مقالات

كيسنجر والصين والسبعة الكبار

كمال جاب الله

في التقرير الذي نشرته “بوابة الأهرام” السبت الماضي، جاء نصًا أن القوى الاقتصادية لمجموعة السبع تخطط لمبادرة واسعة بشأن البنية التحتية في الدول الفقيرة، في محاولة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تقدر بتريليونات الدولارات.

ذكر التقرير أن التقديرات تشير إلى فجوة بقيمة 40 تريليون دولار في أجزاء من العالم، التي تهدف تلك المبادرة على مساعدة الدول الأخرى على سدها، ويتوقع أن تحشد مجموعة السبع والقطاع الخاص، بشكل جماعي، قريبًا مئات المليارات لاستثمارات البنية التحتية في الدول ذات الدخل القليل والمتوسط.

معظم التقارير الصادرة عن قمة مجموعة السبع، التي استمرت 3 أيام في إنجلترا، تشير إلى توافق القادة حول ضرورة اتخاذ نهج مشترك تجاه قيام الصين ببيع صادراتها بأسعار منخفضة، وكذلك ما يسمى بانتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في شينجيانج وهونج كونج، بما يتنافى مع القيم المشتركة للمجموعة.

تصعيد المواجهة والتهديد والوعيد من جانب قادة دول المجموعة، باستثناء رئيس حكومة إيطاليا والمستشارة الألمانية، بدعوتهما إلى إبراز مجالات للتعاون مع الطرف الصيني، يبدو أقوى بكثير عما حدث قبل 3 سنوات عندما لم يرد ذكر للصين في البيان الختامي.

مئات المليارات التي قررتها مجموعة السبع لاستثمارات البنية التحتية، بشكل جماعي، وقريبًا، في الدول ذات الدخل القليل والمتوسط، ما كانت لتحشد إلا بعد اكتساب المبادرة الصينية للحزام والطريق زخما غير مسبوق بانضمام أكثر من 140 دولة ومنطقة للمشروع الصيني المهيب.

لتوضيح أبعاد المواجهة المفتعلة بين ما يسمى بالقيم المشتركة لمجموعة السبع والصين، سوف أستعين برأيين قيمين لخبيرين مرموقين أولهما البروفيسور هنري كيسنجر (97 عامًا)، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مهندس التقارب التاريخي بين واشنطن وبكين في سبعينيات القرن الماضي، والبروفيسور وانج أي وي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية.

في كلمة عبر الفيديو خلال منتدى تنمية الصين 2021، قال الدبلوماسي الأمريكي المحنك، إنه من الصعب مقارنة الصين، التي زارها للمرة الأولى قبل خمسين عاما بالصين اليوم.

في حديثه عن العلاقات الصينية-الأمريكية الراهنة، قال إن الصين والولايات المتحدة مجتمعان عظيمان، لكل منهما ثقافته المختلفة وتاريخه المختلف، لذلك، وبحكم الضرورة، لكل منهما في بعض الأحيان رؤية مختلفة تجاه تناول الأمور.

تابع “ولكن في الوقت ذاته، تتطلب التكنولوجيا الحديثة والاتصالات العالمية والاقتصاد العالمي أن يشرع المجتمعان في جهود مكثفة أكثر من أي وقت مضى نحو العمل معًا، لأن سلام العالم ورخاءه يعتمدان على التفاهم بين المجتمعين”.

في فعالية أخرى استضافها المعهد الملكي للشئون الدولية في بريطانيا، المعروف باسم (تشاتام هاوس)، قال كيسنجر: “ما لم نتوصل إلى تفاهم مع الصين بشأن نظام عالمي جديد، سنصبح حينها في وضع شبيه بالوضع في أوروبا قبل الحرب العالمية، ذلك الوضع الذي تتخلله صراعات مستمرة تتم تسويتها بصورة فورية لكن أحدها يخرج عن السيطرة في لحظة ما، وأن الوضع الآن أخطر بدرجة كبيرة للغاية عما كان حينها”.

استطرد كيسنجر قائلا: “إن صراعًا بين دول تمتلك تكنولوجيا فائقة وأسلحة تمكِّنها من استهداف بعضها البعض، وتستطيع أن تشعل صراعًا من تلقاء ذاتها دون اتفاق ما يضمن نوعًا ما من الضبط والتقييد، لا يمكن أن ينتهي نهاية طيبة، داعيًا إلى أهمية قيام علاقات تعاونية وإيجابية بين الصين والولايات المتحدة.

وفي منتدى استضافه مؤخرًا المركز الفكري “ماكيناينستيتيوت” قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: “للمرة الأولى في التاريخ، تمتلك البشرية القدرة على التدمير الذاتي في وقت محدود”. وأضاف: “لقد طورنا تقنيات تتمتع بقوة كان لا يمكن تصورها قبل سبعين عامًا”. موضحا أنه لا يمكن مقارنة الوضع الراهن بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

وأوضح أن “الاتحاد السوفيتي لم يكن قوة اقتصادية، وكانت قدراته التكنولوجية عسكرية”، مشيرا إلى أن الاتحاد السوفيتي “لم يكن لديه التطور التكنولوجي الذي تتمتع به اليوم الصين التي تمتلك قوة اقتصادية هائلة، بالإضافة إلى قوتها العسكرية الكبيرة”، لافتا إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تبقى حازمة في المبادئ، وأن تطالب الصين باحترامها، مع الإبقاء على حوار مستمر وإيجاد مجالات للتعاون مع بكين.

علي الجانب الآخر، يعتقد البروفيسور وانج إي وي أن التصرفات والعقلية الغربية أوضحت ثلاث نقاط على الأقل:

أولًا: خلق نجاح تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” قلقًا واسعًا عند الغرب، في الواقع، لو كانت القواعد والنظام الغربيين مثاليين، فلن تتمكن مبادرة “الحزام والطريق” من تحقيق ما هي عليه اليوم. وفي عالم اليوم، يتزايد العجز في المجالات الأربعة الرئيسية للسلام والتنمية والحكم والثقة بلا هوادة، وأن التعاون الدولي في إطار مبادرة “الحزام والطريق” هو لسد هذه النواقص على وجه التحديد.

ثانيًا: يسعى الغرب إلى مواكبة والتحاق بمبادرة “الحزام والطريق” بعد أن أثبت مدى أهميتها وأنها صحيحة، كما يرغب الغرب الآن في بناء بنية تحتية والتواصل مع بعضهم البعض، بعد ما نجحت مبادرة “الحزام والطريق” في التركيز على إنشاء البنية التحتية والربط البيني، ونحن نرحب بهذا، لكن مشاريع البنية التحتية في الغرب لا تزال خطة على الورق، من ناحية أخري، فإن الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية، لديها أحدث تجربة في التحديث، ولا تضع شروطًا سياسية للتعاون، ولا تتدخل في الشئون الداخلية، مما يلائم الدول النامية أكثر. وتدعو مبادرة “الحزام والطريق” إلى التشاور المكثف، والبناء المشترك والمنافع المشتركة، وتهيئة الظروف للبلدان النامية لتلبية متطلبات السوق والمعايير الدولية.

ثالثًا: إن حرص الغرب على تطويق مبادرة “الحزام والطريق” ليس في المبادرة نفسها، ولكن من أجل احتواء الصين، نأمل ألا يكون هذا استعراضًا للسياسيين، ولا للمعارضة من أجل المعارضة، ولا للتصرف مثل الآخرين، ولكن لبناء بنية تحتية عالمية بصدق..

باختصار، الغرب حريص على تطويق مبادرة “الحزام والطريق”، والتي بدورها تثبت أن مبادرة “الحزام والطريق” استحوذت على قلوب الناس، وتعود بالفائدة على معيشتهم، وتفيد العالم.

 

الأهرام المصرية

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى