الأخيرة

كيف أرثيك أبا الأمل؟

بقلم: توفيق عبد الفتاح

كيف أرثيك أبا الأمل؟ ففي الرثاء حزن، وأنت من صنّاع الأمل. دلّني بصمتك الصادق العالي عن مسار أثني فيها على مسيرة كفاحك المخضبة بعقود الشرف دون أسى، دلّني على نهار أحكي فيه عن تلبيتك العنيدة لنداء وطنك لك في أحلك ليالي القهر، كيف أجد مرادفات جديدة للكفاح والصمود والطيبة، أمام الأسر وأمام المرض، كي أعطيك حق الخصوصية بعد أن تعلمت منك معاني الصمت البليغ ودلالات المصارع الوحيد؟ الآن فقط فهمت صمتك، إنه حضور قويٍ باقٍ يتجاوز وساطة الجسد.

يباغتنا الوجع والألم يا أبا أمل، ويداهمنا الموت أحيانا لينزعنا عن همومنا الصغيرة والكبيرة، ليصطحبنا إلى وقفة مطلة على الجدوى والمعنى، في موتك القيمة والمعنى كما في حياتك أصل والحكاية، حكاية بدأت فصولها عندما اخترت مصيرك بنفسك وخضت طريق النضال والكفاح، وتركت زوجة وأمًا صابرة تربي وترعى أطفالك بغيابك، تنتظر حضورك، في انتظارك كان المحرّك وفي غيابك نتزوج كلنا الانتظار إلى الأبد. ما بي أرثيك؟ لن أرثيك، سأذكرك، سأذكر عفويتك وطيبتك، وسأذكّر فيك، لأن الرثاء نقيضك، ففيه أحيانًا رياء وابتذال وتزوير، لأنّ لغة الرثاء مشبعة بمفردات موبوءة كنت تسأمها وتبغضها كما بعض رفاقك، لأنها تجافي الحقيقة وتصنع الأضاليل والأساطير، لن أرثيك ولن نبكيك ليس لأن الغزلان تحب أن تموت بين أهلها وحسب، بل لأن النسور لا يهمها أين تموت، غزالنا المحلّق كالنسر أنت، أحببت الموت بين رفاقك وأهلك ولم تأبه بمكانه. لقد صارعت المرض بكبرياء النسور وبوداعة الغزلان، رحلت تاركًا أبلغ الوصايا لندونها في انصع صفحات النضال الوطني الفلسطيني وكفاحات الحركة الأسيرة التي لم تفارق همومها يومًا، عهد علينا أن نواصل طريق العزة والشرف إلى حين يبزغ فجر الحرية وتتحقق العدالة على أرض فلسطين ولشعبها، لك المجد ولك العزة، فسلام عليك عندما كنت أهلا للوطن وعبق رياحينه وسلام لك وأنت تبعث فيه وفينا نبض الأحرار لنكمل المسيرة.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى