محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة: “إشكالية الأنا والآخر”-نـماذج روائية عربية-
تسعى الدكتورة ماجدة حمود من خلال كتابها إشكالية الأنا والآخر-نماذج روائية عربية- إلى الإجابة على جملة من الإشكاليات والأسئلة، من بينها:هل لجأت الرواية العربية إلى بناء جسور التفاهم بين الأنا و الآخر ؟ وكيف؟ وما مدى حضور لغة العنف في تجسيد إشكالية الأنا و الآخر ؟
وما مدى تأثير الرؤية المتعددة في رسم شخصية روائية تجسد الأنا أو الآخر وانعكاس ذلك على حيويتها؟ وهل استطاعت الرواية بفضل هذه الرؤية تسليط الضوء على علاقة الأنا بالآخر بطريقة موضوعية؟
توضح المؤلفة أن من أهم إنجازات دراستها توسيع مفهوم الآخر في الرواية العربية، حيث لم يعد يقتصر على الغربي فحسب، بل لفتت النظر إلى الآخر الذي تعاشره الأنا العربية، ولاسيما الإفريقي والآسيوي، والذي يشكل جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي العربي، إضافة إلى استفادتها من تقنية تعدد الأصوات، ونظرية التلقي في تتبع إشكالية الأنا و الآخر .
..الأنا والآخر في رواية بعيداً إلى هنا
في الفصل الأول من الكتاب نقرأ عن الأنا والآخر في رواية إسماعيل فهد إسماعيل (بعيداً إلى هنا) ، حيث ذكرت الدكتورة ماجدة حمود في مستهل هذا الفصل أن الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل يعتبر من أوائل الروائيين العرب الذين استطاعوا أن يسلطوا الضوء على صورة الآخر الآسيوي، وقد بدا انطلاقاً من عنوان روايته بعيداً إلى هنا متعاطفاً مع الآخر الذي يعيش مهمشاً في بلادنا العربية، ورأت أن الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل استطاع أن يُطلع المتلقي على عوالم مسكوت عنها في المجتمع العربي، فقد قام بتعرية عادات سيئة فيه يمارسها بعض العرب ضد الآخر الآسيوي، كما حرص على عدم تشويه صورة الأنا وعزز صورة الآخر الإيجابية.
ووفق منظور المؤلفة فأهم رسالة قدمتها رواية إسماعيل فهد إسماعيل هي تعريف المتلقي بأعماق الآخر الآسيوي، وكشف مكونات وجدانه، والتركيز على القواسم المشتركة التي تؤكد أنه نظير لنا في الإنسانية ، وذلك بغرض محو الأفكار الاستعلائية.
وبالنسبة إلى اللغة التي وظفها الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، فقد أكدت الدكتورة ماجدة حمود على أنه استطاع أن يسلط الضوء على معاناة الآخر الآسيوي عبر لغة حساسة تشع بالتعاطف الإنساني، فقد جسد صورة الآخر الهامشي عبر لغة تتغلغل في أعماقه، لتفصح عن صراعاته النفسية، أي عن بعده الإنساني، فقدمه عبر سياق اجتماعي يقهر أحلامه، ويلغي وجوده وإنسانيته.وبذلك يفضح الأنا في تجاوزاتها واستعلائها على الآخر، ويعزز اللغة الدرامية في الرواية، فيكسب احترام المتلقي في إبداع لا يفصل الجمال عن القيم النبيلة (ص:50).
..جسور التفاهم في رواية خارطة حب
في الفصل الثاني درست المؤلفة رواية خارطة حب لأهداف سويف، ووصفتها بالرواية التي بنت جسوراً بين الأنا والآخر، وأشارت في مقدمة هذا الفصل إلى أن الكاتبة المصرية أهداف سويف تعيش بعيداً عن وطنها في انجلترا، وتحمل همومه في شغاف إبداعها، وأبرز هذه الهموم علاقة الأنا بالآخر، ولذلك كتبت خارطة حب باللغة الإنجليزية، لعلها تنشئ حواراً بين الذات العربية والآخر الغربي، فقد عمدت إلى رصد علاقة الشرق بالغرب بكل مظاهرها المشرقة والمظلمة، وتميزت بتأريخها عبر الإبداع الروائي لبداية الاحتكاك بالآخر(المستعمِر والصديق)، وهي بذلك تربط الماضي بالحاضر عبر لعبة فنية.
وقد بدت مشغولة بإشكالية الحوار مع الآخر، ولهذا فقد سعت إلى بث روح المصداقية عبر استخدام الوثيقة التاريخية في روايتها، وتميزت بعدم قولبة الآخر في قالب نمطي واحد، وحاولت التمييز بين الانجليز، فهناك من يتبنى السياسة الاستعمارية، وهناك من يرفض وحشية المستعمِر، كما قدمت الكاتبة أهداف سويف رؤية موضوعية للذات والآخر، وجعلت روايتها رداً فنياً على ادعاءات تشوه صورة الذات المسلمة، وحاولت تقديم صورة عن الثقافة المتسامحة مع الآخر من خلال سرد الحياة اليومية للإنسان المسلم.
وفي ختام هذا الفصل أكدت الدكتورة ماجدة حمود على أن الروائية أهداف سويف استطاعت أن تجعل روايتها رسالة حب تتوجه بها إلى المتلقي الغربي والعربي معاً، من أجل الإسهام في تعزيز جسور التفاهم بينهما، وقد بدت رسالتها بعيدة عن التجريد وقريبة من الحياة المعيشة، كما اتسمت العلاقة مع الآخر بأنها لم تتخذ طابعاً مأساوياً، و لم ترتفع فيها حدة المواجهة الحضارية.
..الأنا الإفريقية والآخر في رواية حجول من شوك
في الفصلين الثالث والرابع من الكتاب درست الدكتورة ماجدة حمود الأنا الإفريقية، و الآخر في رواية حجول من شوك للروائية بثينة خضر مكي، وسلطت الضوء على الأنا و الآخر الصهيوني في رواية ربيع حار لسحر خليفة، التي قدمت الآخر الصهيوني بصفته إنساناً، ولم تبرزه في قالب نمطي، وتعمدت انتقاء شخصيتين عربية ويهودية تقتربان من براءة الطفولة.
ووفق وصف المؤلفة فرواية سحر خليفة أفسحت المجال لصوت الطفل (أحمد) الذي يخطو نحو المراهقة، كي يصور الآخر اليهودي(ميرا)عبر مشاعر إيجابية، تحاول أن تنأى عن العداء، وقد تعمدت الكاتبة أن تجعل هذه المشاعر تتجاوز السياق الواقعي البائس الذي يحيط بالشخصيات، لكن هذا السياق لن يستطيع أن يعيش معزولاً عن السياق التاريخي الملطخ بالعدوان الصهيوني، مما يقهر الإنسان العربي، ويمنع تطور مشاعره الإيجابية تجاه الآخر المستوطن، إذ ينتزعه من عالم الجمال (الشعر والموسيقى والرسم) إلى عالم الحقد، فينتزعه بالتالي من الحياة، ليقذف به في وجه الموت (ص:104).
تناولت المؤلفة موضوع المقارنة بين الأنا والآخر ، وذكرت في هذا الصدد أن الروائية سحر خليفة استطاعت أن تنقل المتلقي إلى سياق اجتماعي متنوع، فيطلع على أساليب عيش العرب والصهاينة، فتظهر له الظروف المعيشية القاسية والمهينة التي يعانيها العرب، والظروف الجيدة التي يعيشها الصهاينة، فالمقارنة تشعر بحدة الفارق الطبقي.
..سؤال الهوية في مرآة الآخر لدى عبد الرحمن منيف
تحت عنوان سؤال الهوية في مرآة الآخر لدى عبد الرحمن منيف في ثلاثية(أرض السواد) استعرضت المؤلفة جملة من القضايا التي تتصل بسؤال الأنا وتجليات الآخر في ثلاثية عبد الرحمن منيف، وذكرت في مستهل هذا الفصل أن العمل الروائي الذي قدمه منيف في ثلاثيته هو محاولة لفهم إشكالية الأنا في علاقتها مع ذاتها، ومع الآخر، فقد هرب عبد الرحمن منيف من أجل تجسيد هذه الإشكالية إلى بدايات القرن التاسع عشر(1817-1831م)، وقام بفضح تمركز الآخر الغربي حول ذاته.
ولاحظت المؤلفة أن الآخر في رواية عبد الرحمن منيف أحاط نفسه بهالة العظمة، وبدا منطلقاً من دواع نرجسية تعمي عن رؤية الذوات الأخرى على حقيقتها الإنسانية.
.. إشكالية لقاء الأنا و الآخر اليهودي
في الفصل السادس ركزت المؤلفة على إشكالية لقاء الأنا والآخر اليهودي في رواية اليهودي الحالي لعلي المقري، وقد لفت انتباه المؤلفة في هذه الرواية أنها تتيح لنا معايشة علاقة إنسانية مدهشة بين الأنا المسلمة التي جسدتها فاطمة و الآخر الذي تجلى في شخصية اليهودي سالم ، والقاسم المشترك بينهما هو الفضاء المكاني الموحد اليمن.
وقد فضل علي المقري الابتعاد عن عصرنا الحاضر، واختار منتصف القرن السابع عشر فضاءً زمنياً لأحداث روايته، وتعمد إبعاد فضائه عن التوتر التاريخي والعداوة بين الأنا العربية و الآخر الصهيوني، وابتعد عن مختلف العوامل التي تسهم في تشويه الصورة وتدمير العلاقات الإنسانية، واستطاع أن يؤسس للمرجعية التاريخية بكل نبضها الواقعي، فيلمس المتلقي تنوعاً في المشاعر والأفكار.
..الأنا في مرآة الفرنسي
كرست المؤلفة الفصل السابع من الكتاب لدراسة الأنا في مرآة الفرنسي إثر الحرب الأهلية اللبنانية في رواية غادة السمان(سهرة تنكرية للموتى) ، وعالجت فيه جملة من الموضوعات المهمة، وأشارت في بداية الفصل إلى أن معايشة الكاتبة لفضاءين ينتميان إلى عالمين مختلفين(بيروت وباريس)مكنها من رصد إشكالية الأنا و الآخر في إبداعها، ولاسيما في رواية سهرة تنكرية للموتى التي برز فيها الآخر الفرنسي عبر شخصية(ماري روز)التي اهتمت الروائية بتفاصيل حياتها اليومية والثقافية، وحازت همومها وتجاربها على مساحة سردية مهمة، تكاد تعادل المساحة التي احتلتها هموم الأنا التي أسقطت فيها الكاتبة معاناتها على الشخصية اللبنانية.
وذكرت الدكتورة ماجدة حمود أن مما يسجل للكاتبة أنها أبعدت هذه المواجهة عن اللغة المتشنجة الحاقدة، وعن مظاهر النرجسية، وتمكنت من نقل الآخر الفرنسي إلى الفضاء العربي المتمثل في مدينة بيروت، كما حرصت على تقديم صورة موضوعية في رسمها لصورة الآخر، فبدت بعيدة عن إطلاق الصفات السلبية التي تختزل بها الآخر ومجتمعه، و استطاعت أن تنقل الآخر إلى فضاء الأنا .
..إشكالية الأنا والآخر الـمستعمِر
في الفصل الأخير من الكتاب تطرقت المؤلفة إلى إشكالية الأنا والآخر المستعمِر في رواية واسيني الأعرج (كتاب الأمير) ، ووصفت هذه الرواية بأنها تقدم الأنا عبر شخصية تاريخية هي الأمير عبد القادر الجزائري في لحظة مواجهة الآخر الذي يتجسد في المستعمِر الفرنسي، وقد بدا لها أن الروائي واسيني الأعرج منبهر بالآخر الفرنسي، ويحتفل به على حساب الذات. وتساءلت عدة تساؤلات فكرية بشأن مضامين الرواية من بينها:هل يحق للروائي تجاهل كل ما يشكل خصوصية الشخصية؟هل يحق له انتزاعها من سياقها التاريخي والثقافي كي يرسمها وفق صورة تسعى إلى إرضاء رغباته فيخضعها لأفكاره وزمنه؟
هل يحق للروائي تجميل صورة الآخر المستعمِر الفرنسي، الذي رفض الاعتذار عن جرائمه؟هل يحق له أن يركز الضوء على جانبه الإنساني، حتى إنه يكاد يغفل جانبه العدواني؟ألا يعني ذلك افتقاد الرؤية المتعددة في تقديم الشخصية العربية والفرنسية؟
ومن بين الملاحظات التي قدمتها في مقاربتها لهذه الرواية أن صورة الراهب الذي يمثل الآخر الفرنسي في الرواية كانت أكثر اتقاناً من الصورة التي شكل بها الأمير عبد القادر الذي يجسد الأنا ، وما يدل على اضطراب المؤلف في رسمها هو التناقض في بنية لغتها، وخاصة أثناء الحوار مع الآخر، فأحياناً يستخدم اللغة الفصيحة، وتارة يستخدم اللهجة العامية، إضافة إلى أن الرواية تفتقد إلى اللغة الحميمية التي يستطيع بها الأمير الإفصاح عن أعماقه ، مما يؤدي إلى فقدان الحرارة الإنسانية.