شبكة جيرون: الجزائر والسودان يخشيان العسكر

خرج الجزائريون في تظاهرات سلمية، من أجل إسقاط الحكم المترهل للرئيس بوتفليقة، وذلك ردًا على قراره الترشح للمرة الخامسة، مدفوعًا من قبل المحيطين به، ومجملهم فاسدون.
بقيت الجماهير الجزائرية في الشوارع متظاهرةً حتى اضطر العسكر، متمثلًا بالمجلس الأعلى للدفاع الذي فعّل المادة 105 من الدستور، إلى أن يقصّر مدة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة وينهيها، داعيًا -بحسب الدستور- إلى تغييرات في قانون الانتخاب.
لحق السودانيون بالجزائريين، فنزلوا إلى الشارع مطالبين بإسقاط البشير، الذي يحكم السودان منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وفي عهده تمزق السودان، جنوبًا وشمالًا، وبرزت مسألة دارفور، التي بموجبها حُكم على البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بارتكابه جرائم حرب، ولم تطبق كل الدول التي زارها البشير هذا الحكم. بقي السودانيون في الشارع حتى تدخل العسكر لينهي حكم البشير ويعتقله والشلة المحيطة به، ولكن الشارع السوداني ما زال يطالب العسكر بالتنحي لصالح الحكم المدني.
تدخّل العسكر في السياسة شكّل دائمًا ثورة مضادة ضد قوى الشارع، فلو أخذنا الجزائر مثلًا، لرأينا أن العسكر انقضوا على الحياة المدنية الجزائرية، ليلغوا نتيجة الانتخابات البلدية التي جرت في عهد الشاذلي بن جديد، حيث فاز الإسلاميون في هذه الانتخابات، وبقي العسكر يحكمون من وراء الستارة، من وراء رؤساء مسخ، وكانت أطول هذه الرئاسات هي رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، الذي جيء به من دروج جبهة التحرير الجزائرية، حيث كان وزير خارجية الجزائر، طوال فترة حكم العقيد الهواري بومدين، وكان يطمع أن يحلّ مكانه، عند شغور موقع الرئاسة، بموت الهواري بومدين، لأن الهواري بومدين كان أيضًا من الرؤساء المؤبدين في المنطقة، وقد وصل إلى السلطة بانقلاب 19 حزيران 1965، وأسقط الحكم المدني برئاسة الرئيس الراحل والتاريخي أحمد بن بيلا. ومنذ هذا الانقلاب، العسكر يحكمون إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر واجهات مدنية.
العسكر في السودان يتدخل دائمًا في الحياة السياسية السودانية، فعلى إثر الاستقلال تسلّم الحكم حكومة مدنية، ما لبث أن أسقطها العسكر بقيادة الجنرال إبراهيم العبود، الذي أسقطه الشارع لصالح حكومة مدنية، لم تستمر طويلًا، ليقلبها ضابط صغير مغامر، شبيه بعسكري آخر مهووس في ليبيا، هو معمر القذافي، دام حكم النميري مدة طويلة، وفي بداية عهده جرى انقلاب شيوعي، بقيادة المقدم هاشم العطا، مستندًا إلى الحزب الشيوعي السوداني، على إثر فشل انقلاب هاشم العطا، بعد أن سلّمته مصر وليبيا، نكّل جعفر النميري بالشيوعيين، ولكن مجمل قياداتهم، بزعامة أحمد نُقد، استطاعوا الهرب، وعندئذ تحالف النميري، كردة فعل، مع الإسلاميين بقيادة أحمد الترابي، الذي أراد أن يطبق الشريعة الإسلامية على كل السودان، ولكن مسيحيي جنوب السودان برئاسة جون قرنق، رفضوا هذا الأمر، فثاروا على الشمال المسلم، الذين كان أكثرهم يرفض هذا التطرف في تطبيق الشريعة. بقي الشارع متململًا إلى أن كانت حركة الفريق سوار الذهب، الذي كان الوحيد من عسكر المنطقة، الذي يسلّم السلطة للمدنيين، ولكن العسكر والإسلاميين كانوا بالمرصاد للحكم المدني، برئاسة الصادق المهدي، فكان انقلاب البشير الذي حكم السودان أكثر من ثلاثين عامًا، ليسقطه العسكر أيضًا بفعل قوة الشارع السوداني.
هناك دائمًا خوف من العسكر، فلو التفتنا إلى الجارة الأكبر للسودان، جمهورية مصر العربية، رأينا أن العسكريين، برئاسة الجنرال عبد الفتاح السيسي، انقلبوا على مبادئ ثورة 25 يناير الديمقراطية، التي أسقطت في الشارع عسكريًا آخر هو حسني مبارك، الذي حوكم وأولاده، بضغط من الشارع المصري بتهم الفساد المالي، واستغلال السلطة العسكرية، في منع الحياة السياسية المدنية، ولكن العسكر، بثورة مضادة، مستغلين أخطاء حكم الإخوان المسلمين، عادوا إلى الحكم، حيث ذهبوا من الباب ليعودوا إلى السلطة من الشباك.
اليوم، لم يعد يتقبل العسكر، العودة إلى الحياة المدنية، لذا نرى عبد الفتاح السيسي يطالب البرلمان، المنتخب على شكله ومثاله، أن يعدل الدستور المصري الذي ينص على أن مدة حكم الرئيس هي فترتين فقط، وكل فترة أربع سنوات، فهو يريدها 5 سنوات ولفترات غير محددة، بمعنى أنه سيحكم مصر ومن سيخلفه إلى أبد الآبدين.
جرى في الأسبوع الماضي استفتاء صوري على تعديل الدستور، وبالطبع نتيجة معروفة سلفًا، على الرغم من كذب الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه لا يريد أن يبقى في السلطة، وهو يقسم بأغلظ الأيمان بأنه غير طامع بالسلطة وأنه لن يمدد فترته بعد انتهاء ولايته، وبالطبع هو كاذب. والتعديلات الدستورية المصرية ليس أخطرها التمديد لعبد الفتاح السيسي، وإنما تسلط العسكر المصري على مقدرات الشعب، إضافة إلى القضاء.
هنا يُطرح السؤال التالي: هل ينقلب عسكر الجزائر والسودان، على مبادئ الثورة الجماهيرية في كلا البلدين، كما انقلب العسكر على الحياة المدنية في مصر وليبيا؟ هناك دائمًا خوف من العسكر، لكونهم لا يقبلون الحياة المدنية، لا من قريب ولا من بعيد، فسبب بلاء المنطقة هم العسكر، ثم العسكر، ثم العسكر، وإن كان لبوسهم مدنيًا، فالعسكري غالبًا يريد السلطة، لأن كل هذه الجيوش هي جيوش انقلابات، وقمع، وإرهاب الناس، لا جيوش مقاتلة، ولنا في عسكر سورية خير دليل، الذي استأسد على الشعب السوري، وتأرنب ضد العدو الإسرائيلي.