ضمن عروض الدورة الاولى من مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي، قدم فيلم “جيران” للمخرج الكردي السوري مانو خليل، الذي ينبش من خلاله في الذاكرة السورية والتعايش المشترك.
يشتغل المخرج مانو خليل على مفردة ” جيران ” بذكاء واحترافية عالية حينما يذهب اولا الى تحليل المرحلة الماضية ( قبيل اربعون عاما ) حيث نشاهد احداثيات تلك المرحلة والعلاقة مع الجيران سواء في القرية او الحدود السياسية المجاورة بالذات الحدود السورية – التركية ، ويذهب عبر سيناريو مكتوب بعناية وعلي نار سنوات طويلة من الانتظار ليتحدث عن العلاقات الاجتماعية في موزاييك التركيبة الاجتماعية التي تظم الاكراد والعرب والاتراك واليهود وغيرهم في تلك القرية .
فيلم “جيران ” تم تصويره في كردستان العراق وبالإمكان التأكيد بانه اكثر فيلم كردي استطاع ان يجوب النسبة الاكبر من المهرجانات الدولية لأنه يمتلك تلك التوليفة الذكية في صياغة العلاقات الاجتماعية بل الانطلاق الى فضاء ابعد بالذات في استثمار البعد السياسي لمفردة “جيران ” حيث يتجاور مانو خليل الحدود الضيقة في القرية او البلاد الى الجيران في الطرف الاخر بعيدا عن الحدود السورية التركية في منطقة ( القامشلي ) الى الحدود مع اسرائيل .
في “جيران ” مانو خليل ينطلق الى عمله واطروحته الفنية السياسية من خلال عين طفل عاش تلك المرحلة ليرصد كافة المتغيرات التي طرأت على سورية اعتبارا من قمع الاخوان المسلين وغيرهم وكأنه يقدم لنا مختصر لإحداثيات مأساة سورية خلال نصف قرن من الزمان جاءت حبله بالأحداث والشعارات والممارسات التي راحت تعصف وبقوة .
احداثيات زمن ومسيرة اطياف وشعوب وحالة من التمزق عبر ممارسات راحت تعصف بالجميع ولا تستثني احدا في صياغة تعكس بصمة المخرج المقرونه بمساحات من ( السخرية ) حيث ( التوثيقية الساخرة ) لأحدث زمن لا تزال أحداثه نابضة وحاضرة تنزف الاغتراب والهجرة .
نص ثري يتجاوز حدود الحكائية الى التوثيق والذهاب بنا الى حقبة تاريخية موشاه بالجمال والتفاهم والتجانس كان يعيش فيها الناس عبر اطيافهم الدينية والطائفية والعرقية، خصوصا ونحن في سورية امام حالة استثنائية تجمع العرب والكرد والأشوريين والادروز والشركس عبر اطيافهم الاثنية من مسلمين ومسيحيين ويهود واخرون غيرهم كثر ..
فيلم “جيران ” هو في الحقيقة توليفة رائعة تستدعي حياة المخرج مانو خليل وذكريات طفولته وما عاشه من الم ومعاناه وظروف قاسية وسطوه سياسية وحزبية واجتماعية ولاحقا من عزل وتهجير ، بالإضافة لكم من المعطيات التي ظلت تستحضر الحالة السورية ولكن تلك الانتقالات تتحرك بين ما هو بعد سياسي واجتماعي عميق وثري خصوصا في طبيعة العلاقة بين الطفل وعمه ووالده وجدة والجيران اليهود ولاحقا المدرس وبين كم من الاشارات النقدية الساخرة مثل مشاهد الرشوة في موضوع استخراج جواز السفر .بينما يمكن اختصار كل ذلك في مشهد اجبار الاب على ان يخلع سترته من قبل شرطي هامشي .
كتابة سينمائية فنية مليئة بالتشويق والإنسانية، تقدم ووثيقة تاريخية وطنية ترصد جوانب من الم ومعاناه شعب وامة وسط جيران لم يقدموا الدعم الذى يأتي لاحقا من الجيران ( اليهود ) .
باختصار شديد تدور أحداث فيلم “جيران” لمانو خليل في أحد معسكرات لجوء السوريين في كردستان العراق عام 2021 ليرحل بالأحداث إلى قرية صغيرة نائية على الحدود السورية التركية مطلع الثمانينيات لرصد حكاية الطفل الكردي – شيرو – بلغة سينمائية شفافة وأسلوب ساخر وحزين وناقد عن مرحلة حافظ الأسد وهيمنة البعث على كل مفاصل الحياة، وتدميره لمرحلة تاريخية (جميلة )كان الناس يعيشون فيها بتنوعهم الديني والطائفي والعرقي مع بعضهم بعضا كجيران واهل واصدقاء . قصة الطفل الكردي “شيرو” البالغ من العمر 6 سنوات الذي يقضي سنته الدراسية الأولى في مدرسة عربية وعليه أن يتعايش مع تحولات عالمه الصغير الذي يتغير بشكل جذري بسبب تعاليم البعث وفي خط متواز نرصد احداثيات الممارسات القمعية وايضا الضغوط على اليهود للهجرة ليجد المشاهد نفسه في ورطة ذلك الالم الذي يظل ( مانو ) يقدمه بروحة الساخرة والعميقة .
فيلم لا يتوقف عند حدود “جيران “القرية بل يذهب الى جيران الوطن بالتالي النظر الى الجيران بعين مختلفة ولربما فتح وتشريع ابواب ( خصوصا ) وان هؤلاء الجيران يقدمون الدعم وهو نحن امام نافذة عريضة صوب التطبيع .
مساهمة خاصة- جدة