بعد تفاقم الوضع بسبب أزمة كورونا، ناشرون يجمعون:”تجاوز أزمة الكتاب في الجزائر يحتاج إلى تدخل سريع من وزارة الثقافة “

لاتزال أزمة النشر في الجزائر تلقي بظلالها على المشهد الثقافي الجزائري، وما زاد في تفاقم الوضع تداعيات تفشي جائحة كورونا التي ضربت الجزائر على غرار كل بلدان العالم، ما أدى إلى انخفاض في إصدارات العناوين الجديدة وتوقف العديد من دور النشر والمطابع، مما أثر سلبا على سوق الكتاب في الجزائر.
تسبب انتشار وباء كورنا بغياب العديد من التظاهرات الأدبية والثقافية خاصة منها ما تعلق بالكتاب الذي تفاقمت أزمته مع تفشي الوباء، والذي يعاني من مشاكل مختلفة منها ما هو متعلق بسوق الكتاب وأسعار الورق التي غالبا ما تخضع لتقلبات السوق العالمية، فتأجيل الصالون الدولي لمعرض الكتاب لسنتين على التوالي حرم الناشرين والموزعين من موعد مهم مع رواد المطالعة وقلص مداخيلهم المالية بشكل ملحوظ، وضاعف في حجم الخسائر الفادحة التي لحقت بهم بسبب تعليق الفعاليات والمعارض وإغلاق المكتبات خلال فترات الحجر الطويلة التي ألحقت كسادا بالسوق، وتقدر عدد من دور النشر في الجزائر بتراجع أرقام المبيعات بنسبة تراوح بين 60 و70 في المائة لعام 2020، وأسهمت بعض المبادرات المحلية في تخفيف آثار الخسائر المادية، على غرار حملة التخفيضات وجمع الكتب التي قامت بها دار “برزخ” لإنعاش مداخيلها المالية.
وما يمكن ملاحظته أن أزمة كورونا لم تأثر على قطاع النشر الخاص فحسب فحتى المؤسسات العمومية شهدت تقليصا في منشوراتها على غرار المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية “إيناغ” التي ركزت نشاطها في السنة الأخيرة على نشر الكتب شبه المدرسية.
وبالمناسبة، قال مسؤول دار “برزخ” للنشر والتوزيع سفيان حجاج، إن الوباء أتى بصورة مباغتة للغاية ليوقف النشاط كليا، موضحا أن معرض الجزائر يوفر ربع إيراداته السنوية، ويري أن تدخّل وزارة الثقافة أصبح ضروريا لتجاوز هذه الازمة وللنهوض بمجال صناعة الكتاب من خلال وضع استراتيجية جديدة من شأنها اعادة بعث هذا النشاط.
من جانبه، أبدى مدير دار الياسمين للنشر مصطفى معاش، خيبته من وضعية سوق الكتاب، وحذّر من أن الإفلاس سيكون مصير الكثير من المكتبات إن استمر الوضع على ما هو عليه، مع استمرار جائحة كورونا، حيث أثّرت الأزمة على حركة البيع سلبًا، وتابع المتحدّث قوله “أن المقروئية في الجزائر تعرف من قبل نقصًا وتراجعًا، وأن تداعيات أزمة كورونا ضاعفت من أزمة القراءة والكتاب، كما عقدت من الوضع المالي للمكتبات”.
أما رئيس النقابة الوطنية لناشري الكتاب أحمد ماضي ومدير دار “الحكمة” يرى أن القطاع يعيش في وضعية كارثية منذ سنوات في ظل غياب سياسة ثقافية، ما جعل العديد من دور النشر والمطابع- حسبه – تختفي أو تتوقف ظرفيا عن العمل أو تغير نشاطها، ويرجع المتحدث هذا الوضع لعدة عوامل بينها تراجع دعم الدولة للقطاع بسبب سياسة ترشيد النفقات وتقلص أعداد المكتبات وارتفاع تكاليف الطباعة بالإضافة إلى تراجع الكتاب الورقي أمام الوسائط الرقمية، مؤكدا على أن الجائحة وإجراءات الحجر فاقت هذا الوضع الصعب وأصابت القطاع بالشلل بتوقف حركة البيع وغلق المكتبات وإلغاء مختلف الفعاليات المتعلقة بالكتاب، ولتجاوز الأزمة يقول المتحدث يحتاج إلى تدخل سريع لوزارة الثقافة وتجديد سياسة تسير القطاع.
اما الناشر توفيق ازدي، قال إن الأزمة تضاعفت بسبب توقف دوران المطابع، وهذا نتيجة نقص في المواد الأولية كالورق أو المواد الخام المستوردة من الخارج، خاصّة من الصين، نتيجة توقّف الشحن والتجارة الدولية، مؤكدا بأن المكتبات تأثرت سلبًا بمواعيد الحظر الذي شهدته مختلف ولايات الوطن، وتقليص عدد ساعات العمل بالمكتبات، وإحجام المواطن عن النزول إلى الشارع والتسوّق، إضافة إلى حظر التنقّل، كلّها عوامل تسبّبت في تراجع حركية المبيعات بالمتاجر، زيادة على تعليق الأنشطة الثقافية داخل المكتبات التي تساهم في العادة في رفع المبيعات، وأبدى المتحدّث تشاؤمه من إمكانية انتعاش التجارة الإلكترونية، نظرًا إلى غياب بنية تحتية للتوصيل بأسعار مدروسة ومعقولة، وفي غياب أرضية بنكية تسمح للمشترين باقتناء الكتاب عن بعد، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن النشر الإلكتروني في الجزائر، بما أن الكتاب الورقي لا يزال يعاني ضعفًا وينقصه الكثير.
من جانبه أكد سفيان بن نعمان مدير دار النعمان للنشر، أنّ آثار هذه الجائحة كانت كارثية على الناشرين، إذ عجز الناشرون بفعل إلغاء الكثير من التظاهرات الوطنية والدولية عن الاستمرار في نشر الكتاب بالوتيرة نفسها التي كانوا يشتغلون بها قبل ظهور هذه الجائحة، معتبرا بأنّ مؤسّسته لم تصدر ولا عنوان واحد على حسابها، بل اتّجهت إلى النشر على نفقة المؤلف، ومع ذلك لم يتجاوز عدد العناوين التي أصدرتها الدار 15 عنوانًا منذ بداية جائحة كورونا، وأكد بالمناسبة أنّ الآثار السلبية على الناشرين لم تكن بالحجم نفسه، وإنّما كانت بأشكال متفاوتة، فالناشرون الذين يملكون مطابعهم الخاصّة تأثّروا بصورة أقلّ من نظرائهم الذين لا يملكون مطابع خاصة أو شبكات توزيع.
وقال بخصوص اوضاع الناشرين إنها ازدادت سوءًا بسبب غياب كلّ أشكال الدعم وتوقُّف حركة توزيع الكتاب، وحرمان دور النشر من التظاهرات الدولية والوطنية الخاصة بالكتاب، والتي أُلغيت طيلة عامين كاملين، خاصة تظاهرة صالون الجزائر الدولي للكتاب، وبهذا الصدد دعا ضرورة تدخل وزارة الثقافة الجهة المسؤولة عن هذا القطاع والنظر في مشاكلها التي تتفاقم سنة تلو الأخرة.
نسرين أحمد زواوي