كتب

للكاتبة التركية رانا ديميريز: رواية «أسبوع في الأندلس».. متعة التاريخ وشغف الحكاية

في روايتها الأخيرة التي حملت عنوان «أسبوع في الأندلس» للكاتبة التركية رانا ديميريز -الصادرة عن دار ثقافة للنشر والتوزيع 2022- تروي المؤلفة رحلة «مانوليا»؛ الطالبة التركية في السنة الأخيرة بقسم التاريخ وتعمل في قسم الدراسات الأندلسية، مع أستاذها ألتاي الذي كان من المقرر أن يحضر ندوة علمية في غرناطة لعرض مقالته العلمية عن قيود محاكم مسلمي الأندلس، إلا أن مرضه الشديد حال دون ذلك فأناب عنه تلميذته المجدة مانوليا لتمكث «أسبوعا في الأندلس».

تلتقي مانوليا خلال رحلتها دليلها ماثيو، ليجدا أنفسهما مع أندلس القرن 14، ويعيشا رحلة غير متوقعة؛ حيث لؤلؤة غرناطة، وقصر الحمراء الذي كانت تحلم دائما بزيارته.

وأثناء جولتهما في أرجاء القصر تفاجئهما الأنفاق التي أضاعا طريقهما عبرها، ببرودتها أولا ثم بتقنيتها الهندسية العظيمة تاليا، كما يصادفان السر الذي جعل السلطان يقوم بتسليم جميع المدن الأندلسية، بما فيها العاصمة قرطبة، مقابل الحفاظ على القصر.

ففي الثاني من يناير 1492، دخل الإسبان غرناطة، وتم توقيع معاهدة تسليم البلاد في قصر الحمراء، واضطر إثر ذلك الملك أبو عبد الله محمد الصغير (1460-1533) إلى تسليم مفاتيحه إلى الملك فرديناند الخامس (1452-1516) ومغادرته.

وفي لمحة فانتازية، تبين الروائية في كتابها «كان هذا الاختيار (تسليم غرناطة دون قتال) من أجل حماية العلوم والتكنولوجيا وحفظها للأجيال القادمة، وربما لهذا السبب سلم أبو عبد الله المدينة من دون قتال، إذ لم يرد أن يصيبها ضرر.

من جهته، يقول المستعرب الإسباني أغناطيوس غوتيريث، أستاذ اللغة والأدب العربيين والتاريخ المعاصر في العالم الإسلامي بجامعة أوتونوما في مدريد؛ إن «ما تشير إليه الكاتبة التركية صحيح، إذ أراد أبو عبد الله الصغير الحفاظ على أرواح سكان غرناطة وعدم المساس بعمرانها».

ويضيف غوتيريث للجزيرة نت «لذلك هادن المسيحيين وهو على علم بأن مملكة قشتالة مصممة على تدمير المدينة أو الإضرار بها في حال اندلاع المواجهة مع المسلمين».

ويبين غوتيريث أن خصوم أبو عبد الله «لم يوفوا باتفاقهم مع بني الأحمر، بالنسبة لاحترام السكان وممتلكاتهم وحقهم في البقاء في ظل سلطة الغزاة أنصار إيزابيلا وفرديناند».

..قصر الحمراء

تطل بنا الكاتبة على تاريخ القصر فتروي تاريخه باختصار، فعندما أسست الدولة الأموية أنشئ المكان كقلعة في البداية، وأطلق عليها اسم القلعة الحمراء بسبب لونها الأحمر.

وبعد أن احتله الكاثوليك سنة 1492 اتخذته العائلة الملكية مقرا لها، وأضافت إليه وفق أنماطها شعارها (النير والسهام) على قمة الأقواس وذلك تأكيدا لملكيتها له. بدت الكاتبة على دراية تامة بتفاصيل القصر ودقائقه وتاريخه، فصورت الأسواق الأندلسية وتحدثت عن الحجارة العتيقة التي تعرف بالمارين. وعن تأثير قصر الحمراء على تجربتها في هذا الكتاب على وجه الخصوص، تقول المؤلفة «ألهمني قصر الحمراء، وتصورت كيف بدا كأنه أكثر أيامه روعة عندما كنت هناك؛ لهذا السبب رغبت في إنشاء شخصية تشهد كيف تبدو الأندلس في كلتا الحالتين، مما استدعى إدخال فكرة السفر عبر الزمن عبر الإسطرلاب».

وتؤكد رانا ديميريز في حديثها للجزيرة نت «هدفي هو طمس الخطوط الفاصلة بين التاريخ والواقع والخيال، ولم أرسم خطا بينهما لأجعل القارئ يتساءل عن الاحتمالات».

وفي المقابل يعتقد الكاتب والروائي السوري ثائر الناشف المقيم في النمسا أن «مؤلفة الرواية حاولت رسم صورة أكثر جمالية لقصر الحمراء مغايرة لصورة مدينة غرناطة التي اعتاد الناس تخيلها في أذهانهم أو عبر مشاهداتهم المرئية».

..تشابك التاريخ والخيال

وعن زمان الرواية يرى الناشف في حديثه للجزيرة نت أنه «بغض النظر عن مدى ضخامة تخيل الماضي، فإن الفانتازيا التي فاضت بها صفحات الرواية ليست دخيلة على السرد، بل جاءت مواكبة لحقبة تاريخية لا تفقد أهميتها عبر الزمن»؛ فمنظور الروائية الفني لم يكن وليد حالة ذهنية إبداعية مجردة، وإنما بنت نصها السردي استنادا إلى أبحاث ودراسات أجرتها عن الحقبة الأندلسية.

ويرى الروائي السوري عبد الرحمن مطر المقيم في كندا أن «في الرواية سردا سهلا ممتعا، ولغة جميلة، أخّاذة، عالجت الكاتبة عبره جملة من الأفكار المتصلة بالتاريخ والحضارة برؤية معاصرة ومنفتحة وغير مألوفة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل العالم».

..انهيار حقبة أندلسية وبدء أخرى

تحدثت ديميريز في الرواية عن جرائم محاكم التفتيش والرعب الذي يصيب من يسمع كلمة «كاثوليكي»، وبينت أن الملكة إيزابيلا (1451-1504) ارتبط اسمها بما لحق بالأندلسيين من مآس بعد سيطرة الكاثوليك على غرناطة؛ آخر معاقل المسلمين في الأندلس.

وتتحدث كتب التاريخ عن أن الكاثوليك استخدموا أنواعا شتى من وسائل التعذيب، وتفننوا في القتل والإجرام؛ من القفص المعلق، والثور الحديدي، والحوض، والمخلعة، والشوكة الزنديقة، وكرسي محاكم التفتيش، وغيرها من وسائل التعذيب في ذلك الزمان.

وتذكر المؤلفة في روايتها أنه «بعد سقوط آخر معقل لغرناطة 1492 لم يبق هناك أمل. لم أصدق ذلك، كانوا قادرين على مواصلة حياتهم في الخفاء، بطريقة ما، بتغيير الهوية والدين واللقب».

ويصف الشاعر والروائي السوري إبراهيم اليوسف المقيم في ألمانيا الرواية بأنها «مرافعة حفرية في بعدها الرؤيوي تأخذ أكثر من جانب، من بينها بصمات من حاول الإسبان تصويرهم -كما تبين الرواية- على غير ما هم عليه، بينما استطاع هؤلاء -حسب فصول الرواية نفسها- ترك أثر معرفي حضاري إيجابي إنساني».

وعلى الرغم من أن المكتبة العربية تعج بعشرات الروايات العربية والأجنبية التي كتبت عن العصر الأندلسي، فإن الكاتب السوري الناشف يعتقد أن «هذه الرواية تميزت عن غيرها من الروايات بالغوص العميق في خبايا الأندلس، وإن جاء هذا الغوص المثير عبر بناء معمار الرواية وفق النسق الفانتازي».

..نداء متأخر.. تاريخ موجز للأندلس

ويقع إقليم الأندلس في جنوب أوروبا الغربية بجزيرة أيبيريا، وفتحه المسلمون وأقاموا فيه 8 قرون، بنوا خلالها حضارة أضاءت الطريق للنهضة الأوروبية في ما بعد، لكنهم خسروه بسبب الصراعات وحياة الترف واللهو، وكانت غرناطة آخر جواهر الأندلس التي فقدت عام 1492 للميلاد.

وبعد زواج إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (1451-1504) من فرناندو الثاني ملك أرغون (1452-1516)، وتحالفهما ضد المسلمين؛ عقدا العزم على الاستيلاء على آخر معاقل الأندلس، حيث اندلعت بين الطرفين معارك عنيفة، فغادر المسلمون جنوب غرب أوروبا (الأندلس) من بوابة قصر الحمراء الشهير غرناطة عام 1492، بعد حكم إسلامي استمر 770 عاما؛ ما أسفر عن تكوين مملكة إسبانيا التي مرت بدورها بتحولات كثيرة.

وعن تقديم رؤية خاصة عن وجود المسلمين في الأندلس، وهل تعد الرواية مرافعة متأخرة، تقول المؤلفة رانا ديميريز في حديثها «الأندلس موضوع خاص جدا، عاش المسلمون وكذلك الأشخاص من ديانات مختلفة معا وسلاما هناك؛ هذا هو السبب في أن المنطقة لديها تراث غني لا يزال ينتظر من يكتشفه».

وتضيف «لم يؤثر وجود المسلمين هناك على التاريخ الأوروبي فحسب، بل أثر أيضا على جغرافيتنا؛ كنا وما زلنا مرتبطين بهم من خلال الإرث الذي بنوه، من العلم والدين والعمارة والفن».

..الفانتازيا والتاريخ

وبسؤالها عن التعايش بين التاريخي والفانتازيا في الرواية، وعن الحدود بينهما، تجيب الكاتبة « كمؤرخ فني، أعتقد أن التاريخ يحتوي على عناصر خيالية، لأن ما يفعله المؤرخون هو في الأصل إعادة تأسيس الماضي، الأمر الذي يجلب حتما منظورا معينا حول الاحتمالات والخيال لملء الفراغات، أحيانا من دون دليل».

وتضيف «عندما أكتب كتبي، أفعل الشيء نفسه؛ لقد ألهمتني المواقع التاريخية وبعض الأحداث التي قادتني إلى خلق الأجواء في كتبي».

ويتحدث إبراهيم اليوسف عن المؤلفة بالقول إن هذه «الروائية التي اطلعت مؤخرا على نتاجها اللافت، أنجزت 4 روايات وهي في سن 17، وهو أمر يدعو إلى الاعتراف بأننا أمام روح إبداعية استثنائية».

تجدر الإشارة إلى أن الكاتبة ديميريز دفعت ببطليها إلى خوض رحلات أخرى كانت الغاية من ورائها استعراض التاريخ العربي في مصر (الإسكندرية) والتركي في زمن بيزنطة.

ويعتقد اليوسف في حديثه للجزيرة نت أن «تجربة الروائية وفي ظل قراءة روايات مكانها امتداد لأسماء مكرسة في عالم فن الرواية التركية، لتسجل بعدئذ إضافتها هذه من خلال اعتمادها على التاريخ، وإن كان في بعده الفانتازي الصارخ، لتكون روايتها المتناولة مرافعة عن أندلس محددة؛ أندلسها هي: ثقافة، ورؤية، وخيال، وحلم».

وعادة ما يلجأ كتاب السيناريو ومخرجو الأفلام الحديثة إلى الفانتازيا لسحر عين المشاهد بأحداث لا يمكن تخيلها في الواقع، وصدرت للروائية نفسها أيضا روايات «أضواء الظلال»، و»ليلة في آيا صوفيا»، و»عام في القصر».

وعن دمج الفانتازيا في الرواية التاريخية يقول ثائر الناشف «لا تخلو الفانتازيا التي لجأت إليها مؤلفة الرواية من الاستناد إلى التاريخ والتنقيب في صفحاته انطلاقا من توثيق رحلة بطلة الرواية»، ولهذا فالرواية من وجهة نظر الناشف «ما هي إلا سيرة ذاتية للكاتبة، اعتمدت فيها على أسلوب السرد بضمير المتكلم»، ثم لا ينفك يكتشف أن «الرواية في مجملها توثيق لمشاهدات الباحثة التركية، وأنها تنتمي لأدب الرحلات، مما جعل الرواية تبدو كأنها رواية تاريخية».

كما يبين الكاتب عبد الرحمن مطر أن «الميزة الأخرى للرواية تكمن في أن الكاتبة استندت في معالجتها الإبداعية إلى الفانتازيا، لتقديم وجهة نظرها، أو أفكارها المتصلة بتاريخ الأندلس».

أما المؤلفة رانا ديميريز فتختم حديثها بأن «إنشاء جو تاريخي في الماضي، خاصة من وجهة نظر طالب التاريخ، الذي هو بطل الرواية؛ يجلب حتما مقاربة معينة لذلك الجو الصوفي الملهم للأندلس، بحيث يتشابك التاريخ والخيال في السرد».

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى