مقالات

ديمقراطية مغلفة بأطماع اقتصادية

 عبير كايد

تقود واشنطن العالم منذ عقود بحجة إحلال السلام والأمن والارتقاء بحقوق الإنسان العربي، بغية العيش في كنف الديمقراطية الأمريكية؟

كنت أظن أن حكماء المشرق العربي سيتغلبون على ترامب، كنت بانتظار أن يقف حكماء المشرق في وجه فيلسوف الأغبياء، على اعتبار أن المشرق العربي معروف بالحكمة، بعد أن اصبح جلياً للجميع، أن شخصية ترامب بعيدة كل البعد عن البراغماتية والإنسانية تجاه شعوب المنطقة العربية ومصالحها. لذا كنت أردد، أثناء مداخلاتي الإعلامية عبر القنوات العربية والدولية الناطقة بالعربية، أن فوز ترامب سيكون فرصة ذهبية وتاريخية لدول المنطقة، لفرض أجنداتهم السياسية والاقتصادية، من خلال رسم استراتيجية إقليمية تحفظ مكانتهم، وتحتوي على رؤية عربية شاملة وفق المصالح المشتركة لتلك الدول.

على الرغم من كل المؤشرات إلى أن ترامب لا يملك مشروعاً وطنياً للمنطقة، بل اتضح أن مشروعه تجاري صرف، فهو لا يملك رؤية سياسية واضحة، فضلا عن أنه بنى فوزه، على العنصرية والكراهية للعرب والمسلمين وذوي الأصول الافريقية واللاتينية، ومع ذلك انصاع له الحكام العرب، وسلموه الثروات الطبيعية، مستسلمين لمخططاته، وتسارعوا إلى شراء السلاح الأمريكي. وعزز ترامب الخطاب المستهلك عن أهمية الديمقراطية ونشرها في المشرق العربي لرخاء الشعوب، واتخذ كأسلافه من الرؤساء الأمريكيين، الديمقراطية ذريعة، لبسط النفوذ الأمريكي في مناطق الثروات الطبيعية، وعلى رأسها النفط والغاز. فما جلبت الديمقراطية وأدواتها العسكرية للمنطقة سوى الحروب وتدمير للبنى التحتية، واضطهاد الشعوب وقتلها تحت ذريعة الديمقراطية، بهدف الحصول على ثرواتها، إضافة إلى إفراغ السلطة وتعزيز الفوضى الخلاقة فيها. إذن ما هو الجديد في سياسة ترامب؟ ولماذا ينتظر حكماء المشرق انتخاب رئيس جديد، وماذا سيغير ذلك في الوضع الراهن؟

لم يتمكن حكماء، أو عقلاء المشرق، من قراءة امتداد السياسة الأمريكية قديماً في المنطقة، حتى يتمكنوا اليوم من قراءة ما يجول في خاطر فيلسوف الأغبياء، فاكتفوا بالاستسلام لأجندته، بل أكمل رجل الصفقات ترامب تحقيق مآرب سياسة أمريكا التقليدية، من خلال بيع السلاح وتعزيز التوتر في المنطقة.

إن استمرار واشنطن بتغذية التوتر في الخليج العربي، خصوصاً في حرب اليمن، واستغلال التوتر الإيراني الخليجي، لبيع المزيد من الأسلحة، يعكس نية واشنطن التاريخية والواضحة للعلن، بعدم الاكتراث لحل الخلاف بين الدول الخليجية وإيران، بل سارعت واشنطن لاستخدام إيران فزاعة لتبيع السلاح، لكن في المقابل يجوّز ترامب لنفسه الجلوس مع كيم جون اونج رئيس كوريا الشمالية، الذي هدد أكثر من مرة بضرب الساحل الشرقي لأمريكا، فمتى سينتفض حكماء الشرق على فيلسوف الأغبياء هذا؟ ويبادرون إلى إقامة علاقات مع دول جديدة مبينة على الثقة والاحترام المتبادل وعدم سرقة الثروات الطبيعية.

منذ تسع سنوات وسوريا تعيش وهم الديمقراطية الأمريكية، وشهدنا تدخل الحلف الدولي في سوريا بحجة حماية الشعب السوري والثورة، إلا أن مهمتهم انحرفت عن مسارها الأصلي، فتم دعم الاكراد، وتصدير الإرهاب إلى مناطق حبلى بالثروات النفطية والغاز الطبيعي، التي تمتد من جنوب تركيا حتى الخليج العربي، انتهاء ببادية الشام، بل بلغت وقاحة ترامب خلال مؤتمر صحافي، أن يقترح أن تدار حقول النفط السورية من خلال شركتي إكس موبيل وشيفرون الأمريكيتين، لكن لحسن الحظ رفضت كل من الشركتين العرض، بعد أن اعتبره خبراء قانونيون وقتها، بمثابة سرقة علنية لنفط سوريا. وعلى الرغم من دعم البنتاغون للأكراد في شمال سوريا بأسلحة نوعية، وتباهي واشنطن باللياقة القتالية للأكراد، لم يحقق الأكراد انتصاراً لافتاً هناك، ما أرغم واشنطن على سحب جزء من قواتها، وإبقاء جزء منها هناك حتى اليوم، حسبما أعلن رسمياً عن لسان ترامب الذي تذرع بحجة حماية الحقول النفطية في سوريا.

في تساؤلات أخرى، هل حقق شراء السلاح الأمريكي نصراً في أي من اليمن أو العراق؟ لم تفهم أمريكا أنه على الرغم من صنعها للأسلحة الفتاكة، إلا أن هذا لا يعني دائما ضمان انتصارها في الحروب، فبعد أن خاضت حروباً فتاكة ضد طالبان امتدت لأكثر من 18 عاماً، بل تعمدت تمديدها لتحقيق مكاسب لشركات السلاح الأمريكية، لم تفلح، فقامت بتسوية سياسية بعد سيطرة طالبان على ما يقارب 75% من الأراضي الأفغانية.. هل انتصر التحالف العربي المدعوم أمريكيا وأوروبياً على الحوثي المدعوم ايرانيا في اليمن؟ ماذا أنجز التحالف العربي بقيادة السعودية، وحليفتها الإمارات، الذي دخل اليمن بحجة إعادة الشرعية فيه؟ ماذا أنجز اتفاق الرياض الذي مات قبل أن يولد، سوى استكمال قتل الالاف من المدنيين عن طريق الخطأ كما يدعون؟ وتدمير البنية التحتية لليمن وتهجيرهم؟ اليوم تُرك اليمن وحيداً يواجه مصيراً مجهولاً، عقب دعم الإمارات للمجلس الانتقالي في الجنوب، فلا تكنولوجيا الأسلحة الأمريكية المتطورة ستحقق نصراً، ولا استثمار الحروب كسياسة مناكفة بين دول المنطقة ستساهم ببناء الأمة العربية، وتبقى دول المنطقة منهمكة بحل لغز من يقود «الأمة الإسلامية»؟

..هاجس قيادة الأمة الإسلامية والمنطقة

منذ الأزل، توهم العرب والفرس، أن بإمكان أحدهم قيادة «الأمة الإسلامية»، حيث تعاني السعودية من وهم تاريخي يقلق قيادتها، على مرّ الزمان، كذلك جارة العرب إيران الفارسية! فكلتاهما تزعم قيادة المنطقة، ذلك حسب تصوراتهما ودعاياتهما الدبلوماسية والعسكرية، وكذلك الإعلامية، لكن في الواقع وعلى الأرض، فكلتاهما تجهل استحالة قيادة «الأمة الإسلامية» من قبل دولة عربية أو فارسية، فالأمر لم يكن ممكناً تاريخياً، ولا حتى في الوقت الحاضر، الأمر الذي دفع المنطقة إلى حروب بالوكالة وصراعات طائفية دينية لا تنتهي، وقودها الشعوب، لاسيما أن المنطق السياسي القائم اليوم، يؤكد على أن المنطقة برمتها تديرها، عن بعد قوى، عظمى هي روسيا وأمريكا، حيث تبتزان دول المنطقة، كلما سمحت الظروف بذلك، ولا أحد يستطيع اليوم إنكار حقيقة هيمنة الولايات المتحدة تاريخياً على المنطقة، وسرقة ثرواتها كما يفعل حليفها الروسي، عبر اختلاق الصراعات، ودعم الأقليات وسياسة فرق تسد، كونهما تملكان الكلمة الأخيرة والقرار السياسي والعسكري والاقتصادي لدول المنطقة، فلم تمر حقبة تاريخية من دون أن تشهد تدخلات لتلك القوى في الصراعات العسكرية، ومن ثم العودة إلى التسوية الدبلوماسية، بعد حرب طويلة يتخللها بيع سلاح فتاك لا يحقق سوى انعدام الاستقرار والقتل والفقر والتهجير في المنطقة، وما يخدم مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية على حساب الشعوب العربية، في الوقت الذي ينتظر فيه حكام المشرق العربي الانتخابات الأمريكية كل أربعة أعوام، لتقديم قرابين الطاعة للقائد التالي للمنطقة، ويتناسى بعضهم أن صاحب القيادة المزمنة في المنطقة هو سارق الثروات وليس السعودية أو إيران، فعلى ماذا تختلفان؟ في النهاية تبقى الديمقراطية الامريكية منهجا يقتاد عليه فلاسفة الأغبياء، وأداة خفية لبسط القوى العسكرية في مناطق النفوذ والثروات طبيعية، واليوم عاد ترامب ليوضح للمشرق العربي أن الديمقراطية المصدرة إليهم، ما هي إلا وهمٌ يصدر عبر الدبلوماسية الناعمة برقصة السيف، لكنها تبقى مغلفة بأطماع وسرقات الثروات.

فماذا لو ترك حكماء الشرق الخوف على عروشهم وشرعيتهم، التي أصلها الشعوب التي يحكمونها، لا فيلسوف الأغبياء المنتخب؟ حينها لن يتجرأ ترامب ولا حليفته روسيا على القول بأن مفتاح المنطقة بيدهم. ربما ما يجهله حكماء الشرق هو أن العصر الذهبي الأمريكي انتهى وولى إلى غير رجعة، وأن الشرعية الحقيقة لبقائهم تستمد من شعوبهم التي يجب عليها أن تمنحها حقوقها المدنية، ابتداء من توزيع ثرواتهم بالعدل وصرفها بنزاهة. عندها لن تحتاج الشعوب العربية إلى من يحميهم ويمنحهم شرعية المقايضة مقابل النفط وشراء السلاح.

القدس العربي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى