بعد عامين وخمسة أشهر من المفاوضات والمداولات والأخذ والرد، وقع أخيرا “الطلاق البائن” بين الاتحاد الأوروبى وبريطانيا لتنطوي بذلك صفحة هامة من صفحات “البريكست” أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
“عطلة الأحد” لم تكن عادية بالنسبة للعاصمة الأوروبية، حيث شهدت تصديق قادة الدول الأوروبية الـ27 ببروكسل، على اتفاق البريكست الذي يؤسس بشكل رسمي لخروج لندن من البناء الأوروبي.
وتوالت تصريحات القادرة الأوروبيين عن هذا الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، حيث وصفه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بالـ”مأساة” على حد تعبيره، حيث استطرد قائلا: “إنه يوم حزين.. خروج بريطانيا، أو أي دولة أخرى، من الاتحاد الأوروبي لا يدعو للابتهاج ولا للاحتفال، إنها لحظة حزينة إنها مأساة”.
أما الرئيس إيمانويل ماكرون فقد وصف اللحظة الراهنة بالخطيرة، ورأى أن البريكست يظهر أن الاتحاد الأوروبي هش ويحتاج إلى إعادة تأسيس، ويحتاج لتحسين، لكن ورغم هذه التصريحات القوية، فقد أشار الرئيس الفرنسي إلى أن اتفاق البريكست اتفاق جيد.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة ليتوانيا، إن الاتحاد الأوروبي يجب ألا يستبعد عدة احتمالات بعد أن يوقع الزعماء على اتفاق خروج بريطانيا من التكتل، موضحة أن إجراء انتخابات جديدة أو استفتاء آخر في بريطانيا من الاحتمالات الواردة.
وقالت الرئيسة داليا جريباوسكايتي للصحفيين لدى وصولها إلى قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل “أي شيء يمكن أن يحدث، هناك على الأقل أربعة سيناريوهات محتملة لكن الأمر يرجع للجانب البريطاني في تقرير المسار الذي سيتخذه”. وأضافت “قد يكون استفتاء شعبيا جديدا وقد يكون انتخابات جديدة وقد يكون طلب إعادة التفاوض، أحصيت أربعة سيناريوهات محتملة على الأقل”، لكنها لم تصرح علنا باحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد بدون التوصل لاتفاق.
وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن حزنها لهذا الحدث. وأوضحت قائلة “إنه يوم تاريخي يُثير مشاعر متناقضة (..) إنها مأساة أن تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي بعد 45 عاما”. وأوضحت أنها تحس بـ”الحزن” ولكن أيضا بنوع من الارتياح بع مخاض صعب من المفاوضات. وأشاد مارك روته رئيس وزراء هولندا، أحد أقرب الشركاء التجاريين لبريطانيا، بأسلوب ماي في التعامل مع المفاوضات الصعبة معبرا عن ثقته في قدرتها على تمرير الاتفاق عبر البرلمان البريطاني. وقال “هذا أقصى ما يمكننا جميعا فعله” معبرا عن اعتقاده بأن الاتحاد الأوروبي لن يقدم تنازلات أخرى.
والسؤال الأهم الذي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن هو ما إذا كانت حكومة الأقلية المنقسمة بقيادة ماي ستتمكن خلال الأسابيع المقبلة من إدارة الدفة نحو إتمام الصفقة التي ستلزم لندن باتباع الكثير من قواعد الاتحاد حتى تحافظ على تيسير فرص التجارة رغم المعارضة الشديدة للصفقة داخل البرلمان البريطاني سواء من مؤيدي أو معارضي الخروج من الاتحاد.
طالما مرت العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بأوقات صعبة ومفاوضات معقدة بدأت من طلب بريطانيا لعضوية المجموعة الاقتصادية التي سبقت الاتحاد في عام1961، والتي لاقت اعتراضا فرنسيا أعاق المشروع لمدة 12 عاما. وبعد دخول المملكة المتحدة عضوا في المجموعة في عام 1973 بقيت العلاقة مشوبة بالتوتر والمشاحنات.
وقالت رئيسة ليتوانيا إنه في حالة رفض البرلمان للعرض فإن هناك أربعة احتمالات من بينها إما إجراء استفتاء ثان في بريطانيا أو إجراء انتخابات جديدة ليحل رئيس وزراء جديد محل ماي أو العودة إلى بروكسل لمحاولة التفاوض من جديد بشأن العرض. والاحتمال الرابع الذي لم تذكره جريباوسكايتي هو ببساطة أن تخرج بريطانيا من الاتحاد في 29 مارس دون اتفاق قانوني.
ويستعد الطرفان لسيناريو الخروج دون اتفاق رغم أن الاتحاد يشدد على أن بريطانيا ستكون الخاسر الأكبر. ورغم صمود الجنيه الاسترليني بقوة منذ ظهور ملامح الاتفاق خلال الأيام العشرة الأخيرة إلا أن التوتر يخيم على الشركات والمستثمرين. وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي ورئيس القمة أمس السبت “لا أحد يملك أسبابا للشعور بالسعادة” عند إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد لكنه أضاف “الأصدقاء سيظلون أصدقاء حتى النهاية” في إشارة لمقولة المغني البريطاني الراحل الشهير فريدي ميركوري.
وفي رسالة مفتوحة إلى الأمة نشرت الأحد قالت ماي إنها ستبذل كل ما في وسعها لإقرار اتفاقها في البرلمان. وقالت ماي في الرسالة “الاتفاق سيكون في مصلحتنا الوطنية… اتفاق يناسب البلد بأكمله والشعب كله سواء من صوتوا بالخروج أو بالبقاء”.