في الواجهةمجتمع

نهب ذهب الجزائر.. بحث عن الثراء السريع في صحراء قاحلة

 

 

تحول البحث والتنقيب عن الذهب في أقصى الجنوب الجزائري إلى هوس بالنسبة لآلاف المغامرين من أبناء المنطقة والقادمين من ولايات الشمال، بحثا عن الثراء السريع.

وفي المقابل سخّرت الحكومة كل الوسائل الأمنية لوقف نهب الذهب، الذي يعدّ من بين أهم الثروات العديدة التي تزخر بها البلاد ولم تستغل بعد، خاصة بعد زيادة الإقبال على التنقيب غير القانوني من قبل عصابات إفريقية.

وتمتلك الجزائر احتياطياً من المعدن الأصفر يبلغ نحو 173 طنا، وتحتل المرتبة الثالثة عربيا بعد السعودية ولبنان، والمرتبة 24 عالميا، حسب المجلس العالمي للذهب، في حين تؤكد وزارة الطاقة والمعادن امتلاك كميات هائلة من المعدن الخام في مناطق عديدة. وتسعى الحكومة إلى حماية هذه الثروة وزيادة الاستثمار بها من أجل مساهمة عائداتها في الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها بسبب تراجع عائدات النفط، في ظل انخفاض الأسعار عالميا مقارنة بمنتصف عام 2014.

وفي إطار إجراءاتها لحماية ثروات المعدن الأصفر، تتجه السلطات العمومية لإصدار قانون جديد يجرم ويشدّد العقوبات على التنقيب غير القانوني عن الذهب أقصى الجنوب، وفي نفس الوقت اضطرت الحكومة إلى الدفع بجنود جيش تابعين لقيادة الناحية العسكرية السادسة في محافظة تمنراست (2000 كلم جنوب) يوميا من أجل محاصرة الباحثين عن الذهب، في نشاط مرهق ليس من اختصاص العسكر.

وساد الاعتقاد لدى الجيش الوطني في البداية بأن الأمر يتعلق بمحاولات معزولة، لكن بعد التدقيق في طريقة الحفر، والآلات المستعملة، تبيّن أن الأمر يتعلق بعصابات متخصصة، تنشط على محور الجزائر-النيجر، حيث ينتشر آلاف المنقبين عن الذهب الأفارقة، خاصة من تشاد والنيجر ومالي، في منطقة “دجادو” في شمال النيجر، التي لا تبعد عن الحدود الجزائرية سوى 200 كلم.

وفي السياق، كشف رئيس مصلحة المناجم وحماية الممتلكات بـ”تمنراست” التابعة لوزارة الطاقة والمناجم، بيعرة نور الدين، في حديث لموقع “العربي الجديد” أن “محافظة تمنراست تزخر بثروات معدنية كثيرة، وكانت محل عمليات للتنقيب عن الذهب منذ أكثر من 5 عقود.”

وأضاف المتحدث أن “المنطقة يوجد فيه نوعان من المناجم، الأول يحتوي على 21 صنفا لمواد معدنية منها الذهب في 7 مناجم، باحتياطي 110 أطنان من الذهب الصافي، والثاني يحتوي على مواد نفعية صالحة للاستعمال، كما يوجد 35 منطقة وجد فيها 12 مؤشراً على وجود الذهب، وهو رقم كافٍ ليؤكد وجود المعدن الأصفر بشكل كبير في هذا الموقع”.

وحسب نور الدين فإن “التحريات التي قامت بها قوات الجيش الجزائري كشفت أن عمليات التنقيب تتم يوميا بآلات كشف الذهب والألماس عالية الدقة، وفي كثير من الأحيان تدخل قوات الجيش في اشتباكات بالأسلحة، ما يؤكد فرضية نشاط عصابات متخصصة في تهريب الذهب، ولا يتعلق الأمر بحالات معزولة لشباب يبحث عن جني المال السريع”.

وحسب أرقام صادرة عن الجيش، نقلا هن موقع “العربي الجديد” فقد تم توقيف 48 منقبا عن الذهب وتم حجز 451 مولدا كهربائيا و390 مطرقة ضغط و184 جهاز كشف عن المعادن في النصف الأول من السنة الحالية. وتراوح الأحكام الصادرة بحق المتهمين في قضايا البحث عن الذهب ما بين 6 أشهر إلى سنتين، وتوجه لهم تهم بمباشرة نشاط مهني خاضع لتنظيم خاص دون إذن من السلطات، والتعدي على أملاك عمومية، وفق القوانين الجزائرية.

وتأثرت عمليات بحث الجزائريين والأفارقة عن الذهب في السنوات العشر الأخيرة، وذلك بعد الترخيص لشركات جزائرية وأجنبية بهذه المهمة، يضاف إلى ذلك الانتشار الواسع لقوات الجيش الجزائري في الجنوب، لحماية الحدود مع النيجر وتشاد ومالي.

وعاد بريق الذهب ليغري المنقبين من جديد سنة 2014، بعدما راجت إشاعة في أوساط العامة بالمناطق الحدودية الجنوبية، مفادها وجود الذهب بكميات كبيرة في تمنراست وايليزي، وتم تداول مقاطع فيديو لشباب جزائريين يحملون كميات كبيرة من الذهب عثروا عليها في إحدى الهضاب الحجرية، ومنذ ذلك اليوم تحوّلت المنطقة إلى هدف للباحثين عن الثراء.

ويقول الدليل السياحي بتمنراست عبد الوهاب حميان: لـ”العربي الجديد”: “الإشاعات تقول إنه كانت هناك قافلة لـ”الطوارق” (سكان الصحراء الأصليين) تسير من تمنراست إلى النيجر للرعي بالإبل سنة 2014 وعثرت على سبيل الصدفة على كتل ذهبية في منطقة “تاظروك” أقصى جنوب الجزائر”.

ويضيف نفس المتحدث أن ما دفع شباب المنطقة إلى البحث عن الذهب تحت درجات حرارة مرتفعة هو في الحقيقة ليس البحث عن الثراء السريع بقدر ما كان الإحباط من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، فالجنوب الجزائري رغم ما يحتويه من نفط وذهب وفوسفات إلا أن سكانه يعدّون من أفقر الجزائريين.

وتوقع تقرير سابق للبنك الدولي زيادة أعداد الفقراء في الجزائر، مشيراً إلى أن أعدادهم بلغت 5 ملايين فرد (10% من إجمالي السكان) يقل دخلهم اليومي عن 1.5 دولار.

وخلال الفترة الأخيرة، اقتنع كثيرون بأنهم يمكن انتشالهم من الفقر وتحقيق الثراء السريع باكتشاف الذهب الخام في الصحراء ثم بيعه، إذ يصل في كل يوم تقريبا مغامرون جدد إلى محافظة تمنراست ومعهم معدات وآلات حفر وبحث، من أجل الوصول إلى المعدن الأصفر.

وإلى ذلك يقول “خ. عبد الهادي”، أحد المنقبين عن الذهب الذي استطاعت “العربي الجديد” الوصول إليه، إن “قضية البحث عن الذهب بدأ الاهتمام بها يتزايد أواخر 2014 وبداية 2015، حيث انتقلت فكرة التنقيب عن الذهب من شمال النيجر بمنطقة “جادو”، وبدأ الجزائريون في البحث الجدي عن الذهب”.

ويكشف عبد الهادي أن “عملية التنقيب تركزت على شرطين مهمين، الأول حيازة خرائط تحدد أماكن محتملة للذهب، ويتم شراء هذه الخرائط من مستكشفين أومن عمال في شركة “سونطراك” النفطية، نقدا أوعن طريق تقسيم الغنائم (حصيلة بيع ما يتم استكشافه من الذهب)، أما الخطوة الثانية، وهي حيازة معدات التنقيب، خاصة مكتشف المعادن وذلك لتوفير الجهد والوقت، ويمكن شراء هذه الآلات من النيجر دون أي خطر”.

وقال عبد الهادي إن سعر الأحجار الذهبية الخام يختلف بحسب حجمها، إلا أن متوسط السعر يبلغ ألفي دولار، وتتم عمليات البيع في النيجر، وذلك لتفادي المشاكل. من جانبه يقول “ز. عباس”؛ منقب عن الذهب، لـ”العربي الجديد”، إن “أكثر الأماكن استقطابا للباحثين عن الذهب هي “تاسيلي أزجر” و”قارة الجنون” و”غرسو”، والمواقع القريبة من منجم الذهب في “أمسماسة”.

ويتابع المتحدث نفسه أن أعمال التنقيب تبدأ في غالب الأحيان ليلا أوقبل طلوع الفجر، حيث يبدأ المنقبون بتشغيل أجهزة كشف المعادن وسماع أجراس التنبيه المنبعثة منها. وبعدها يتدخل آخرون ويشرعون في الحفر بوسائل تقليدية لبعض سنتيمترات تحت الأرض، ويستخرجون طبقات التراب من الأرض وبعدها يوضع جهاز التنقيب مجددا في مكان الحفر”. وحسب عباس فإن “المجموعة تتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص، وفي أحيان أخرى قد يصل العدد إلى 10 أوأكثر، وذلك حسب المنطقة والتضاريس والوضع الأمني”.

ب.ر/ وكالات

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى