ثقافة وفنكتب

ا الكاتبة الجزائرية كوثر عظيمي تتناول في “نذير شؤم” قدرة الأدب على تحطيم حياة

بعد 5 سنوات على فوزها بجائزة رونودو لتلامذة الثانويات عن روايتها “ثرواتنا” التي كانت بمثابة تكريم للكتب تنشر الكاتبة الجزائرية كوثر عظيمي قصة عائلية تكشف فيها القدرة المدمرة للأدب، وتحديدا السيرة الذاتية التخييلية.
تعتبر عظيمي روايتها “نذير شؤم” (Au vent mauvais) الصادرة يوم الجمعة الماضي عن دار “سوي” الفرنسية مناقضة تماما لروايتها “ثرواتنا” (Nos richesses) الصادرة عام 2017 والتي عرّفت الجمهور العريض بها، وكانت تلك الرواية تكريما حقيقيا للأدب والكتب، وروت فيها قصة إدمون شارلو الذي عايش ونشر أعمال أكبر روائيي عصره، وبينهم ألبير كامو.
…العودة للجزائر
تجري وقائع رواية عظيمي الجديدة كالعادة في موطنها الجزائر التي شكلت أيضا خلفية لشخصيات روايتها “صغار ديسمبر” (Les petits de Decembre) عام 2017.
رواية عظيمي الخامسة “نذير شؤم” تروي قصة ثلاثي يتكون من سعيد (الابن المدلل لعائلة ميسورة)، وطارق الذي ربته والدته وحدها، وليلى الفتاة المتمردة التي يسعى أهلها إلى تزويجها على وجه السرعة.
افترق الثلاثة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، غير أن طارق وليلى التقيا مجددا وتزوجا، في حين بقي مصير سعيد مجهولا.
وبعد سنوات ظهر سعيد مجددا في حياة الزوجين مثيرا فضيحة حقيقية، فقد أصبح كاتبا وأصدر رواية لقيت أصداء واسعة، رواية مفعمة بالشهوة عن سنوات شبابه، يتحدث فيها بشكل طاغ عن ليلى فيصف وجهها وجسدها محتفظا باسمها الحقيقي ومبقيا حتى على اسم القرية الجزائرية حيث نشأ، وشكلت هذه الرواية نقطة تحول قلبت حياة ليلى وطارق رأسا على عقب.
لا تقدم الرواية “عرضا جيوسياسيا عن الجزائر”، لكنها تعطي لمحة عن مختلف حقبات تاريخ البلد، من الاستعمار الفرنسي إلى السنوات الأولى من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وصولا إلى “العشرية السوداء” بين 1991 و2002.
تقول الروائية لوكالة الصحافة الفرنسية “أردت أن أروي كيف يمكن للأدب أحيانا أن يكون نذير شؤم، لأن ما يقلب حياة زوجين ويدمرها في هذه القصة هو كتاب”.
…تجربة شخصية
وتضيف عظيمي أنه في نهاية المطاف “إنها قصة امّحاء، امّحاء أتاحه الأدب الذي جعل زوجين متواضعين لم يكن لهما يوما وصول إلى الثقافة، غير مرئيين، خلافا لسعيد الذي يستخدمه ضدهما”.
وتعود جذور القصة إلى تجربة شخصية عاشتها الكاتبة أيام دراستها في جامعة الجزائر، إذ وقع “بالصدفة” بين يديها كتاب سرعان ما أدركت أنه يتحدث عن جدّيها.
تقول عن المسألة “هذه القصة أحرجتني كثيرا في البداية، ثم شيئا فشيئا أصبحت أشبه بطرفة أرويها في نهاية سهرة على الأصدقاء الذين يبقون لمساعدتنا على التوضيب”، غير أن الكتاب ليس سيرة ذاتية تخييلية.
وتصر الكاتبة “أحب التخييل، أحب الحرية التي يمنحني إياها، وأحب خصوصا الاستسلام لمخيلتي، هذا أمر أنا متمسكة به كثيرا، قد يتبدل الأمر في أحد الأيام، لكنني في الوقت الحاضر أريد البقاء في المجال الروائي”.
وتختم “لطالما تساءلت: لماذا يحتاج الكتاب إلى هذا الحد إلى الواقع، في حين أن التخييل مصدر إلهام لا ينضب؟”.
….”حجارة في جيبي”
ولا تبعد “نذير شؤم” كثيرا عن موضوعات روايات كوثر عظيمي السابقة، ومنها “حجارة في جيبي” الصادرة عن دار “سوي” الباريسية بعد صدورها عن دار “برزخ” الجزائرية.
الرواية السابقة مكتوبة على شكل دفتر يوميات حميمة تسرد فيه شابة جزائرية في سن الـ30 حاضرها الممزق بين قلق وأمل، وأيضا بعضا من ذكريات طفولتها ومراهقتها اللتين عاشتهما في وطنها قبل أن ترحل إلى باريس للفرار من مجتمع يتعافى بصعوبة من العشرية السوداء.
لكن استقرارها في “مدينة الأنوار” لن يحول دون شعورها بحنين يقض مضجعها، حنين إلى حياة عائلية فقدتها مع رحيلها، وحنين إلى وطنها رغم اختبارها فيه “ضوضاء القنابل، صراخ الناس، غضب بعضهم، ويأس بعضهم الآخر”.
في مكان ما من الرواية تقول الراوية “لا نغادر الجزائر كما نغادر أي بلد آخر، يحتاج الأمر إلى قوة لقول الوداع إلى عصا الجد القابعة في الزاوية، إلى الأب المريض، إلى الأم الباكية”.
ويكفي أن تشاهد في منفاها نملة حمراء كتلك التي سكنت طفولتها حتى تتسارع دقات قلبها وتعمد إلى شراء بطاقة سفر للعودة خوفا من أن تكون قد فقدت بعضا من روحها في المدينة الأوروبية التي تقطنها.
بعيدا عن ماضيها، تعمل الراوية في باريس داخل دار نشر تعنى بإصدار مجلات مخصصة للأطفال، وقد يرى البعض في ذلك إنجازا، لكن عظيمي تبين لنا من خلال حياة بطلتها أن الأمر ليس بهذه البساطة، فإلى جانب “تعذر تكوين صداقات حقيقية داخل مدينة غريبة” فإن باريس هي المدينة التي “تتحطم فيها الأحلام” و”تقضم العزلة الجسد”.
نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى