مقالات

تداعيات كورونا بدأت تتجلى في عالمنا العربي

 محمد عايش

السياسات المتشددة التي تبنتها بعض الدول العربية في مواجهة وباء كورونا بدأت تداعياتها تتجلى، وبدأنا نتلمس تدريجياً الكارثة، على الرغم من أن الجائحة لم تنتهِ بعد، بل إن أغلب العلماء في العالم أصبحوا يرجحون موجة ثانية منها، قبل التوصل إلى لقاح ينهي هذا الكابوس الذي يُؤرق البشرية.

الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية، التي بدأت تتجلى في الدول العربية، التي تبنت سياسات متشددة، تؤكد أن هذه السياسات كانت أكثر تكلفة من الجائحة ذاتها، وأن انتشار المرض – إن تم- فهو أهون على الناس من التداعيات، التي باتوا يواجهونها اليوم، وهنا يتأكد مرة أخرى أن السياسات المتوازنة في مواجهة كورونا، التي تبنتها دول غربية مثل بريطانيا وسويسرا والسويد هي الأصح، كما أن بعض الدول مثل تركيا، جرَّبت التشدد في الإغلاق لفترة وجيزة، وسرعان ما تراجعت عنه بعد أن أدركت هذه الحقيقة.

حظر التجوال المشدد، والإغلاق الشامل، الذي جنحت نحوه بعض الدول العربية منذ شهر مارس الماضي، كان يعني أنه سيُسبب مشاكل قاسية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار ونسب البطالة، وتآكل في القدرة الشرائية والإنفاقية لدى الناس، بما ينعكس سلباً على الواقع الاجتماعي، ويؤدي بالضرورة الى اضطرابات أمنية واجتماعية وعائلية، إضافة الى أزمة اقتصادية خانقة قد لا تتمكن بعض الدول العربية من مواجهتها. ثمة نماذج عديدة لدول تشددت في سياسات مكافحة كورونا، ووضعت مكافحة الوباء أولوية، بغض النظر عن أي تكلفة، لكن الفاتورة بدأت تظهر اليوم وتبدو باهظة أكثر مما كان الناس يتوقعون في مارس الماضي.

في الأردن، على سبيل المثال، أمضى الرأي العام أسبوعه الماضي في الحديث عن ثلاث جرائم مرعبة وغير مسبوقة، إحداها لرجل قتل ابنته في الشارع على مرآى ومسمع من المارة، ثم جلس يحتسي الشاي الى جوار جثتها، بينما لم يتمكن المارة والجيران سوى التصوير بهواتفهم، وبث الصرخات على شبكات التواصل الاجتماعي.. كان مشهداً مرعباً ووحشياً بالغ البشاعة، أن يقتل أب ابنته وأن يقوم الأبناء بحماية الجريمة، ومن ثم يحتسي الأب كوباً من الشاي في انتظار وصول الشرطة! جريمة أخرى بفارق ساعات قليلة في الأردن أيضاً، بطلها شاب حمل سلاحه الأوتوماتيكي وأمطر والدته وشقيقاته بالرصاص، وهن آمناتٍ في منزلهن، فتوفيت الأم بينما أفلتت الشقيقات من الموت بأعجوبة، أما الحادثة الثالثة التي لا يُعرف حتى الان فيها من المعتدي ومن المعتدى عليه، فهو هجوم بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء استهدف محلاً للخضار والفواكه، بسبب خلاف بدأ عند «الفقوس» وانتهى بالهجوم المسلح. تتزامن هذه الجرائم مع ارتفاع حاد في مستويات البطالة والفقر، حيث ارتفعت نسبة البطالة في الربع الأول من العام الحالي الى 19.2% بحسب البيانات الرسمية، وهذا الرقم يعود الى ما قبل جائحة كورونا، وقبل حظر التجوال الشامل، والإغلاق المشدد الذي بدأ يوم 18 مارس الماضي. ما دفع البعض الى توقعات بأن تتراوح البطالة بين 25% و27%.. علماً بأن نسبة البطالة في الأردن كانت عام 2013 لا تتجاوز مستوى 11% فقط.

في الكويت ثمة مثال آخر، حيث يتحدث تقرير حكومي عن أن 78% من الشركات أصبحت مهددة بالإفلاس والانهيار، وأن 320 شركة تقدمت بشكاوى بسبب تغيب عدد من عمالها، وعدم قدرتها على استقدام غيرهم، أما العمال المتغيبون فهم عبارة عن 110 آلاف عامل وموظف وافد كانوا خارج البلاد، عندما تم الإغلاق، وأصبحوا عالقين ولم يعد بمقدورهم العودة لاستئناف أعمالهم. إجراءات الإغلاق والحظر الشامل في بعض الدول العربية لم تكن موفقة، خاصة أن هذه الدول ما زالت أنظمة الرعاية الاجتماعية فيها قاصرة، ففي دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من أنهم لم يتشددوا في الإجراءات، إلا أنهم إضافة لذلك أقروا حزماً عاجلة للتحفيز الاقتصادي، ودعم المحتاجين، وتعزيز الرعاية الاجتماعية، وقدّم العديد من الدول الكبرى مساعدات نقدية مباشرة، بل وصل الأمر في كوريا الجنوبية، أن أرسلت الحكومة طروداً غذائية لكل منزل فيه أطفال، وهو عبارة عن الطعام الذي كان يتم تزويده للأطفال في المدارس.. كل هذه الإعانات والحزم التحفيزية والمساعدات لا تتوافر في دولنا العربية، فكيف بنا إذا تم فرض حظر التجوال، وتم فرض الإغلاق الشامل ودخلت بلادُنا في أزمة اقتصادية؟

القدس العربي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى