كتب

“عامان من العزلة” ماذا صنع كورونا بالعالم؟

“لماذا عامان من العزلة؟ هنا في هذه المدينة لم يقتلونا بالرصاص.. قتلونا بالقرارات”، ترى هل تصلح هذه المقولة المشهورة المقتبسة من الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز صاحب “100 عام من العزلة” لتعبر عن الحالة التي خبرناها في التخبط باتخاذ القرارات والإجراءات التي اتخذها العالم بائسا في مواجهة هذه الجائحة”؟

جملة من التساؤلات طرحها مدير مركز الحسين للسرطان في الأردن الدكتور عاصم منصور خلال حفل إطلاق كتابه “عامان من العزلة.. مآلات الجائحة” في مؤسسة عبد الحميد شومان بالعاصمة عمان مساء الاثنين.

يقول المؤلف “ساد العالم واقع مسخ على أعتاب الجائحة تمثل في طغيان المادة والظلم وغياب العدالة وما نتج عنها من تباين في تأثر الناس بالجائحة، سواء من حيث نسب الوفيات، أو غياب العدالة، أو توزيع اللقاح، أو تحديد الأولوية لمن يعطى العلاج، وما نتج عن هذا الواقع المظلم من عالم مشوه طغت عليه العنصرية والأنانية، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل وعلى مستوى الدول”.

..مراجعة المسلّمات

ويعود الكاتب للتساؤل قائلا “ألم تكنس هذه الجائحة الكثير من المسلّمات والقيم والمبادئ التي تربينا عليها واتسمت بها أدبياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال العقود الماضية، فما الذي بقي لنتداوله من مصطلحات رنانة مثل التضامن العالمي والتجارة الحرة والحدود المفتوحة والعدالة الاجتماعية والرعاية الصحية الشاملة التي ما لبثت أن تداعت أمام أول اختبار حقيقي، فإذا بالدول تنكمش على نفسها وتغلق حدودها في وجه الآخر، وتعمق العزلة التي خلقها كورونا، ليس بين أبناء العائلة الواحدة، بل بين مؤسسات الدولة الواحدة والدول المختلفة”.

أما مصطلح الديمقراطية -يقول منصور- فأصبح موضع شك بعد فشل أدواتها في التعامل مع الجائحة، مما سهل على الكثيرين انتهاز الفرصة السانحة للانقضاض عليها مستغلين تنازل الناس عن بعض حقوقهم الأساسية في سبيل النجاة منها.

…عالم هش وأنظمة بائسة

كشفت الجائحة -بحسب الكاتب- هشاشة عالمنا وزيف إنجازاتنا التي تغنينا بها عندما لم تستطع أنظمتنا الصحية المتطورة -التي أنفقنا عليها تريليونات الدولارات- مواجهة هذا المخلوق المتناهي الصغر، ورأيتنا نهرع إلى التاريخ لنستعين بأدواته القديمة التي استخدمها في مواجهة الأوبئة لنوظفها في مواجهة هذا المخلوق.

وكشفت الجائحة بؤس الأنظمة السياسية التي تحكم العالم، وظهر ذلك بالفشل الذريع الذي اجتاح الدولة العظمى الولايات المتحدة، والتخبط الذي شهدته دليل واضح على أن العالم يواجه أزمة قيادة حقيقية، وعلى الجانب الآخر كانت الهند التي تمثل صيدلية العالم التي انحدر بها سياسيون هواة مسكونون بالشعبوية إلى الهاوية عندما تجاهلوا رأي العلم طمعا بأصوات الناخبين الهندوس ولو على حساب صحة المواطن، وكانت اللعنة أن أنتجوا للعالم متحور دلتا الذي خلف ملايين الضحايا.

ورغم الصورة القاتمة كان العلم والبحث العلمي وفيين لتقاليدهما، فكان المطعوم (اللقاح) هو الإنجاز الطبي الأبرز والذي قد يغير خريطة الكثير من الأمراض خلال السنوات القادمة.

..ليس للتأريخ

وفي بداية الحفل وصف وزير الشباب السابق المقدم محمد أبو رمان الكتاب بأنه “إضافة جميلة للمكتبة العلمية الأردنية، ويتناول الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية التي تأثر بها المجتمع الأردني وتداعيات الجائحة، وشكل مقاربة مهمة لتطور الجائحة عالميا ومحليا، مع تجاوز الرصد والتحليل الطبي والعلمي لتحور وتطور الجائحة”.

إضافة إلى أن الكاتب يقدم ويجيب عن جملة من التساؤلات المهمة، أين أصبنا؟ وأين أخطأنا؟ وينقد السياسات المحلية في مواجهة الجائحة بطريقة علمية جريئة، مركزا على أن مواجهة الفيروس ليست طبيا فقط، بل هناك أبعاد سياسية وإعلامية وثقافية ومجتمعية ومعيشية متعددة.

“عامان من العزلة” يعود الكاتب للإجابة عن دواعي الكتاب قائلا “هو عمل حاولت من خلاله تسليط الضوء على مرحلة مهمة عشناها جميعا منذ انتشار الفيروس، ولم أقصد منه التأريخ للجائحة، فما زال التأريخ لها مبكرا، ولم أقصد منه التأصيل العلمي لأسبابها، فلست صاحب اختصاص في ذلك”.

وجاء هذا الجهد المتواضع لتسليط الضوء على الجوانب المختلفة للجائحة وتأثيراتها وتداعياتها على مختلف مناحي الحياة، واستنطاق التاريخ لاستخلاص بعض الدروس والعبر، وفق الكاتب.

..التمييز العنصري

الخبير في علم الأوبئة عزمي محافظة قال في الحفل إن الكتاب جاء توثيقا جامعا لجوانب الجائحة الروحية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولم يركز على الجوانب الصحية فقط، وظهر اهتمام الكاتب بالمظاهر المرافقة للجائحة، كالتمييز العنصري في الدول المتقدمة، ومدى تأثر الأقليات وحالات التمييز العرقي، وكشف تعامل العالم المتقدم مع الجائحة وكأنها شأن صيني، وتناول بحساسية المعضلة الأخلاقية في وضع أولويات علاج المرض، وترك المرضى يواجهون الموت دون مساعدة.

وتابع محافظة أن الكاتب بين كيف استغلت الحكومات الجائحة لقمع الحريات، وقيامها بالمراقبة اللصيقة للناس، وإحكام القبضة الأمنية على المجتمع، واستغلال هلع الناس لفرض المزيد من الرقابة عليهم، وإسكات الأصوات التي تغرد خارج السرب في الأردن والصين والعالم.

كان الكاتب جريئا في نقد الإجراءات الحكومية -والحديث لمحافظة- خاصة التي طبقت في بداية انتشار الجائحة، مثل الإغلاقات وسياسة العزل المؤسسي في المستشفيات، والفحوصات العشوائية، وعزل الأحياء والعمارات، والتي أثبتت جميعها عدم جدواها على المدى البعيد في منع انتشار المرض، والأهم التركيز على مواجهة الجائحة، مع الإهمال الرسمي لمتابعة باقي الأمراض، خاصة المزمنة مثل السرطان والسكري وغيرها، وإغلاق المراكز الصحية والعيادات، وتعطيل برامج مهمة مثل برنامج التطعيم الوطني والبصمة الوراثية، مما أثر سلبا على حياة الناس.

..اللقاح وتساؤلات مؤرقة

“الكتاب يجيب عن الكثير من التساؤلات المؤرقة في نفوس الناس” يقول المستشار الأسري والتربوي خليل الزيود، خاصة قضية المطاعيم وكيف تنتج ومدى فاعليتها وقدرة العالم على إنتاجها بهذه السرعة، ونظرية المؤامرة حولها.

وتابع الزيود أن الكتاب يركز على أهمية إعادة النظر بالقطاع الصحي والطبي الأردني ومعالجة أي خلل، واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي في توعية الناس بخطورة المرض وأهمية اللقاح، لأن خطورة غياب المعلومات العلمية الصحيحة والدقيقة تفتح المجال واسعا أمام تداول قصص ومعلومات لا علاقة للعلم بها.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى