الأخيرةثقافة وفنفي الواجهة

دعوة إلى تفعيل ميكانيزمات دعم الناشرين

بهدف حل مشاكل القطاع

  • دور النشر الجديد تكرس ظاهرة طباعة الأعمال على نفقة المؤلف

ازدهر قطاع النشر في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بتأسيس دور نشر جديدة برؤى وأفكار مختلفة عن السائد، هذا التوجه أتاح للكتاب الشباب خيارات متعددة لإصدار مؤلفاتهم والترويج لإبداعاتهم من دون الاضطرار إلى الانتظار فترات طويلة لإيصال نتاجهم إلى القارئ.

وتؤكد الروائية لطيفة بروال في هذا الصدد أن الناشرين الشباب يمتلكون أفكارا جديدة في مجال النشر تتماشى مع متطلبات العصر، وهم يعملون باحترافية في هذا القطاع، وتضيف بروال أن تعاملها مع دار نشر يملكها أحد الكتاب الشباب مكنها من إخراج كتبها وأعمالها الإبداعية بطريقة استحسنها القراء، وترى بروال أن الكاتب لا يحتاج إلى دور نشر ذات طابع تجاري تطلب أسعارا باهظة وتستغل رغبة الشباب في الظهور والشهرة، بل يحتاج إلى هيئات تقوم بمتابعة إصداراته وتحقق له جسر تواصل مع القراء وتضمن له بيع كتبه، ليعوض على الأقل تكاليف الطباعة.

…الناشرون الشباب يمتلكون أفكارا جديدة تتماشى مع متطلبات العصر

أما الروائي الطيب صياد فيؤكد أن هناك تزايدا مطردا في عدد مؤسسات النشر الشبابية خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ ظهرت العشرات منها بأسماء وشعارات براقة، لكن معاينة أعمالها وإصداراتها ونشاطها الذي يفترض أنه أحد عناصر الحركة الثقافية التي تتكون من المنتج والمتلقي والموزع والناقد يكشف أن النسبة الغالبة من تلك المؤسسات لا تؤدي وظيفتها الحقيقية، بل هي مجرد وسيط لطباعة النصوص تأخذ المال من صاحب النص وتبعث به إلى المطبعة ليخرج بهيئته الورقية، فيعتقد صاحب النص أنه أصبح كاتبا، ويقول أن الوظيفة الحقيقية لدار النشر تقوم على أركان عدة أهمها قراءة النص، وهذا يستدعي لجنة قراءة تتكون من متخصصين وأدباء ونقاد يقدمون رأيهم وتقريرهم بشأن النص، فإذا وافقوا عليه تأتي مرحلة المراجعة اللغوية والتحرير الأدبي، فإذا جرى الاتفاق بين الطرفين: الناشر وصاحب النص، ننتقل إلى التصميم الاحترافي للغلاف، وبعده الترويج الإعلامي للكتاب، ثم الطباعة المحترمة لهذا المنتج.

ويرى صياد أن دور النشر الشبابية تفتقد معظم هذه المراحل، فهي لا تمتلك لجنة قراءة ولا لجنة تدقيق لغوي وتحرير، ولا يمتلك معظمها مصممين محترفين، كما أنها لا تعمل على ترويج العمل ولا ربط الكاتب بالقراء والنقاد ووسائل الإعلام، ويشير إلى أن هذه السلبيات حاضرة بقوة في دور النشر القديمة التي يقوم عليها ذوو الخبرة من كبار الناشرين، وهذا راجع بحسبه إلى تقصير النقاد في نشر متابعاتهم لإصدارات تلك الدور.

أما كمال قرور صاحب دار الوطن اليوم للنشر والتوزيع، فيؤكد أن دور النشر الجديدة تأسست في مرحلة صعبة تتسم باضطراب سوق صناعة الكتاب، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وانسداد أفق التوزيع، لافتا إلى أن معظم هذه الدور تطبع بين 10 نسخ و100 نسخة للجامعيين أو للكتاب الشباب، أو لمن يريد سحب كمية قليلة من كتابه، فتأخذ هامش ربح على الخدمة وعلى وساطتها بين الكتاب والمطابع، وقد عمّقت جائحة كوفيد- 19 التي ضربت الجزائر على غرار كل بلدان العالم، الوضعية الصعبة التي يعيشها قطاع النشر ما أدى إلى انخفاض في إصدارات العناوين الجديدة وتوقف العديد من دور النشر والمطابع، وفقا لناشرين ومطبعيين جزائريين، علاوة على ذلك فإن دور النشر الجديدة تكرس انتشار ظاهرة طباعة الأعمال على نفقة المؤلف، وهو ما من شأنه أن يضعف المستوى الأدبي ويغرق سوق الكتاب بأعمال هزيلة.

…دور النشر الجديدة تكرس انتشار ظاهرة طباعة الأعمال على نفقة المؤلف

يرى أحمد ماضي، مدير دار الحكمة ورئيس النقابة الوطنية لناشري الكتب (سنال)، أن القطاع في وضعية كارثية منذ سنوات في ظل غياب سياسة ثقافية ما جعل العديد من دور النشر والمطابع تختفي أو تتوقف ظرفيا عن العمل أو تغير نشاطها، على حد قوله، ويرجع ماضي هذا الوضع إلى عدة عوامل من بينها تراجع دعم الدولة للقطاع بسبب سياسة ترشيد النفقات وتقلص أعداد المكتبات وارتفاع تكاليف الطباعة، بالإضافة إلى تراجع الكتاب الورقي أمام الوسائط الرقمية.

وللمفارقة فقد مثلت الجائحة فرصة لإعادة النظر في صناعة الكتاب وفي طريقة العمل بالاعتماد أكثر على التسويق الرقمي وتطبيق سياسة التخفيضات الدورية، وكذلك السعي لفتح مكتبات جديدة عبر المحافظات كمكتبة عنابة.

ودعا الناشرون إلى تجاوز الأزمة وزارة الثقافة والفنون لتفعيل ميكانيزمات لدعم الناشرين وتفعيل المركز الوطني للكتاب الذي من المفروض أن يقدم تقارير رسمية حول هذا القطاع وينهض بمجال صناعة الكتاب والترجمة، وقد تنجح دور النشر الشبابية في طرق التواجد الحديثة لكنها تبقى، وفق الناشرين والكتاب الجزائريين، قاصرة عن تحقيق صناعة كتاب حقيقية.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى