قدم أول أمس، بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي العرض المسرحي “سي محند أومحند”، من تأليف وإخراج إلياس مكراب، وإنتاج المسرح الجهوي لتيزي وزو “كاتب ياسين”، وتسلط الضوء على حياة وسيرة الشاعر المعروف “سي محند أومحند” ، الذي ينتسب إلى عائلة ناث حمادوش وابن قرية “إشرعون” من عرش “ناث يراثن” في عام 1860 وتوفي في عز كهولته في عام 1906 بعين الحمام.
مسرحية “سي محند أومحند”، تحكي الرحلة المضطربة للشاعر القبائلي “أومحند” في مواجهة الشدائد، تلك الرحلة التي لا يزال يتردد صداها بعد أكثر من قرن بعد وفاته، ويدعو من خلالها مؤلفها ومخرجها إلياس مكراب، إلى التأمل في حياة سي محند أومحند المضطربة، حيث قدم عرضا فنيا مزج فيه بين الكلمة والفعل بالأمازيغية في أجواء موسيقية من أداء جمال قالون والكوريغرافية الراقصة سارة بوزار .
وسافر الجمهور، قرابة ساعتين من الزمن، في رحلة عبر العمل الغزير لسي محند أومحند المولود سنة 1860، والذي رغم اضطلاعه بالقراءة والكتابة، رفض تدوين أو تكرار قصائده ثانية، معتبرا أن كل من يسمعها يكتبها بمحض إرادته.
للإشارة فقد شكل كل من الغزو الفرنسي لمنطقة القبائل سنة 1857 واغتيال والده ثم حبيبته يمينة وتشتت أسرته وبعدها تدمير قريته بما فيها المدرسة التي تتلمذ فيها، اضطرابات ومآسي هزت طفولة هذا الشاعر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مما دفعه إلى العزلة والترحال، هذا وتحدث الشاعر عن الحنين إلى الوطن، عن الحب والصداقة، عن الحزن وحتى عن المنفى، من خلال قصائد على شكل أقوال مأثورة ووجيهة تولدت عن رؤية الشاعر الثاقبة إلى عصره، وإلى ظروف عيش أهله وخضوع الإنسان لنظام حياة لا يرحم، وفي نهاية حياته التي أنهكتها الوحدة، لم يتبق للشاعر من خيار سوى اللجوء إلى الشيخ محند أولحسين الحكيم الذي يداوي النفوس، طالبا تزكيته ومباركته، ولكن هذا الأخير تبرأ منه بعدما رفض الشاعر تدوين قصيدة تغنى فيها بخصال الحكيم، وهكذا تحدى الشاعر كل المحظورات قبل وفاته، بقلب موجوع ووجه شاحب، سنة 1906 في مستشفى عين الحمام بأعالي منطقة القبائل.
وقد تألق في أداء الأدوار فيها كل من الممثلين بلال محري ورزقي والي في دور “سي محند أومحند” الشاب ثم الكهل، مليك فلاق، حسين آيت أقني السعيد، ماسينيسا قاسي، ميليسا سخي في دور “يمينة”، آنيا إيدير، منير ديداني، محمد لاشموت، يمينة أبواهي، ديهية اسماعيل، راشيل إخداشن، كما أبدع راقصو الباليه مايا باشي وميليسا بن عبد العزيز ولمياء عمراني ونسيم مركال ورياض حمداد ومزيان تيرش في حركاتهم التي ميزتها الرشاقة وجمال الإيماءة ليقدموا للجمهور لوحات مرموقة صاحبتها مقطوعات موسيقية ذات نغمات سردية وحنينية وتقليدية وأحيانا احتفالية.
وسمحت السينوغرافيا والديكور البسيط التي ترجمتها أعمال عبد الله كبيري وفرحات مساوي ببروز أهمية النص، في عرض أظهر من خلال الأقصوصة وسرد الحقائق قيمة الروابط الحميمة التي كانت تجمع بين الشاعر وبني بلدته، مما جعل أحدهما شاهداً على مصائب الآخر.
نسرين أحمد زواوي