“من مسافة قريبة”… حوارات مع 17 مثقفاً عربيّاً بينهم واسيني الأعرج

عن دار «الرافدين» وبالتعاون مع «الجمعية العمانية للكتاب والأدباء»، صدر أخيراً كتاب «من مسافة قريبة: حوارات مع مثقفين عرب» للإذاعي العماني سليمان المعمري، ويتضمن حوارات إذاعية أجراها المؤلف خلال عمله بإذاعة سلطنة عمان مع 17 مثقفاً ومبدعاً ومترجماً عربياً هم: بهاء طاهر، وأدونيس، وتوفيق صالح، وصالح علماني، وقاسم حداد، وصبحي حديدي، وأمجد ناصر، وواسيني الأعرج، وسماء عيسى، وسمير جريس، وعبد السلام بنعبد العالي، وعبد العزيز الفارسي، وعبد الفتاح كيليطو، وعبد الله حبيب، وماري طوق، ونادرة محمود، وهبة القواس.
يشير المعمري في مقدمة الكتاب إلى أنه التحق بإذاعة سلطنة عُمان منذ مارس (آذار) 1997، حيث عمل في السنوات السبع الأولى محرِّراً للأخبار، ثم أتاح له عمله في البرامج الثقافية معداً ومقدم برامج التعرف على كثير من المثقفين العرب ومحاورتهم، والارتباط بصداقات حميمة مع كثيرٍ منهم.
حول ملامح مشروع الشاعر أدونيس الثقافي، يرصد المعمري، مفاصل رحلة عبر سنين طويلة من الشعر والفكر والجدالات الثقافية المثيرة للجدل والاختلاف، ويلفت إلى أنه برغم ذلك «لن تملك إلا الإعجاب وأنت ترى حضور أدونيس الذهني المتقد في كل إجابة رغم أنه كان في وقت الحوار على أعتاب التسعين». ويتيح الكتاب كذلك فرصة الاقتراب من عبد الفتاح كيليطو، الكاتب والناقد المغربي المعروف، الذي عَمِل على نحو جعله يحظى بحضور فريد في الثقافة العربية، إذْ انجذب إلى التراث الأدبي العربي الكلاسيكي بمنعرجاته ودروبه العديدة، مقدماً قراءات جديدة وفاتنة له، مؤكداً أننا «حين نبحث عن الأول فإننا نبحث عن الأخير». ويتوقف المؤلف أمام تجربة صالح علماني، المترجم الفلسطيني، الذي قدم للمكتبة العربية أكثر من مائة عمل أدبي مترجم من اللغة الإسبانية، قائلاً: «إن المترجِم مهما كان أميناً أو ظن أنه كذلك، لا بد أن يكون ثمة تأثير لثقافته وروحه في النص المترجَم»، وهو رأي يشاطره فيه المترجِم المصري سمير جريس، أحد ضيوف هذا الكتاب أيضاً، الذي قدم للقارئ العربي عدداً من أهم الروايات الألمانية المعاصرة، والذي يؤكد على التحديات التي يواجهها المترجم العربي، وأهمّها أن «النص المترجَم ينبغي ألا تُشْتَمَّ فيه رائحة الترجمة» كما تقول المترجمة اللبنانية ماري طوق، التي ترجمت هي الأخرى الكثير من الأعمال الأدبية المكتوبة بالفرنسية. وماري طوق هي إحدى ثلاث مثقفات عربيات يرسم الكتاب ملامح تجربتهن. الثانية هي الفنانة التشكيلية العُمانية نادرة محمود التي تعد «الواجهة الحضارية لعُمان» كما وصفها بعض المتذوقين لفنّها. أما الثالثة فهي الموسيقية والمطربة الأوبرالية اللبنانية هبة القواس التي قرنتْ موهبتها بالدراسة إيماناً منها بأن «الموهبة ليست كل شيء، فهي تنتهي ولا يتأتى لها أن تتطور دون المعرفة».
وتناول المؤلف أيضاً تجربة المفكّر المغربي والباحث في الفلسفة عبد السلام بنعبد العالي الذي «حاول جاهداً – ولا يزال – النزول بالفلسفة من عليائها نحو المتداول اليومي» بعد أن «أصبحنا نفكر لا بما نرغب أو نعتقد، وإنما بما يُرغَب لنا أن نفكر فيه».
وفي حواره مع المؤلف، يعرّف الشاعر البحريني قاسم حداد نفسه بأنه «خارج الكتابة كائن هش لا معنى له».
ويروي سليمان المعمري في مقدمة الكتاب الحكاية الطريفة التي رواها له الكاتب المصري الراحل بهاء طاهر أن «ابنته كانت تَدْرُس في كليّتها الجامعية مادة في الأدب، وكانت قصة من قصص أبيها ضمن هذه المادة، وفي ليلة الامتحان طلبت مساعدة الأب في تحليل القصة، وعرضتْ عليه مذكّرة كتبها أستاذها الجامعي. لم يقتنع بهاء طاهر بتحليل الأستاذ وقدم لابنته منظوره الخاص للقصة التي كتبها، فاقتنعت الابنة وقدمتْ في الامتحان رؤية أبيها للقصة لا رؤية الأستاذ، فكان أن حصلت على درجة متدنية ظلت بعدها تلوم أباها فترة طويلة! ».
ويسير صبحي حديدي، الناقد السوري، في حواره بالكتاب عكس التيار السائد القائل بأن على المبدع أن يتعلم من الناقد، فالناقد لديه هو الذي ينبغي عليه أن يتعلم من المبدع وليس العكس، ربما لأن النقد هو عملية تالية للإبداع. أما الكاتب الجزائري واسيني الأعرج فيلقي بالعديد من الرؤى النقدية في فن الرواية، لا سيما حين يتحدث عن طريقته في كتابة الرواية المستلة شخصياتها من التاريخ، «حيث على الروائي ألا ينسى أنه بصدد كتابة رواية لا تاريخ؛ إذ في هذه الحالة سيكون مؤرخاً فاشلاً إذا كان التاريخ هو ضالته الأساسية، وسيكون في الوقت نفسه أديباً فاشلاً إذا لم يستطع أن يوظّف المادة التاريخية لخدمة مساره الروائي».
وكان للسينما حضور أيضاً في «من مسافة قريبة»، وذلك عبر حوار توفيق صالح، المخرج السينمائي المصري، الذي لم يصنع أفلاماً كثيرة بقدر «ما صنع سينمائيين وجمهوراً وكرامة للسينما» على حد تعبير محبيه. وفي الحوار، ينصح صالح سينمائيي اليوم بأن يحلموا، وأن تكون أحلامهم حقيقية، وضرورية، مشدِّداً على أهمية إنتاج أفلام تشتغل على التأمل، وأثره في تشكيل وعي الإنسان، بماضيه وحاضره ومستقبله، لافتاً إلى أن مثل هذه الأفلام تجعل المتلقي يخرج من دار العرض السينمائية ليناقش ما اكتشفه في الفيلم من فكر ورؤية جديدة مع الآخرين.