وقضى فترات في السجن. وذات يوم أثناء وجوده مع مجموعة من الشباب، تداهم الشرطة المكان يريدون القبض عليه، يتصدى لشرطي، وتنطلق رصاصة تصيب شقيقه اتيوكيل في مقتل. يلقى ببولينيس في السجن حيث يواجه الترحيل إلى الجزائر التي لا يعرف عنها شيئا فقد غادرها وهو طفل صغير.

يتفتق ذهن أنتيغون “نعيمة ريسي” عن خطة لإنقاذه والتضحية بنفسها، فتقص شعرها بحيث تشبه أخاها تماما، وترتدي باروكة وتذهب لزيارته في السجن مع جدتها، ثم يحدث التبادل على أن يخرج بولينيس ليغادر كندا بأسرها، وتقبع أنتيغون في مكانه إلى أن يكتشف أمرها فتتفجّر القضية في عموم البلاد وتصبح قضية رأي عام.

ما الذي يدفع أنتيغون إلى التضحية بنفسها من أجل شقيقها المتوّرط بالفعل في أعمال مخالفة للقانون؟ هذا السؤال تجيب هي عليه بكل قوة “قلبي يقول لي..”، ويصبح هذا القول شعارا يتردّد في حملة شبابية ضخمة يتم الحشد لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أنتيغون هي كما في التراجيديا اليونانية، رمز التضحية بالذات من أجل العائلة، فالعائلة تظل لها المكانة الأولى، وهذا المنطق ليس من الممكن أن يفهمه المحقّقون أو القضاة، وهي تحتج على النظام القضائي كله وتكشف عيوبه ولا إنسانيته.

الفيلم استعان بالكثير من الأغاني الشعبية من منطقة القبائل في الجزائر التي يفترض أنها أصل تلك العائلة المهاجرة، وتبتكر المخرجة فكرة جلوس الجدة في الحديقة المقابلة للسجن، تنشد كل يوم الأغاني القبائلية، يحيط بها عدد يتزايد يوميا، من الشباب والكبار، في شبه فنية صامتة تضامنا مع أنتيغون.

للإشارة، الفيلم حصل على جائزة أحسن فيلم كندي في مهرجان تورنتو السينمائي، كما تقدّمت به كندا للرشيح لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، ولكنه لم يصل إلى الترشيحات النهائية.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى