صور من الفايسبوك

عبد الرزاق بوكبة: “أكتب كي لا أصير حجراً”

يرى القاص والروائي والإعلامي الجزائري، عبد الرزاق بوكبة في قراءته لواقع الثقافة الجزائرية، أنه لم يحدث أن عاش المشهد الثقافي مخاضا مثل الذي يعيشه اليوم، كونه يعرف تحولات جذرية وقاسية وغير مرصودة من طرف المعنيين برصد التحولات سواء في المؤسسات الرسمية أو لدى قطاع واسع من النخبة، وهو مقام غامض لا ندري معه عمّا يسفر عنه.

وتوقع بوكبة في حوار مع صحيفة “العربي الجديد” أن الوضع الراهن قد يسفر عن وثبة جديدة تخلق أسئلة وهواجس ووجوها جديدة وقد يسقط إلى القنوط والاستقالة المعنوية، بما يجعل الرداءة تهيمن كليا على الساحة، ذلك أن الرديئين لا يتعبون ولا يصابون باليأس. لكن حدث في كل المراحل التاريخية، أن ظهرت أسماء ثقافية جريئة، غير أن قيام المشهد على الإهمال والارتجال والابتذال يقلل من تكريسها، فتضطر إلى طرق الأبواب خارج الحدود، بما كرس مفارقة مزعجة هي أن الأدب الجزائري بات شبيها بأدب المهجر في عقر داره وكأننا لا نملك وطناً.

وعن مدى رضاه عن شكل الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، التي تعيشها اليوم الجزائر، أجاب المتحدث أنه لا يتعلق الأمر بالرضا أو السخط، بل بمحاولة تحصين الذات من سياسات القمع والطمس. كل المنظومات تسعى إلى أن تطمسك كذات وتسخّرك لصالح الجماعة. أنت إنسان صالح كلما ملكت قابلية لأن تذوب في الآخرين وتتخلى عن ملامحك ورغباتك وخياراتك التي هي ثمرة لسياقك الخاص وتتبنى ملامح ورغبات وخيارات الجماعة. من هنا فكتابة السيرة الذاتية فعل مقاومة.

وفي رده عن سؤال إن كان الكاتب اليوم حقا يستطيع أن يأتي بالوقت ليعيش متنقلا بين أنفاس الأمكنة وحيوات البشر، أكد بوكبة أن الأمر لا يتعلق بالاستطاعة بل بالخيار. ثمة من يقبع خلف الشاشات ثلثي يومه، ويلتقط صورا مع أناس يعنونه فقط ليستعرضها في مواقع التواصل الاجتماعي. لقد طلب مني أحدهم أن أصوره مع جدته، فلاحظت أنه قطع قبلته لها وابتسامته في وجهها بمجرد التقاط الصورة، ثم نشرها في فيسبوك معلقا: “مع كنزي.. جدّتي”. الكتابة مشروع وليس مزاجا، فعل وليست انفعالا، حفر وليست تسوية للتراب. ومن كانت الكتابة لديه مشروعا خلق لها مناخاتها خلقا. وإن السفر في المكان والإنسان منصة ضرورية لكتابة نص حقيقي. أليس الإنسان والمكان هما مدار النص؟

وتابع قائلا “أنا أكتب أصلا بحثا عن الاختلاف، فحتى داخل الجنس الأدبي الواحد أسعى دوما إلى التنويع ومحاولة خلق شكل جديد. إنني أشبه فيروس السيدا كلما أوجدوا مضادا له في شكل ما تحول إلى شكل مغاير حتى يبقى عصيا على العلاج”. ويشرح صاحب رواية “من دس خف سيبويه في الرمل” إن الكتابة تنطلق من السهل وتعبّر به لكنها تنتهي إلى المستحيل. لكن ثمة ما يخيف أكثر، وهو أن تتملّكه النمطية والأحادية. نافيا أن يكتب ليصير نجماً، بل لكي لا يصير حجراً، لذلك فهو لا يراهن على جنس أدبي واحد يحقق فيه تراكما كافيا لأن يحقق له الشهرة، قائلا “فلو سجنت وقيل لي لك أن تكتب لكننا سنحرق ما تكتب بمجرد أن تتمه لكتبت”.

أما عن كيفية فهم وممارسة أدب الرحلة، يروي القاص الجزائري أنه كان يطلب من كل من يعود من رحلة ما أن يحكي لي عن رحلته، فاستقر في وجدانه أن يسافر ويحكي أسفاره، فلما أتيح له ذلك لاحقا بات نص الرحلة أحبّ الكتابات إليه، مشيرا الى أن إنّ قيام أدب الرحلة على التأمّل وتخليد اللحظة يغريه عميقا، ويجعله يخلق المكان والإنسان من جديد، بما يمنحنه إحساسا بقوة ونشوة خاصتين. وختم كلامه قائلا “إن الأماكن أرواح. وإن الذي لا يتعامل معها بصفتها أرواحا لا يستفيد من رحلاته أبدا، علما أن الأماكن لا تمنح أرواحها لكاتب استعراضي ومتقعر ونؤوم وملول ومتكبر وساذج ويقذف يده كل ربع ساعة إلى جيبه ليتفقد كم بقي له من الدراهم”.

للإشارة، صدر للروائي بوكبة أكثر من عشر إصدارات، نذكر منها: “من دس خف سيبويه في الرمل؟”، و”نذبة الهلالي: من قال للشمعة أح؟”، و”يدان لثلاث بنات ويليه: بوصلة التيه”. كما ساهم في إنتاج العديد من البرامج الثقافية التلفزيونية، فضلاً عن دار النشر، التي يترأسها اليوم “الجزائر تقرأ”.

ل. ن

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى