وطن

صحيفة العين الإخبارية: 9 تعديلات دستورية بتاريخ الجزائر.. 6 عبر استفتاءات شعبية

توجه الجزائريون الأحد، إلى صناديق الاقتراع في “تاسع استفتاء شعبي” على تعديل الدستور منذ استقلال البلاد قبل 58 عاماً.

وعلى مدار الأعوام الـ58، عرفت الجزائر 9 تعديلات دستورية بينها 6 تم تمريرها عبر الاستفتاء الشعبي خلال سنوات حكم 7 رؤساء للجزائر بمعدل “تعديل دستوري لكل رئيس تقريباً”، فيما شكّل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الاستثناء.

أبرز تلك التعديلات كانت في عهد بوتفليقة والتي انتقدها المتظاهرون خلال مسيرات الحراك الشعبي التي أجبرته على التنحي في أبريل/نيسان 2019، حتى إن الأمر تحول إلى نكتة شعبية من خلال اللافتات الساخرة التي حملها متظاهرون وذكرت بأن “الدستور ليس كراس محاولات”.

استثناء بوتفليقة لم يكن بتحطيمه الرقم القياسي في عدد سنوات حكمه للجزائر بـ20 سنة متتالية عبر 4 ولايات رئاسية، بل أيضا من حيث التعديلات الدستورية التي بلغت 3 طوال تلك الفترة، لم يمرر أي منها للاستفتاء الشعبي، واكتفى بـ”الضوء الأخضر” للبرلمان، مستفيداً من دعمه من قبل الأغلبية البرلمانية.

ويعزو الخبراء القانونيون والمتابعون للشأن السياسي الجزائري، أسباب كثرة التعديلات الدستورية في ظرف 58 عاماً إلى ارتباطها بأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية حتمت على صناع القرار التكيف معها لتحديد المسار السياسي للبلاد.

وتزامن كل مسار محدد مع أزمات سياسية مرت بها البلاد مثل أزمات نهاية الثمانينيات وفترة التسعينيات وآخرها منذ 2019 عقب استقالة بوتفليقة، أو لـ”تعزيز المكاسب الديمقراطية وتعميق الإصلاحات السياسية” وفق الروايات الرسمية.

..أسمى وثيقة قانونية

وفي الجزائر، يعتبر الدستور أسمى قانون وضعي للدولة، وتذكر ديباجته التي لم تتغير كثيرا منذ 1989 بأن الدستور “فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية، ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده”.

وفي هذا التقرير تستعرض “العين الإخبارية” أبرز التعديلات الدستورية التي عرفتها الجزائر منذ استقلالها عام 1962 إلى غاية 2020.

..دستور أحمد بن بلة.. 1963

هو أول دستور تقره الجزائر بعد عام من نيل استقلالها، في عهد أول رئيس للبلاد وهو الراحل أحمد بن بلة، كرس التوجه الاشتراكي للجزائر، وأعطاها تسميتها الرسمية الحالية “الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”.

تطلب الإعداد لأول دستور بعد استقلال الجزائر فترة انتقالية مدتها عام وهيئات مؤقتة أشرفت على إعداده وتسيير البلاد. واستبق الاستفتاء على تعديل الدستور بانتخاب مجلس تأسيسي في 20 سبتمبر 1962، عين على رأسه أحد قادة الثورة التحريرية وهو بن بلة.

في 8 سبتمبر 1963 عرض بن بلة أول مشروع للدستور على الجزائريين، حدد طبيعة الحكم في النظام الجمهورية والديمقراطية الشعبية، وإقرار النظام الاشتراكي لتسيير اقتصاد البلاد، مع حصر أداء الشعب في “الحزب الواحد” الذي كان “حزب جبهة التحرير الوطني”.

صوت الجزائريون بالأغلبية الساحقة على دستور بن بلة، الذي تضمن أيضا إقرار الحقوق والحريات وفقاً للتوجه الاشتراكي، وحدد مؤسسات البلاد السيادية في المجلس الوطني والسلطة التنفيذية والعدالة، وكان حينها رئيس الجمهورية يجمع منصب رئيس الحكومة.

..دستور هواري بومدين.. 1976

بعد أن قاد العقيد هواري بومدين وزير الدفاع الأسبق انقلاباً عسكرياً على بن بلة، تم تجميد العمل بالدستور، وأمر بومدين بإعادة تحديد آليات ممارسة السلطة، وقرر استلام كافة الصلاحيات في “مجلس الثورة” الذي كان مكوناً من 26 عضواً.

قاد ذلك المجلس الجزائر لأطول فترة انتقالية في تاريخ البلاد دامت 11 عاماً، كانت فيها الحكومة أداة تنفيذية لمجلس الثورة، مع إنشاء هيئات استشارية عليا اقتصادية واجتماعية.

وعشية احتفال الجزائر بالذكرى الـ13 لاستقلالها، أعلن الرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين في جويلية 1976 اعتزامه العودة إلى الشرعية الدستورية، أصدر خلالها “ميثاقاً مؤقتاً” كمصدر أعلى لسياسة الدولة وقوانينها.

ودعا في الوقت ذاته قياديين من الحزب الحاكم لإعداد دستور جديد للبلاد، وتم عرضه على ثاني استفتاء شعبي وثاني تعديل دستوري في 19 نوفمبر 1976، وحصل على الأغلبية الشعبية. لم يختلف دستور بومدين عن سلفه بن بلة كثيراً، حيث عزز قبضة الحزب الحاكم آنذاك بعد أن منحه صلاحيات مطلقة في تسيير السلطات الثلاث، وثبّت النهج الاشتراكي نظاماً للدولة.

..دستور الشاذلي بن جديد الأول.. 1988

لم يأت ثالث تعديل دستوري في الجزائر إلا نتاجاً لمخاضات داخلية وخارجية أربكت نظام الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد. وأجبرت أحداث 5 أكتوبر 1988 التي سقط فيها عشرات الضحايا الرئيس بن جديد على الاستجابة لمطالب المتظاهرين، والتي تزامنت مع بداية تراجع النظام الاشتراكي عالمياً ودخول الجزائر في أزمة اقتصادية خانقة.

في 3 نوفمبر 1988 عرض الشاذلي بن جديد على الجزائريين ثالث تعديل دستوري حاز الأغلبية المطلوبة، شملت تعديلاته تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية وطريقة انتخابه عن طريق الاقتراع المباشر، وإنشاء مجلس للمحاسبة لمراقبة نفقات الدولة والحزب الحاكم والمجالس المحلية، وإنشاء منصب “رئيس الحكومة” للمرة الأولى وتحديد مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.

..دستور الشاذلي بن جديد الثاني.. 1989

كان رابع تعديل دستوري واستفتاء شعبي في تاريخ البلاد، وأول دستور يقر التعددية الحزبية والإعلامية في الجزائر، بعد تصويت أغلبية الناخبين عليه في 23 فبراير 1989.

شكل ذلك الدستور أول تحول سياسي واقتصادي في تاريخ الجزائر، انتقلت من خلاله من نظامين سياسي واقتصادي إلى نظامين مختلفين، إذ انتقلت من نظامي الحزب الواحد والاشتراكية إلى التعددية السياسية واقتصاد السوق.

اعتبره الحقوقيون أحسن دستور في تاريخ الجزائر، لما تضمنه من هامش كبير للحقوق والحريات الفردية والجماعية، والفصل بين السلطات. لكن منتقديه يرون أنه فرض على الجزائريين “تغييرا راديكالياً لنظامين سياسي واقتصادي” أحدث صدمة سياسية واقتصادية وحتى أمنية، واستغلته “الجبهة الإرهابية للإنقاذ” للوصول إلى السلطة، قبل أن تدخل الجزائر في أتون حرب دموية مع الجماعات الإرهابية، أوقف على إثرها المسار الانتخابي، وتجميد العمل بالدستور.

..دستور اليامين زروال.. 1996

خرج دستور 28 فبراير 1996 من رحم أخطر أزمات أمنية وسياسية واقتصادية عرفتها الجزائر في تاريخ الحديث، قاد خلالها البلاد الجنرال المتقاعد اليامين زروال، وهي الفترة التي عرفت بـ”العشرية السوداء”.

رغم قلة خبرته السياسية إلا زروال فتح باب النقاش مع الطبقة السياسية لتعديل دستور 1989 بما يتماشى مع طبيعة التحديات التي واجهتها الجزائر خلال تلك الفترة.

عده الخبراء القانونيون واحداً من أحسن الدساتير الجزائرية، بعد أن حاز أغلبية الأصوات في خامس استفتاء شعبي على الدستور بالجزائر. منع ذلك الدستور للمرة الأولى إنشاء الأحزاب والجمعيات على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جنسية أو مهنية أو جهوية، ما اضطر عدة أحزاب لتغيير أسمائها، كما أنشأ مجلس الأمة (مجلس الشيوخ) والمحكمة العليا ومجلس الدولة، ووسع الصلاحيات الرقابية للجل الدستوري.

..دستور عبد العزيز بوتفليقة الأول.. 2002

بعد 3 سنوات من انتخابه عام 1999، عرض الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة أول تعديل دستوري في عهده على البرلمان، كان ذلك في 10 أبريل 2002، وسميت بـ”المراجعة الدستورية”.

أدرج فيه للمرة الأولى اعترافاً بالأمازيغية “لغة وطنية”، أضاف خلالها مادة دستورية ورد فيها “تمازيغت هي لغة وطنية تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية عبر التراب الوطني”.

..دستور عبد العزيز بوتفليقة الثاني.. 2008

من أكثر التعديلات الدستورية التي أثارت الكثير من الجدل سواء فترة بوتفليقة أو منذ استقلال البلاد، مرره مثل الأول على البرلمان دون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي.

سمي بـ”دستور فتح العهدات” أو “دستور خلود بوتفليقة في الحكم” وفق المراقبين، حيث قرر بوتفليقة تعديل المادة الدستورية التي تحدد ولايات الرئيس باثنتين غير قابلة للتجديد.

وفي 12 نوفمبر 2008 صوت أغلبية نواب البرلمان على تعديل المادة 74 من دستور 1996، أقرت خلالها فتح العهدات الرئاسية، مع تعديلات جزئية أخرى لحماية رموز الثورة وترقية كتابة التاريخ وتدريسه وترقية الحقوق السياسية للمرأة، واستحدث بموجبه منصب “وزير أول” وألغى العمل بمنصب “رئيس الحكومة”.

..دستور بوتفليقة الثالث.. 2016

 “من أغرب التعديلات الدستورية” التي عرفتها الجزائر وفق تعبير خبراء قانونيين، حيث صادق البرلمان الجزائري بالأغلبية في 7 فبراير 2016 على العودة إلى دستور 1996 فيما يتعلق بعهدات الرئيس. ألغى التعديل فتح العهدات الرئاسية لرئيس البلاد، وأعاد تحديدها بولايتين اثنتين غير قابلتين للتجديد بالتزامن مع تدهور الوضع الصحي لبوتفليقة وغيابه عن المشهد السياسي، وبعد أن تمكن من الظفر بولايتين جديدتين.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى