ثقافة وفن

في الذكرى السابعة لرحيله: “امحمد بن قطاف”…فنان صنع أمجاده بأعماله

تحلّ اليوم الذكرى السابعة لرحيل أحد رواد المسرح والفن الجزائري الفنان القدير محمد بن قطاف، الذي فارقنا عن عمر يناهز الـ75 عاما، بعد رحلة عطاء استمرت لما يقارب الـ51 عاما، تاركا خمسة وثمانين عملا مسرحيا كتابة وترجمة واقتباسا وتمثيلا وإخراجا، إلى جانب أعمال تلفزيونية وإذاعية، ليسجل اسمه بأحرف من ذهب في الساحة الوطنية والعربية.
على مدار أكثر من 51 سنة من الإبداع والممارسة المسرحي، جال الراحل امحمد بن قطاف الممثل، المخرج والمؤلف المسرحي، ومدير المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، عبر كل شبر في القطر الوطني وأدخل السعادة والسؤال لكل الجزائريين المهمشين الذين وجدوا في عيطته صرخة الإنعتاق من الألم وتوق الحرية لأن الحرية توأم الإبداع فكان له ما أراد رغم أن جولاته والأوضاع المزرية التي كانت تنظم فيها الجولات المسرحية أثرت على صحته
بدأ الراحل “بن قطاف” ممارسة المسرح في زهرة شبابه، وتمكّن من فرض نفسه بسرعة أواسط ستينيات القرن الماضي، ورغم حداثة سنه كسب التحدي وسط كوكبة من كبار فرسان الخشبة على غرار مصطفى كاتب، كاتب ياسين، محي الدين بشطارزي، عبد القادر علولة، عز الدين مجوبي.
وكانت لبن قطاف تواقيع مميزة في المسرح الإذاعي، حيث أظهر إمكانيات فنية مبهرة وصوتا جهوريا جذابا وإجادة للغة الضاد سيما في تمثيلية “بلا عنوان” لمحمد حلمي سنة 1965، مما أثار انتباه المسرحي الكبير مصطفى كاتب الذي كان يدير المسرح الوطني الجزائري، فقرّر ضمّه ولم يخيّب بن قطاف الظن عبر عشرات المسرحيات التي تجوّل فيها في كلاسيكيات موليير وشكسبير، وروائع العمالقة أمثال عبد الحليم رايس، ولد عبد الرحمان كاكي وكاتب ياسين.
تألق “بن قطاف” في تقمصه لشخصيات المسرح العالمي، من شكسبير إلى لوبي دي فيغا مرورا بموليير، وخطف الأنظار بحضوره القوي وأداءه المبهر وصوته المميز الذي ألهب عشاق أب الفنون على مدار أزيد من أربعة عقود ووهب عمره لحبّه الأبدي للمسرح، إذ كرّس نصف قرن للكتابة، التمثيل والإخراج المسرحي، كما شارك كممثل في أكثر من 85 مسرحية.
كما لمع اسم الراحل “امحمد بن قطاف” في الكتابة الدرامية والتراجم والاقتباسات، مثل استلهامه “ايفان ايفانوفيتش” للكاتب الروسي غوغول، و”الرجل ذو النعل المطاطي” لكاتب ياسين، فضلا عن تعاطيه مع نصوص ري بردبوري، علي سالم، ناظم حكمت، محمود ذياب وغيرهم، وأتاحت له تجربته الركحية دخول عالم الكتابة، فتحوّل هذا الممثل البارع إلى مترجم ومقتبس، ثم إلى كاتب ومخرج مبدع لرؤى درامارتوجية مبتكرة، وكانت البداية سنة 1979 مع مسرحية “قف” التي تعاطى فيها مع مظاهر التسلط، وغياب حرية التعبير، ثم تلتها مسرحية “جحا والناس” سنة 1980 التي يقدم فيها نقدا لاذعا وساخرا لبعض المظاهر الاجتماعية والسياسية.
في سنة 1982، كتب وأخرج بن قطاف مسرحية “يا ستار وارفع الستار” التي أبرزت المشاكل المادية والمعنوية التي يعاني منها الفنان، ثم عرض في مسرحية “عقد الجوهر” سنة 1984 مختلف المراحل التي مرت بهم الجزائر منذ الاحتلال.
وتوالت المسرحيات تباعا “جيلالي زين الهدات” سنة 1986، “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” سنة 1987، و”العيطة”سنة “1989 التي أنتجها مسرح القلعة، أين خاض بن قطاف مع رفاق دربه عز الدين مجوبي، صونيا، وزياني شريف عياد أول تجربة للمسرح المستقل في الجزائر باستحداثهم باكورة “القلعة”.
وجاءت كتابات بن قطاف وفق نواميس الكتابة الركحية مشحونة بالشاعرية والصور البصرية، معبّرة عن كثير من الحالات الاجتماعية، وناقدة وممحّصة للحياة السوسيو ثقافية التي كان يعيشها مجتمعه.
ولأنه ابن حي شعبي في العاصمة، عاش بن قطاف في قلب الحدث الاجتماعي مؤثرا ومتأثرا، وكانت “فاطمة” التي عرفها وكتب عنها ليست مجرد امرأة، ولكنها حالة جزائرية، تماما مثل مسرحية “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” التي نالت الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج عام 1988، وقد حرص بن قطاف على اعتماد لغة شعبية بسيطة وجميلة، التراث حاضر فيها بكل أعماقه مليئة بالشاعرية، مشحونة بالدلالات، وتحتفظ الذاكرة المسرحية الجزائرية والعربية بأدوار بن قطاف كـ “العم العابد” في مسرحية “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” المقتبسة عن رواية الراحل “الطاهر وطار”، ورغم المرض وثقل السنون، واصل بن قطاف عطاءاته، ولم يكن تعينه مديرا عاما للمسرح الوطني من 2004 إلى 2014، لتثنيه عن الإبداع إخراجا وكتابة، حيث ألّف وأخرج مسرحية “التمرين”، إضافة إلى خمسة عشر مسرحية بينها “جحا والناس”، “موقف مستقر” و”فاطمة ضجيج الآخرين”.
نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى