إسلاميات

لنكن ربَّانيين لا موسميِّين

لله تعالى في أيامه نفحات، وللمسلم فيها وقفات وعظات وزاد: “وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”سورة إبراهيم/5، ورمضان خير أيام الله تعالى.

عن الحسن البصريِّ رحمه الله تعالى؛ فقد قال أحد تلاميذه عنه أنه لو قيل له أن ملَك الموت واقف فوق رأسه ليقبض روحه ما زاد من العمل.

بدأت بهذه القصة لأقرِّر أننا أصبحنا “موسميِّين” إن صح التعبير، طاعاتنا وعباداتنا وأعمالنا الخيرية مرتبطة بمواسم وأوقات معينة، نزداد صلاة في المساجد وقياماً في رمضان، ونكثر من منح الهبات والتصدُّق في موسم الحج، فإذا ما انتهت المواسم عدنا كسابق عهدنا وكأننا قوم آخرون!!.

أعلم تماماً أن رمضان شهر خير، وأنه حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، وأنه كان أجود من الريح المرسلة كما روى الإمامان البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن هذا الخير الذي كان فيه صلى الله عليه وسلم في رمضان كان إضافة إلى الحد الطبيعي للخير الذي على كل مسلمٍ أن يكون عليه، لا أن نعتبر أنفسنا “خارج الخدمة” الربَّانية الدعوية أحد عشر شهرا، ثم نعمل لها شهراً واحداً.

نريد أن نكون كمثل الحسن البصري رحمه الله تعالى، أن نعمل لله تعالى وللدعوة طوال السنة، ثم نزيد المقدار في رمضان كما كان يفعل رسولنا صلى الله عليه وسلم.

نقطة أخرى ارتبطت بممارساتنا في رمضان، أرى من المناسب أن أمرَّ عليها سريعاً، وهي ارتباط رمضان في أذهاننا بالكسل والخمول، وبضيق الصدر والتضجُّر من كل شيء، وما كان هذا سمت المؤمنين ولا الصالحين؛ فشهر رمضان شهر الجدِّ والعمل، شهر الصيام والقيام والبذل، شهر الجود وطيب النفس، بل إن أعظم معارك الإسلام كانت في رمضان، وما بدر وفتح مكة عنا ببعيد.

فلنُخرج هذه الصفة التواكليَّة التكاسليَّة من أذهاننا، ولنستقبل رمضان كما ينبغي له، بالجدِّ والجهد والعمل.

كيف يغتنم المسلم رمضان إيمانيًّا؟

يمكنني أن نضع جدولاً مبسَّطاً لوسائل اغتنامه وطرقها في خلال اليوم:

الأيام من الأول حتى اليوم العشرين من رمضان:

الفجر: يقوم الإنسان بصلاة الفجر في المسجد، ثم يذكر الله تعالى، ثم يجلس لقراءة القرآن الكريم “جزء يوميًّا”، حتى قبيل طلوع الشمس، ثم يتلو أذكار الصباح حتى طلوع الشمس؛ فيصلِّي ركعتَيْ الضحى، ثم ينصرف إلى بيته، ويستعدُّ للذهاب إلى عمله.

في العمل: الجدُّ والاجتهاد والإتقان، ويتخلَّل ذلك صلاة الظهر وأذكارها، ولا بأس من كلمة إيمانية قصيرة بعد الصلاة لا تتجاوز الثلاث دقائق، حتى لا يتعطَّل العمل، والإسلام لم يقل أبداً بتعطيل الأعمال.

العصر: صلاة العصر في المسجد وأذكارها، ثم الاستماع إلى درسٍ في المسجد -إن وُجد- ثم البقاء في المسجد أو العودة إلى البيت وقراءة كتابٍ في الرقائق، أو بعضٍ من الأحاديث النبوية، أو تفسير القرآن الكريم، أو الاستماع إلى خطبة أو درس إيمانيٍّ في إذاعات القرآن الكريم أو عبر الأشرطة، ويفضَّل أن يكون الاستماع هو الجزء الأكبر، لأنه يمنح الفرصة للقيام بأعمال أخرى معه، خاصةً ما يحتاج إليه البيت من أعمال، ويستمرُّ هكذا حتى قبيل المغرب، فيتفرَّغ لأذكار المساء، ثم الإفطار والدعاء ثم صلاة المغرب.

العشاء: صلاة العشاء والقيام “التراويح” في المسجد، وإن كانت هناك حاجة تحتاج لقضائها، أو زيارة وصِلة رحم، فليقم بها، ثم ليعود إلى بيته، فيجلس مع أهله، ويطمئن على كل من في البيت من حيث الصلاة والعبادة والدراسة، ويستمع لآخر الأخبار في العالم، وما الذي حدث في ذلك اليوم، ثم النوم مبكِّراً قدر المستطاع.

السحور وقيام الليل: القيام قبل الفجر لصلاة ركعات قيام ليل، وكم سيكون هذا رائعاً إن استطاع المرء ذلك، وحبَّذا لو أيقظ أهله معه كي يصلُّوا جميعاً القيام، ثم يجلسوا ليتدبَّروا القرآن والإيمان، ثم يهبُّوا إلى السحور، ثم الاستعداد لصلاة الفجر.

ويمضي الأمر هكذا كل يوم، ولو كان لأحدنا أولاد كبار أو شباب، فيفضَّل أن يصطحبهم معه، ويمكنه اصطحاب زوجته في العشاء والقيام “التراويح”. أما المرأة، فتقوم بكل ما ذكرناه في البرنامج ولكن في بيتها، ويمكن لها أن تصلِّي العشاء والقيام “التراويح” في المسجد، على أن تستغل أوقات العمل البيتي بالاستماع إلى القرآن الكريم، وإلى الخطب والدروس الإيمانية.

الأيام العشر الأواخر من رمضان:

يسير البرنامج على المنوال نفسه، ولكن قد يُستغنَى عن فترة القيام “التراويح”، ويحلُّ محلَّها قيام الليل في التهجُّد في المسجد، ويفضَّل للرجال الاعتكاف في المساجد خلال هذه الأيام كما كان يفعل رسولنا صلى الله عليه وسلم، ومن يعمل فليذهب إلى عمله ثم يعود لمعتكفه، على أن يستغل وجوده في المعتكف في محاولة ختم القرآن ختمة ثانية في هذه الأيام، وكذلك يُكثِر من حلقات الذكر، وقراءة القرآن، والدروس.

والنساء يعتكفن بالبرنامج ذاته ولكن في بيوتهن، ولا بأس من أن يصلِّين القيام في المساجد إن أمِنَّ الطريق، وتيسرت الوسيلة، كما قد يكون من الجيد لو اجتمعت مجموعة من النسوة في حلقات ذكر أو قرآن أو دروس.

 

 

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى