ثقافة وفنفي الواجهة

“ترانيم عاشق الحمراء” ملامح فكرية وجمالية في زمن الوجود الإسلامي بإسبانيا

صدر حديثا، عن دار المثقف للنشر والتوزيع مجوعة شعرية جديدة للشاعر سمير خلف الله تحمل عنوان “ترانيم عاشق الحمراء”، وهو اسم أخذه الشاعر من تسمية قصر الحمراء المشهور بغرناطة، واحتفى فيه بكل جماليات المكان في اسبانيا زمن الوجود العربي الأمازيغي الإسلامي بها.

اختار الشاعر خلف الله حسب دراسة قدمها الدكتور وليد بوعديلة الرحيل لكثير من العناصر والرموز الحاضرة مع المكان الأندلسي، وجدنا هذا في قصيدته “أنا الأندلسي”، من الشعر الحر، وفيها نجد التماهي بين الشاعر والمكان والعودة لزمن الحوار بين الديانات، وتجليات الشعر والفنون، وتلاحق الأمراء والملوك وقادة الجيوش.

وتحضر أخبار المحبين وحكاياتهم في النص، وكأن الشاعر لم يريد أن يغامر بنص أندلسي الهوى دون مكاشفة شعرية لكل من شكل التاريخ والهوية والجغرافية باسبانيا المسلمة، وختم قصيدته”أنا لن أبكي يا عائشة الحرة.. ملكا مضاعا كما تبكي النساء… فأنا أندلسي وعائد غدا… لأرض الأجداد والآباء”.

ويعود للأندلس عندما يتأمل جمال  منطقة جرجرة الجزائرية في قصيدة “أميرة من جرجرة”، شعر حر، فالزمن الجزائري يذكره بالزمن الأندلسي، ومن ثمة فكل مشهد جميل رائع، هو وثيقة سفر شعري لفتح أوراق ذاكرة أندلسية جميلة جليلة جريحة،نقرأ في بنية استهلال النص توقف عند الجمال الحاضر وإحالة للجمال الغائب”تذكريني بمن فيما مضى.. أحببتها.. ومن كل حنايا فؤادي عشقتها ..أميرة أندلسية.. كانت كالسحر ترفل في حدائق الزهراء.. وقرطبة”.

ويوظف المبدع في هذا النص الكثير من الرموز الأسطورية مثل عشتار وسيزسيف، كما يعتمد تكرار الكلمات والتراكيب الخاصة بالألم والضياع والذاكرة ليرسّخ معانيها عند القارئ.

وفي قصيدة”غرناطة”، شعر حر، يزيل المكان الغرناطي الحزن عن فؤاد الشاعر”النص”، ويلهمه الإبداع الجميل، كما يزيل الأرق والقلق، ويخاطب المكان-غرناطة كما يخاطب الإنسان-المرأة، بكل السحر والبهاء ،لكنها (غرناطة-المحبوبة)بعيدة وقبل الوصول لها هناك العوائق والقيود، مع ملاحظة أن المشاعر والأفكار كانت أكبر من التعبير الفني، فوجد طغيانا للتعبير النثري المباشر، وهو ملمح يميز النص الشعري عند سمير خلف الله في بعض نصوصه، ونحن نميل للنصوص التي تعتمد التكثيف والترميز ومراوغة القارئ في المبنى و المعنى، لكن يبقى هذا اختياره الشعري الذي يشكّل تفرده عن غيره من الشعراء.

وفي نص”ترنيمة عشق المورسيكي الأخير” نقرأ للشاعر ابن منطقة بن مهيدي بالطارف قوله الشعري”غرناطة…هي فردوسنا الأولى والثانية …ومن بعدها خراب.. ويباب وأرض قاحلة”.

وسيجد المتلقي أن غرناطة هي الجمال والحضارة، وغيرها ليس إلا القبح والتخلف والصحراء القاسية، كما سيجد التأثر بالأسلوب القرآني و صوره و معجمه( التناص مع آيات سورة الحاقة).

ويمكن أن يكون موضوع التجلي الأندلسي في شعر سمير خلف الله من الموضوعات الأكاديمية الهامة،بأقسام الأدب واللغة والفنون، ونصوصه تحتاج  باحثين ونقاد مقتدرين ليعانقوا الخصوصيات الفنية والفكرية لهذا التجلي، فهناك الكثير من النصوص، فمن يقرأها ويحاور دلالاتها وملامحها وهويتها من طلبتنا وباحثينا في الجامعات الجزائرية؟

إن تجربة الشاعر متميزة في السياق الجزائري و العربي، ونستغرب عدم معرفة الكثير من المختصين  في الأدب الجزائري بهذا الاسم، وقد يعود هذا لزهده في الأضواء الاعلامية والمناسبات الثقافية الرسمية، رغم أن نصوصه تقول الجودة و الإجادة و التمكن من البحور الخليلية، مع حوارية فنية خاصة مع التراث الشعري العربي ، وانفتاح عميق وبهي على المسائل الراهنة في السياسة و الفكر والدين، ثم توظيفها جماليا لقول النص الشعري المتمرد،  الصادم ،المتحدي…

يحتاج الديوان الشعري الجديد للشاعر الجزائر سمير خلف الله لوقفت كثيرة، لتكشف الملامح الفنية و الدلالية فيه، وهو ينتقل بين الشعر العمودي التقليدي في معجمه و موسيقاه، ليكتب الشعر الحر، وينقل للقارئ مشاعره وأفكاره، إنه ديوان جميل ننصح بقراءته.

للتذكير فالشاعر والأستاذ سمير خلف الله من ولاية الطارف، سبق وأن نشر ديوان قوافي للشعب والوطن سنة 2007 وديوان همسات في أندلس الأشواق سنة2017، بالإضافة لدراسات حول التاريخ والفكر والهوية.

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى