فيلم “ارزق القفطان”: الحياة والموت خارج التقاليد !
الفيلم المغربي “ازرق القفطان ” واحد من اهم نتاجات السينما المغربية يذهب بعيدا في طروحاته واحتفاءه بالخياطين المهرة والحياة خارج تقاليد الحياة وايضا الموت والدفن في بلد اسلامي مثل المغرب، فيلم لربما اكثر اهمية بقيمته واسلوبه ومضامينه في السباحة عكس التيار وخارج كل ما مستعاد وتقليدي ومكرر .
فيلم “ازرق القفطان” قراءة وتحليل لمسيرة القفطان والتالي صناعة واساليبة وقيمته، احتفاء عال عبر لغة سينمائية وكتابة رصينة عميقة وثرية بالصوره والاحاسيس، في الفيلم الذى تعاونت في كتابته المخرجة المغربية مريم توزانى مع وزوجها المخرج والمنتج نبيل عيوش تشتغل هذة المبدعة على ما ابعد من حدود الصورة والمسرود من الحدث الى كم اخر من الحكايات التى تذهب الى عمق التاريخ والمجتمع، وان ظلت المحاور الاساسية محل الخياطة التقليدية والحمام والحي وقبل كل هذا القفطان بكل بهاءهلا ومجده.
حكاية حليم ( صلاح بكري ) المتزوج من مينا (لوبنا ازبال ) وهما يدران محل للخياطة التقليدية الخاصة بالقفطان، حيث مدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية وحيث لا تزال التقاليد صامدة امام عالم متسارع متغير، يظل حليم يعيش عالمه السري عبر العلاقات المثلية في احد الحمامات الشعبية في الحين ذاته تظل زوجته وفيه له رغم علمها بانه يعيش تلك اللحظات الشاردة التى تظل تحمل له الهدوء النفسي والجسدى، لقد ظلت مينا امينه عالية تفتخر به وتعتز حيث تقول له وهو يعترف امامها بانه (سيد الرجال)، ذات يوم يحضر اليهم شاب (يوسف ) ايوب موسوي للعمل عندهم في حرفة الخياطة وتبدا العلاقة بالتطور بينه وبين حليم، في متوازي مع الانهيارات الصحية لزوجته “مينا” التى التهم السرطان جسدها وباتت غير قادرة على العمل وتحمل الالم الموجع، احدث تسير بهدوء وتكاد تتكرر حيث محل الخياطة والحمام والحي وايضا عملية الخياطة والحياكة والاشتغال اليدوي لتشكيل القفطان الذى يتطلب كثير من الوقت وهذا ما جلتنا مريم توزاني نعيشه ونحسه ونتامله ونستمتع به،حياة ذلك الثنائي كانت خارج الطار التقليدي وهكذا كانت لحظة الموت وتقاليد الدفن حيث يقرر حليم ان يدفن زوجته مينا وهي ترتدي القفطان بدلا من الكفن حسب التقاليد الاسلامية، ولربما يثير هذا المشهد كثير من الجدل اكثر من موضوع المثلية الجنسية التى قدمتها الشخصية المحورية وتصوير الحمامات وكانها ساحة لمثل تلك العلاقات.
سينما تحتفي بالارث الكبير للقفطان وصناعه وظروفهم، عبر قراءه خارج التقليد في كل شي اعتبارا من بناء الشخصيات وتطورها الى المناخ العام للفيلم الذي ظل محافظا على ايقاعة ومساراته الثرية وشخوصة المكثفة والتى هي الاخري خارج السياق التقليدي، شخصيات اختارت ما تريد كما اختارت التعامل مع هذا السمو العالي بما يمثله القفطان من اللون الى التصميم والشغل والانجاز والعلاقة مع الجسد والمناسبة وهي في الغالب الفرح الاكبر، شخوص ودلالات وايضا لغة سينمائية مقرونه بالاحترافية التى ترسخ بصمه هذة المبدعة المغربية مريم توزاني حتى وهي تحرك الساكن وتثير الجدل وتحفز الوعي باننا امام حرفة تذهب الى الاحتضار والموت.
لذا تأتى احدث الفيلم بصرخة مكتومة تتفجر في اتجاهات عدة تاره عبر الممارسات المثلية لخياط عاش طيلة حياته مهمشا مع والدة وحينما جاءت زوجته لتفجر طاقاته الابداعية وتحولة الى معلم ومنحته الحرية حيث تقول له (لا تخاف من الحب) وقد اخذ بتلك النصيحة حيث المشهد الاخير بعد الموت يظهر حليم ومع يوسف في احد المقاهي الشعبية وهو يعلم جيدا ما سيقال عنه ولكنه اختار ما يريد لذا ادار ظهره للكلام من اجل ان يحافظ على الحب كما يحافظ على صنعته وحرفته ..
في الفيلم اداء متجانس متناغم عادي رقيق بين ثلاثي الفيلم صلاح بكري ولوبنا ازبال وايوب موسوي، ولابد من التامل كثيرا الاداء العميق للفنانه لبنا ازبال التى ذهب بعيدا في تحليل الشخصية ومعايشة لانتقالات التى عاشتها الشخصية بكافة مراحلها وصولا الى النهاية عبر حالة سخية من التحليل والفهم لطبيعة الشخصية ومعطياتها وهو اداء لا يتحقق الا بالاحترافية العالية، الحديث عن “ازرق القفطان” يدعونا الى تحية المركز السينمائي الوطنى المغربي الذى يظل دائما وراء انجاز تلك الاعمال السينمائية التى تليق بالسينما المغربية وترسخ مكانتها حتى وان كانت بالنسبة للبعض مثيرة للجدل .. متسائلين ما هو نفع السينما ان لم تكون كذلك . ويبقي ان نقول .. برافو مريم توزاني ..
كان – عبدالستار ناجي