في الواجهةوطن

إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الراحل قايد صالح وجنازة رسمية اليوم

الجيش والشعب.. رحمك الله يا حامي الوطن

يوارى، بعد صلاة ظهر غدا الأربعاء، جثمان المرحوم المجاهد الفريق أحمد قايد صالح، بالجزائر العاصمة، حسب بيان لرئاسة الجمهورية.

وأوضح المصدر أن “مراسم التشييع ستكون بداية بإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد بقصر الشعب، ليشيع بعدها الفقيد إلى مثواه الأخير بمربع الشهداء بمقبرة العالية بعد صلاة الظهر. وكان الفقيد الفريق قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، قد انتقل الاثنين إلى رحمة الله، على إثر سكتة قلبية ألمت به في بيته عن عمر ناهز 80 سنة.

وأعلنت السلطات أن إلقاء المواطنين النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد، ستتم اليوم، في قصر الشعب بوسط الجزائر العاصمة، بعدما كان مقرراً أن تتم أمس، الثلاثاء، لاستيفاء كامل الترتيبات المتعلقة بهذا الحدث.

وتجمع صباح أمس، عدد من المواطنين جاؤوا من العاصمة والمدن القريبة، قرب قصر الشعب، الذي يحتضن عادة الاستقبالات الشعبية والاحتفالات الرسمية، للمشاركة في إلقاء النظرة الأخيرة، لكن السلطات أبلغتهم إرجاء ذلك إلى اليوم. ويرقد جثمان قايد صالح في مستشفى عين النعجة العسكري، حيث أتيح لكبار قيادات الجيش وقادة النواحي والمناطق العسكرية ومختلف المسؤولين العسكريين وكبار رجال الدولة وقادة الأحزاب السياسية إلقاء النظرة الأخيرة عليه.

وحدد مسار الجنازة من قصر الشعب إلى وسط العاصمة، ثم إلى مقبرة العالية، المدفن الرسمي الذي يرقد فيه كبار الشخصيات التاريخية والسياسية والعسكرية ورؤساء الجزائر السابقين والرموز البارزة. وسينقل النعش على متن عربة عسكرية مسجى بالعلم الوطني، على غرار الجنائز، التي شهدتها الجزائر في وقت سابق لمسؤولين كبار في الدولة، وسيسير الموكب الجنائزي منتصف النهار نحو مقبرة العالية مرورا بالشوارع الرئيسية للعاصمة، من بينها ديدوش مراد، حيث ينتظر أن يكون عشرات الآلاف في وداعه.

ويتوقع أن تكون جنازة يوم غد الأكبر، بالنظر إلى التعاطف الكبير والحسرة التي ألمت بالجزائريين، من مختلف توجهاتهم منذ الإعلان عن وفاته، خاصة بسبب حرصه على حقن الدماء خلال الأزمة السياسية الأخيرة والحراك الشعبي منذ فبراير الماضي.

وأقر عدد كبير من نشطاء الحراك الشعبي وقادة أحزاب سياسية معارضة بهذا الموقف، الذي يحسب لقايد صالح، مقارنة مع سلوك مغاير للجيش والأجهزة الأمنية في أزمات سابقة شهدتها الجزائر، كانت آخرها أزمة منطقة القبائل عام 2001، حيث قتل خلالها 165 شخصا على يد جهاز الدرك التابع للجيش.

وُينتظر أن تشهد الجزائر غدا جنازة تاريخية، وسيكون الجزائريون على موعد مع مليونية عبر شوارع العاصمة، التي سيطوف بها نعش المرحوم للترحم على روح نائب وزير الدفاع بعدما سارع المواطنون عبر عديد الولايات بفتح خيم للعزاء، في صورة تؤكد على ارتباط أغلبية الشعب الجزائري بالراحل سيما خلال عشرة الأشهر الأخيرة التي شهدت فيها الجزائر انسدادا سياسيا غير مسبوق.

ولا تعد الجنازة التاريخية، المرتقبة اليوم، الأولى في تاريخ الجزائر المستقلة، حيث سبق أن شهدت جنائز مليونية أبهرت العالم لرؤساء الجمهورية ورموزا لثورة التحرير المباركة.

وتعد جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين التي نقلها التلفزيون بالأبيض والأسود مهيبة، من بين أهم الأحداث، التي شهدتها الجزائر بعد الاستقلال، حيث خرج ملايين الجزائريين فيالشوارع الرئيسية للعاصمة ليودعوا رئيسهم الراحل هواري بومدين الذي وافته المنية يوم 27 ديسمبر من سنة 1978، وشهدت شوارع العاصمة التي كانت مسارا للعربة التي تقل جنازة الراحل تدافعا ممزوجا بالبكاء الذي أظهر تعلق الشعب برئيسه المغفور له.

ولم تكن جنازة رئيس الدولة محمد بوضياف الذي اغتيل في 29 جويلية عادية بالنسبة للجزائريين الذين كانوا تحت وطأة الخوف من الدم والنار بسبب العشرية السوداء التي داهمت البلد في تلك الفترة سيما وأن ارتباط اسمه بوقف الفتنة زاد من درجة حب الشعب له، فكانت الشوارع مليئة بالشيوخ والنساء والشباب يبكون لرحيله وفقدانه إلى أبد.

وفي جو ماطر شُيعت جنازة أول رئيس للجزائر أحمد بن بلة إلى مثواه الأخير في مقبرة العالية، بعد أن وافته المنية يوم 11 أفريل 2012، حيث قرر رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة أن تُنظم له جنازة رسمية شارك فيها المواطنون بالآلاف رغم برودة الجو، وجاب موكب الجنازة شوارع العاصمة الرئيسية انطلاقا من قصر الشعب إلى مقبرة العالية التاريخية.

وشيع آلاف الجزائريين جنازة ثالث رئيس للجمهورية الشاذلي بن جديد، الذي وافته المنية يوم 6 أكتوبر سنة 2012، حيث سار موكب الراحل وسط جموع المواطنين الذين عرفوا في عهده فتح التعددية السياسية والإعلامية، فكانت جنازة رسمية شعبية أبت إلا أن تخلد ما قام به الشاذلي إبان فترة حكمه بعد خلافته للراحل هواري بومدين.

عام بعد ذلك وتحديدا يوم 17 أفريل 2013 ودعت الجزائر في جو مهيب رئيس الدولة الأسبق علي كافي إلى الأبد بعدما وافته المنية يوم قبل ذلك، جنازة رسمية انطلق فيها موكب الجنازة من قصر الشعب إلى مقبرة العالية، بمشاركة المئات من المواطنين الذي أبوا إلا تعزية أنفسهم في وفاة رئيس دولتهم السابق.

جنازة لم تكن شبيهة بسابقتها من حيث الرسميات، بعدما طالب الأب الروحي لحزب جبهة القوى الاشتراكية حسين أيت أحمد بدفنه في قريته مع الشعب قبل أن توافيه المنية يوم 23 ديسمبر 2015، مشاهد المعزين وهي تتوافد على مقر الأفافاس في العاصمة غيرت الصورة النمطية لارتباط الشعب مع رموز ثورته المباركة، سيما وأن الملايين شاركوا في تشييع جنازته في قريته ببلدية أيت يحيى ولاية تيزي وزو.

وكان تاريخ 24 أفريل 2019 كان موعدا لوفاة مؤسس حزب الجبهة الإسلامية للانقاذ المنحل عباسي مدني، والتي عرفت جنازته مشاركة الآلاف من المواطنين، الذين بقوا ليومين في الحي الشعبي بلكور في العاصمة، ينتظرون دخول جنازة الراحل من العاصمة القطرية الدوحة.

 

إلغاء المظاهرات الطلابية

وقطعت كل القنوات التلفزيونية الرسمية والمستقلة برامجها، وخصصت على مدار يوم كامل نقاشات وبرامج مفتوحة حول السيرة والمسار العسكري لقايد صالح، ونشر التلفزيون الرسمي للمرة الأولى صورا له تعود إلى الخمسينات، وهو برفقة مجاهدي ثورة التحرير في الجبال، وفي الجبهة المصرية في حربي 1967 و1973، وصورا أخرى لمختلف مراحل تطور رتبته ومناصبه العسكرية.

وفي السياق، قرر النشطاء في الحراك الشعبي والطلابي إلغاء المظاهرات الطلابية المقررة كل يوم ثلاثاء، احتراما لطبيعة الظرف الراهن والحدث الأليم، ولم تنظم أمس، أية مظاهرات طلابية في العاصمة والمدن الجزائرية، ولم يخرج الطلبة في مسيرتهم الأسبوعية، رغم نشر السلطات تعزيزات أمنية وسط العاصمة، تحسبا لذلك.

وقال أحد الناشطين في الحراك الشعبي، إن “الطلبة لديهم من الوعي السياسي الكافي لتمييز الظروف ومعرفة الدواعي الأخلاقية والإنسانية التي تفرض عليهم إلغاء مسيرات الثلاثاء”، مضيفا أن هذا الموقف يحسب للطلبة، لكنه ليس غريبا عن مجموع الجزائريين مهما اختلفوا مع الراحل قايد صالح في الخيارات السياسية.

خيم ومجالس عزاء وآباء يختارون اسم قايد صالح لمواليدهم الجدد

سارع الجزائريون منذ الساعات الأولى، لإعلان وفاة الفريق أحمد قايد صالح، إلى نصب خيم وفتح مجالس العزاء، يتلى فيها القرآن الكريم. ونصب المواطنون في باتنة، تبسة، وهران، المسيلة، الوادي وباقي الولايات وعدة بلديات خيما وسط الساحات العامة، مع وضع مكبرات الصوت يرفع فيها القرآن، كما تم تخصيص سجلات للتعازي من أجل تمكين المواطنين من التعبير عن مشاعرهم في رحيل الفريق قايد صالح.

بالمقابل بدأ تنقل الجزائريون نحو العاصمة من أجل إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الراحل بقصر الشعب والمشاركة في جنازته التي ستقام غدا ليدفن في مقبرة العالية.

واختار عدد من الآباء والأمهات في مختلف ربوع الوطن، اسم قايد صالح، لمواليدهم الجدد الذين ولدوا يوم رحيل نائب وزير الدفاع الوطني. ويعتبر تقليد تسمية المواليد الجدد تيمنا بمسيرة الشخصيات المؤثرة في المجتمع والمحبوبة أحد أبرز التقاليد التي يحافظ عليها الجزائريون، إذ يعبرون فيها عن حبهم للشخصيات الراحلة، ويرغبون في تخليد ذكراها على المدى الطويل.

قايد صالح اضطلع بدور محوري في الدفاع عن السيادة الوطنية

واضطلع نائب وزير الدفاع الوطني, رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي, الفريق أحمد قايد صالح, بدور محوري، دفاعا عن السيادة الوطنية وحفاظا على الوحدة الإقليمية وحماية للشعب خلال المرحلة الحاسمة، التي مرت بها الجزائر في تاريخها.

ولطالما وقف الفقيد خلال المسيرات الشعبية السلمية التي تعرفها البلاد للمطالبة بالتغيير, إلى جانب الشعب مؤكدا مرافقة المؤسسة العسكرية له “بحزم وعزم” إلى غاية “تحقيق كل مطالبه المشروعة”.

تلك المرافقة التي أخذت منحى سياسيا طويلا أفضى إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية بتاريخ 12 ديسمبر الفارط, التي توجت بانتخاب المترشح الحر عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية. وإذ عبر عن “امتنانه” و”فخره” بالشعب الجزائري، الذي “أثبت حسا وطنيّا بل وحضاريا بالغ الرفعة نمّ عن وعي شعبي عميق أذهل الجميع في كافة أصقاع العالم”, جدد الراحل أحمد قايد صالح تعهده بأن الجيش الوطني الشعبي “سيكون دوما, وفقا لمهامه, الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال”.

ولم يفتأ الفقيد يؤكد حرص جيس التحرير الوطني على الدفاع على السيادة الوطنية والحفاظ على الشعب الجزائري من كل خطر أوتهديد قد يدق بابه. واستطرد بالقول: “لقد تعهدت مرات عديدة أمام الله عز وجل والوطن والشعب وأصر بالتأكيد أن الجيش الوطني الشعبي باعتباره جيشا عصريا ومتطورا, قادر على القيام بمهامه باحترافية باعتباره حصن حصين واجبه حماية استقلال الجزائر وصيانة سيادتها الوطنية وتأمين وحدتها الترابية والشعبية من كل مكروه قد يترصد بها, وأؤكد بالقول أن الجيش الوطني الشعبي سيظل مخلصا لالتزامه وتعهداته ولن يسمح أبدا لأي كان أن يهدم ما أقدم الشعب الجزائري على بنائه”.

وحرص الفقيد على التأكيد في كل مرة أنه ليس لديه أي طموح شخصي يسعى لتحقيقه وكان قد أكد أن الجيش التزم بخدمة الوطن والسهر على سلامته واستقراره وعلى حقن دماء الجزائريين. وقد احترم هذا الالتزام بحذافيره من منطلق أن الحراك الذي ينظم كل أيام الجمعة منذ 22 فبراير المنصرم لطالما ساده الهدوء والسكينة.

وفي رده على الحراك الشعبي الذي كان يطالب برحيل كل رموز النظام السابق ما فتئ الراحل يردد أن “الجيش الوطني الشعبي يبقى , يعتبر نفسه مجندا على الدوام, إلى جانب كافة المخلصين, لخدمة شعبه ووطنه, وفاء منه للعهد الذي قطعه على نفسه في تحقيق مطالب الشعب وطموحاته المشروعة في بناء دولة قوية, آمنة ومستقرة, دولة يجد فيها كل مواطن مكانه الطبيعي وآماله المستحقة”.

كما أكد أن قيادته تقدم “الضمانات الكافية للجهات القضائية لمحاسبة المفسدين دون ضغوطات”, داعيا جهاز العدالة إلى “التسريع من وتيرة متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبة كل من امتدت يده إلى أموال الشعب”. وحث الشعب الجزائري في عديد المرات على ضرورة اتخاذ “كل أسباب الحيطة والحذر لإجهاض الدسائس التي تحاك ضد الجزائر”, مناشدا “أبناء هذا الوطن على ضرورة التحلي بمزيد من الفطنة والحرص لكي تحافظ المسيرات على سلميتها وحضاريتها، وذلك بالعمل على تأطيرها وتنظيمها، بما يحميها من أي اختراق أو انزلاق”.

وأعرب الراحل عن “يقينه التام” أن الشعب الجزائري يملك من الإمكانيات الضرورية ما يجعل بلاده يتفادى أي وضع صعب من شأنه أن “يستغل من قبل أطراف أجنبية لإلحاق الضرر به”.

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى