“تاريخ الشرق الأوسط” لماذا يستهدفه الغرب؟ كتاب لـجورج قرم

يتناول كتاب ” تاريخ الشرق الأوسط من الأزمنة القديمة إلي اليوم” لـ جورج قرم جغرافية الشرق الأوسط وتاريخه قديماً وحديثاً بشمولية وموضوعية، حيث نشأت أهم الحضارات في تاريخ البشرية، ومنها الحضارة الإسلامية، مفسِّراً سبب استهداف هذه المنطقة وأهميتها، ومعلِّلاً ما ضربها من أحداث وما تناوب عليها من حضارات، ويضع رؤية لما يمكن أن تؤول الأمور إليه مستقبلاً في ظل مختلف العوامل الفاعلة، وفي ضوء الإمكانات البشرية والثروات الطبيعية والأوضاع العالمية والتحالفات القائمة وتبدُّل موازين القوي وتزعزع البنيان الاقتصادي وثباته.

يواكب خط التطور ذا الارتباطات الكثيرة والتشعُّبات، وفق معايير مختلفة لا تنحصر بالمعيار الديني كما يفعل الكثير من المؤرخين أو المحللين، عندما يروون أحداث المنطقة. فالسرد التاريخي هنا يعتمد الكثير من المعايير الموضوعية والوضعية، مثل الديموغرافيا والثقافة واللغة والاقتصاد والتنظيمات السياسية – الاجتماعية.

يكشف برؤية علمية تحليلية تفصيلية أنماط صيرورة تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي شغلت وما تزال تشغل قيادات العالم السياسية لتجيء مقاربته شاملة لا حصرية، وتجيب علي أسئلة ملحة تراودنا جميعا: متي ستدخل المنطقة حالة الاستقرار وكيف سيتم القضاء علي عوامل العنف التي تهزها بشكل متواصل منذ 200 عام؟.

..يقول الكتاب:

لم ينفتح القرن الواحد والعشرون، ويا للأسف، علي الشرق الأوسط بطالع أفضل من القرنين السابقين، حيث أنه استُهلّ بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطن التي نُسبت إلي تنظيم القاعدة الإسلامي الإرهابي الغامض، أدت هذه الهجمات إلي قيام ائتلاف عسكري برعاية أميركية بغزو أفغانستان، ومن بعدها العراق، وهكذا، فإن موضوع “صراع الحضارات”، الذي تم التعبير عنه منذ العام 1993م في مقالة العالم السياسي الأميركي سامويل هانتينجتون، أصبح محورياً في الرؤية الجغرافية للقرن الجديد: وها إن الدين الإسلامي يلعب من جديد الدور الوهمي الذي يبرز المخاوف الأوروبية، ومقدّماً في الوقت نفسه المبرر لإرادة الهيمنة الغربية علي الشرق الأوسط.

ويهدف عرض تاريخ الشرق الأوسط الذي نقترحه هنا إلي أن نوفّر للقارئ عناصر معرفة “وضعيّة” لهذه المنطقة من العالم، ونقصد بذلك معرفة لا تكون أسيرة المعيار الديني بوصفه العامل المحدد الوحيد للحقبات التاريخية ولميزاتها، فهناك عوامل كثيرة أخري هي في الواقع علي القدر نفسه من التحديد، هذا إذا لم يكن أكثر، من ظهور هذه الديانة أو تلك: البيئات الجغرافية، تطور الديموغرافيا، تشكيل المجموعات الألسنية والثقافية الكبري من خلال الغزوات الكثيرة التي عرفها الشرق الأوسط علي امتداد تاريخه، العوامل الاقتصادية، ثروة المنطقة من الطاقة وتطور التقنيات ووسائل النقل، إلخ.

شكلت المنطقة، بالتأكيد، مهد الديانات التوحيدية الثلاث. وطبعت هذه ببصماتها المختلفة ليس الشرق الأوسط وحسب، بل أوروبا أيضاً، بالإضافة إلي أجزاء كبري من القارة الآسيوية الشاسعة. وهي لم تنجح مع ذلك في توحيد أو ضم شعوب مختلفة سوي في خلال بعض الحقبات، وحتي في قلب ميادين الديانات التوحيدية ، شكّلت الانشقاقات، والهرطقات، والتفسيرات المتباعدة للدين ثابتة التاريخ الديني والسياسي نفسه. وهكذا، كما سنري، فإن عرضنا حول الشرق الأوسط يرفض المقاربة الحصرية من خلال المؤشرات التاريخية الدينية.

Exit mobile version