تيزي وزو : المرأة الريفية مندمجة في تنمية المجتمع
أضحت النساء الريفيات بولاية تيزي وزو، لاسيما تلك التي يفوق عمرهن ال60 سنة، بعد أن تحررن من عبء الطابوهات التي فرضها عليهن مجتمع ذكوري والتي أثقلت كاهلهن، يقدمن مثالا رائعا لمساهمتهن الفعالة في تنمية المجتمع.
وتعتبر هذه الظاهرة جديدة بالنسبة لهذه الفئة العمرية، التي لطالما كانت ضحية لعدة “طابوهات” متعلقة بالدراسة والعمل والتسوق والمشاركة في النشاطات الرياضية وغيرها من النشاطات التي كانت حكرا على الرجل.
وكان تحرر هذه الفئة العمرية من نساء قرى منطقة القبائل، تدريجيا وفي صمت، متخذات في ذلك نهج النساء الأصغر منهن (أقل من 50 سنة) اللائي درسن في الجامعات ولديهن عمل ويشتغلن في مناصب عليا ولديهن هوايات يمارسنها، ليضحين بدورهن عنصرا فعالا في تنمية المجتمع وازدهاره.
وتعد حملات الحفاظ على البيئة أول خطوة في مسار تحرر النساء الريفيات، حيث حظيت عمليات التنظيف التي بادرت إليها جمعيات ولجان القرى باهتمام متزايد من طرف العنصر النسوي الذي قرر الانخراط في هذا المسار الرامي إلى تحسين الإطار المعيشي للمجتمع ككل.
وبعد أن كن عنصرا مساهما في هذه الحملات، قررت النساء الريفيات المبادرة بأنفسهن بعمليات مماثلة شملت تنظيف قراهن وإعادة الاعتبار للمنازل القديمة التقليدية وعدة نشاطات أخرى تجري في كل مرة في أجواء مرحة ومليئة بالبهجة والسرور.
ويعد اندماج النساء الريفيات الأكثر من 60 سنة في مجتمعهن أكثر عمقا من اندماج أخواتهن في المدينة، بحيث أنهن أكثر حركة ونشاط غير مباليات بأقوال الغير، بل وتشجعن النساء الأخريات على اخذ منوالهن في المساهمة في المجتمع.
وتبرز هذه المساهمة جليا من خلال اهتمامهن المتزايد بالندوات حول الأمراض المزمنة عامة والأمراض التي تصيب النساء بصفة خاصة، واللقاءات التحسيسية والتكوينية حول الشغل في الوسط الريفي، لاسيما في مجالات الفلاحة والصناعات التقيليدية، ودروس محو الأمية وحتى النشاطات الرياضية مثل التجوال وغيرها، وكأنهن في سباق مع الزمن من اجل تعويض الوقت الضائع.
..لجنة قرية نسوية
ومواصلة لهذا المسار أنجزت نساء بقرية “أث لعزيز” التابعة لبلدية إيلولا أومالو، بشرق الولاية، شهر سبتمبر 2020 “ما لم يكن في الحسبان”، ألا وهو إنشاء لجنة قرية مشكلة من النساء فقط.
وتضم هذه اللجنة نساء جامعيات وأخرى مسنات (من أجل تمثيل عادل لنساء القرية) تم انتخابهن خلال جمعية عامة، وتتمثل مهمتهن في خدمة القرية والمساهمة في تحسين الإطار المعيشي إلى جانب إخوانهن الرجال.
ورغم أن اندماج للمرأة الريفية شمل العديد من القرى، تبقى نساء بلدية بوزقان الأكثر نشاطا في هذا المجال بولاية تيزي وزو، بفضل عمليتين هامتين نالتا نصيبا كبيرا من الاهتمام عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويتعلق الأمر بالنسبة للعملية الأولى بمبادرة للجمعية الخيرية والاجتماعية “أفوس ذغفوس” (اليد باليد) المتأسسة عام 2015 بقرية “أحريق”، التي بادرت بانجاز قاعة للعلاج هدفها تجنيب القرويين، لاسيما المسنين منهم الذين يعانون أمراض مزمنة، عناء التنقل إلى مدينة بوزقان لغرض العلاج.
وبحسب تساعديت، وهي عضو بالجمعية، فان صاحبة فكرة هذه القاعة هي مريضة عمياء، كانت أعضاء الجمعية يزرنها في بيتها لغرض تلقينها العلاج” — كما قالت — مؤكدة عن اعتماد هذه الفكرة من طرف الجمعية التي اقترحتها بدورها للجنة قرية “أحريق” التي شجعت النساء على رفع هذا التحدي.
وسرعان ما تم جمع الأموال الضرورية للمشروع قبل البدء في انجازه ليتم تحقيقه في ظرف سبعة أشهر فقط، وفق المتحدثة. ولم تتوقف نساء بوزقان عند هذا الانجاز الرائع، حيث جلبن اهتمام الشبكة العنكبوتية شهر أكتوبر الفارط، من خلال تنظيم دورة نسوية في كرة القدم.
وهي التظاهرة الرياضية التي بادرت إليها الجمعية النسوية لقرية “ساحل” من خلال مقابلة في كرة القدم جمعت ما بين نساء هذه القرية وقرية “تابودة” التابعة لبلدية إيلولا أومالو المجاورة. وكانت المقابلة التي شاركت فيها مسنات القرية محل اهتمام جمهور كبير صفق طويلا لهاته الأمهات والجدات، معبرين عن أملهم في تعميم مثل هكذا مبادرات إلى باقي القرى وحتى المدن، أين تبدو المرأة المسنة أقل اندماجا مقارنة مع أختها الريفية.
وكان هدف القرويات من خلال هذه المقابلة وضع حد لبعض المحرمات موازاة مع إبراز اندماجهن في عديد النشاطات، بما فيها الرياضة، على غرار النصف ماراطون النسوي لعين الحمام المتميز بمشاركة جدات في الستين والسبعين وهن يكتسحن الميدان بالجبة القبائلية التقليدية والحذاء الرياضي. وهو المسعى الرامي إلى تشجيع النساء إلى المضي قدما من خلال هكذا مبادرات تعني بحقوق المرأة، تقول فضيلة من قرية “الساحل”.