مقالات

كيف غير الاقتصاد الهندسي وجه اليابان ؟

د / إسـلام جـمال الـدين شــوقي: خـــبير اقــتصادي مصري

ترتبط الهندسة بعلم الاقتصاد ارتباطًا وثيقًا كونها معنية بالتطبيق المنطقي للمداخل الهندسية لتحقيق أهداف الاستثمار: ما يؤدي إلى معالجة عمليات الإنتاج بطريقة اقتصادية ، وبالتالي فإن المهندس في أغلب الأحيان يكون مسئول عن إتخاذ القرار من بين عدة بدائل ، ويكون للجانبين الفني والاقتصادي الأثر في إتخاذ ذلك القرار ، ولهذا نجد أن المهندس يحتاج إلى الإلمام بالأسس الاقتصادية حتى يستطيع القيام بعمليات التقييم للمنشآت المختلفة والمشاريع البديلة ، واختيار الأنسب من بينها من حيث الجدوى الاقتصادية بعد التحقق من جدواها الفنية.

لذا يمكن القول : ينبغي دراسة المشاريع وجميع الأعمال الهندسية من وجهتي النظر الاقتصادية والهندسية في إطار موحد هو ” الاقتصاد الهندسي ” .

…مفهوم الاقتصاد الهندسي Concept of Engineering Economy :

هو ذلك الفرع من فروع علم الاقتصاد الحديثة نسبيًا الذي يهتم بإجراء الدراسات العلمية المتخصصة والتحليلية للإنتاج والتسويق والتمويل وكذلك كفاءة الأداء والربحية للمشروعات القائمة والمزمع إقامتها في المستقبل القريب .

يحدد الاقتصاد الهندسي العلاقات الاقتصادية بين العمليات الإنتاجية ، وبما يضمن الكفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية لتحقيق الاستغلال الأمثل لتلك الموارد على اعتبار أن محدودية الموارد هي جوهر المشكلة الاقتصادية ، فالاقتصاد الهندسي سيكون معنيًا بتحقيق المتطلبات المادية للأفراد بما يرضي ويشبع رغباتهم من حيث مستوى الجودة ومراعاة البعد الخاص بالتكاليف ، فالمهمة ستكون مضاعفه على الهندسة في إيجاد الوسائل اللازمة لتحقيق المنفعةوالإشباع من عملية استغلال الموارد ,لذلك سيتكامل عمل الجانب الهندسي مع الجانب الاقتصادي بهدف الوصول إلى اشباع الحاجات المختلفة.

.. فضل الحرب العالمية الثانية

ويمكن القول أن الحرب العالمية الثانية رغم مآسيها كان لها فضل كبير على الاقتصاد الهندسي : إذ كانت السبب الرئيسى لاعتماد الهندسة الصناعية فى أمريكا ، ومن ثم انتشرت في كل أوروبا: حيث كانت تمارسها أمريكا فى إدارتها الحربية أثناء الحرب العالمية الثانية:إذ استخدمت الأساليب الكمية في نظام الدفاع بهدف الإستخدام الأمثل للموارد المتاحة. وقد أذهلت النتائج القيادة الأمريكية مما جعلها بعد الحرب تعمم استخدام الهندسة الصناعية على كافة مؤسساتها الصناعية ، وبالرغم من أن الحرب العالمية لها مالها وعليها ما عليها إلا أنها كان لها الفضل في انتشار الاقتصاد الهندسى فى كافة دول أوروبا، وأصبح علم ذو قوة وواسع الانتشار.

..أهمية الاقتصاد الهندسي :

ترجع أهمية الاقتصاد الهندسي وتتزايد يومًا بعد يوم لعدة أسباب :

1- تشابك وتعقد بين اقتصاديات الدول المختلفة سواء داخل اقتصاد البلد الواحد أو بينه وبين اقتصاديات الدول الأخرى الخارجية خاصةً في ظل اقتصاد العولمة، ويمكن القول أيضًا داخل القطاع الواحد أو بينه وبين القطاعات الأخرى داخل الاقتصاد القومي .

2- أدى ازدياد الدور الذي يلعبه النظام الرأسمالي إلى زيادة المنافسة على استغلال الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل خاصةً في ظل ندرتها وتوزيعها بين الاستخدامات البديلة.

3- العمل على إعداد دراسات علمية متخصصة لتحليل كافة الجوانب الاجتماعية والمالية لأي قرار استثماري خاصةً في ظل التطوراتالتكنولوجية السريعة والمتلاحقةوالتي جعلت عملية اختيار وتحديد أي من المشروعات أكثر جدوى اقتصاديًاأمر بالغ في الصعوبة

4- يؤدي خسارة المستثمر لرأس ماله إلى فشل المشروع ، وبالتالي هذا سيؤدي إلى فقدان التراكم الرأسمالي على مستوى الاقتصاد القومي ككل.

..المعجزة اليابانية:

بعد إنتهاء الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتزايد الدراسات والأبحاث والكتابات المختلفة للباحثين الأمريكيين والغربيين حول التجربة اليابانية الحديثة والتي يطلق عليها ” المعجزة اليابانية ” والتي أثارت إعجاب وتخوف من نجاح اليابان وفوزها في نهاية المطاف بالزعامة القطبية العالمية، خاصةً عند انتهاء نظام القطبية الثنائية في بداية التسعينات وانتهاء الحرب الباردة ويرجع ذلك لأن اليابان حققت في فترة هذه الحرب قفزات كبيرة في عالم الثورة التكنولوجية والصناعة الكهربائية بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام ، مما جعل منتجاتها تنافس المنتجات الأمريكية الأمر الذي جعل الباحثين والكتاب للبحث والوقوف على أسباب وأسرار المعجزة اليابانية ليس للاستفادة والتعلم منها فحسب ، بل وإنما أيضًا للحد وعرقلةالاندفاعة اليابانية المعاصرة.

ويُعدَ نجاح التجربة اليابانية خلال العقودالماضية نموذجًا لسعيَ المنظمات والشركات المختلفة لتطبيق الاقتصاد الهندسي من خلال الاهتمام بعملية الإنتاج ، وقد إتضح من خلال تتبع التجربة اليابانية أن معظم التطوير والتحسينات المستمرة فى العملية الإنتاجية قد أدت إلى تخفيض التكلفة ، وبذلك تمكنت اليابان أن تحقق إنجازات ليس على المستوى الفردي فقط بل امتدت لتشمل المستوى العالمي نتيجة اعتمادها وتبنيها فلسفة متقدمة ورائدة منها نظام الإنتاج فى الوقت المحدد ، أو ما يسمى ” نظام تقليل الفاقد “.

وتجدر الإشارة إلى أن سياسة تقليل الفاقد تُعدَ من أكثر أنظمة العملية الإنتاجية شهرة ونجاحًا ، وبدأ تطبيقها من خلال شركة السيارات اليابانية المعروفة تويوتا فى السبعينات وأظهرت نتائج باهرة فى الثمانينات،حيث تفاجئت الشركات الأوروبية والأمريكية بالتجربة اليابانية ونجاحها من خلال الاقتصاد الهندسي وتطبيق نظام تقليل الفاقد ، مما أدى بالخبراء الأمركيان والأوروبيين فى دراسة هذا العلم الجديد ومحاولة فهم سياسة تقليل الفاقد ومحاولة تطبيقها فى منظماتهم وشركاتهم المختلفة.

وإلى يومنا هذا مازالت سياسة تقليل الفاقد متفوقة على أي سياسة أخرى فى عملية التصنيع وما زالت شركة تويوتا اليابانية هي النموذج المثاليللاقتصاد الهندسي فى العالم وما زال نجاحها يتوالى.

مساهمة خاصة

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى