صور من الفايسبوكمقالات

هل سيقرّ مؤتمر غلاسكو للمناخ بدور للطاقة النووية في «تحول الطاقة»؟

سيناقش مؤتمر الأطراف الـ26 الذي تستضيفه أسكوتلندا الشهر المقبل التحدي الذي تواجهه حكومات العالم، المتمثل في كيفية الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، وفق ما نص عليه اتفاق باريس للمناخ وهدف التنمية المستدامة رقم 13 (العمل المناخي).

بيد أن حكومات الأطراف تواجه في الوقت نفسه تحديات متباينة بسبب طبيعتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الفريدة. لذا، ثمة حاجة ماسّة لسياسات مستنيرة بالأدلة وتتسم بالإنصاف و«المسؤولية المشتركة لكن المتباينة»، وتأخذ بعين الاعتبار تأثيرات «تدابير الاستجابة». ويتعين اتخاذ خطوات فعالة من حيث التكلفة للانتقال إلى الحياد الكربوني لمزيج الطاقة العالمي (أي ذي صافٍ صفري لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون CO2) في أقرب وقت ممكن مع حلول عام 2050. وتحتل الطاقة المتجددة دور الصدارة في مسار «تحول الطاقة»، لكن الطاقة الأحفورية النظيفة والطاقة النووية لهما دوران مهمان كذلك وإن تباينت الآراء بشأنهما.

وأدت الطاقة النووية دوراً مهماً في الحد من الانبعاثات الناجمة عن توليد الكهرباء منذ استخدامها تجارياً. وبدون تعزيز هذا الدور، سيصعب كثيراً تحقيق الهدف المتمثل في تجنب التغيرات غير المقبولة في المناخ العالمي. فعلى مدار السنوات الخمسين الماضية، جنّبت الطاقة النووية انبعاث نحو 76 غيغاطن من CO2؛ أي ما يعادل انبعاثات نحو سنتين حالياً. وبدون مضاعفة سعة الطاقة الكهربائية النووية، عالمياً، من نحو 400 غيغاوات حالياً إلى نحو 800 غيغاوات عام 2050، فإن 5.5 غيغاطن إضافية من انبعاثات CO2 سنوياً ستنتج بحلول عام 2050 إذا استبدلت الطاقة النووية بمحطات توليد حديثة تعمل بالفحم (بدون احتجاز CO2 وتخزينه)، أو 2.9 غيغاطن سنوياً إذا استبدلت بالغاز الطبيعي.

ورغم الفوائد المناخية للطاقة النووية، فلم يُعترف بدورها حتى الآن في قرارات مؤتمرات الأطراف كإجراء فعّال لتخفيف تغير المناخ. كما لم يُذكر صراحة في اتفاق باريس للمناخ أو أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ويعزى ذلك إلى التأثير المهيمن للمجموعات البيئية التي تطالب، في معظمها، بمستقبل يعتمد كلياً على الطاقة المتجددة، ناهيك عن معارضة دول أوروبية مؤثرة أقرت قوانين تحظر استخدامها، وشرعت بالتخلي عن محطاتها النووية (مثل ألمانيا) استجابة لشرائح مؤثرة من مواطنيها. وترى هذه الجماعات أن محطات الطاقة النووية، ومرافق دورة الوقود النووي، تشكل مخاطر عالية على الجمهور والبيئة، ولا سيما الحوادث الكارثية، مثل تشرنوبيل 1986 وفوكوشيما 2011. لكن الحقيقة مغايرة تماماً؛ إذ تنتج المحطات النووية ومحطات الطاقة المتجددة أقل المخاطر الصحية لكل وحدة إنتاج كهرباء.

ومع أن تلوثاً كبيراً وأضراراً صحية واقتصادية كثيرة نجمت عن تشرنوبيل وفوكوشيما، فإن وفيات محدودة وقعت نتيجة انبعاثات تشيرنوبيل (منظمة الصحة العالمية)، ولم يتسبب فوكوشيما في أي وفاة (الوكالة). وتُظهر خبرات تشغيل مئات المفاعلات عبر 7 عقود، تحسّن أمان محطات الطاقة النووية عالمياً، وانخفاض احتمال وقوع حادث خطير، رغم أن وقوع حادث مع إطلاق نشاط إشعاعي خطير ليس مستحيلاً، مثلما هو ليس مستحيلاً أيضاً وقوع كوارث صناعية أخرى (الطيران مثلاً) وطبيعية أشد خطورة.

وأعلنت مجموعة العشرين في قمة الرياض عام 2020 تأييدها لمبادرة الاقتصاد الدائري للكربون (CCE) التي أطلقتها السعودية كإطار شامل ومتكامل للوصول إلى الحياد الكربوني لمزيج الطاقة مستقبلاً؛ حيث تشكل الطاقة النووية أحد خياراتها الرئيسية، إضافة إلى تقنيات رفع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة والطاقة الهيدروكربونية النظيفة. كما أن كلمات الوزراء وكبار المسؤولين في المؤتمر السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا العام تضمنت إشادة قوية وغير عادية بالطاقة النووية وأهمية المحافظة على دورها، بوصفها مصدراً آمناً ومجرباً وناضجاً، في توليد الكهرباء ‏الخالية من الانبعاثات الكربونية. كما تضمنت حرص دولهم على أن يناقش مؤتمر الأطراف إمكانية التوسع في استخدامها في التصدي لتغير المناخ، ولا سيما استخدام المفاعلات النمطية الصغيرة (SMRs) التي تُطّور حالياً وتتسم بمزايا فنية واقتصادية وتعتبر عموماً ‏أكثر أماناً، وبدأت بعض الدول كروسيا إنتاج وتسويق بواكيرها تجارياً.

وكان لافتاً في كلمة الوزيرة السلوفينية، المتحدثة باسم دول المجموعة الأوروبية أمام المؤتمر، إشارة المجموعة، لأول مرة منذ زمن بعيد، إلى إمكانية تنامي دور الطاقة النووية، واتفاقها مع معظم المشاركين على ضرورة أن يناقش مؤتمر الأطراف هذا الدور جدياً، وكيفية تمكين الطاقة النووية من تعزيز إسهامها في مزيج الطاقة النظيفة عالمياً.

وسيسعى كثير من الدول الصناعية المؤثرة، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى الصين والهند وروسيا وكوريا الجنوبية وكثير من الدول النامية، إلى أن يناقش مؤتمر الأطراف كيفية تسهيل التوسع في استخدام الطاقة النووية، كأحد مصادر توليد الكهرباء النظيفة. بيد أن دولاً أوروبية مؤثرة، كألمانيا وإيطاليا، كانت حتى مطلع هذا العام تعارض أي ذكر لدور الطاقة النووية أو الطاقة الهيدروكربونية النظيفة في مناقشات وقرارات مؤتمرات الأطراف. لكن هنالك مؤشرات إيجابية بانخفاض حدة تلك المعارضة، ولا سيما بعد أن عانت دول أوروبية وولايات أميركية عدة، مثل كاليفورنيا، زيادة في حدة وتواتر الكوارث كالفيضانات والأعاصير التي تعزى إلى تغير المناخ. ولم يعد محظوراً على السياسيين في تلك الدول مناقشة العودة للطاقة النووية، كأحد الخيارات، كما حصل مؤخراً في إيطاليا وألمانيا، بعد الانتخابات البرلمانية فيهما. بيد أن تلك الدول، ودولاً أخرى ومعظم الناشطين البيئيين، ما زالوا يراهنون على أن يكون الدور الرئيسي، إن لم يكن الوحيد عند بعضهم، هو لتقنيات الطاقة المتجددة، رغم وجود عقبات فنية واقتصادية جوهرية تحول حالياً دون تجاوز نصيبها في الشبكات الوطنية للكهرباء نحو 30 في المائة.

وتؤكد تقارير المنظمات الدولية للطاقة، ودراسات مراكز الأبحاث العالمية المستقلة، إمكانية جني الفوائد المناخية للطاقة النووية بدون آثار ملموسة على الأمان أو الأمن النوويين أو تكاليف الطاقة. لكن ذلك يتطلب تبني سياسات وتدابير وطنية في استخدام الطاقة النووية بالشبكات الوطنية للكهرباء. ويتعين تحديداً تحقق 3 منعطفات مقدماً لزيادة استخدامها وطنياً وعالمياً، وهي: 1- قبولها سياسياً ومن جمهور كبير. 2- أن يصبح أداؤها الاقتصادي الإيجابي أكثر اتساقاً عالمياً. 3- الاعتراف بسجلها التشغيلي الآمن والمحافظة عليه وتطويره، بما في ذلك عبر تعزيز نظام الأمان الدولي في «الوكالة» ليصبح العمل به ملزماً تدريجياً، كما هو الحال مثلاً في نظام الأمان الدولي للطيران المدني، بدلاً من كونه طوعياً وإرشادياً فقط حالياً.

ووضعت بعض دول الخليج خططاً طموحة للاستفادة من الطاقة النووية بالتعاون مع الوكالة الدولية وهيئات الطاقة الذرية في الدول المتقدمة. ونجحت الإمارات في تنفيذ خطة متكاملة وضعتها عام 2007 لبناء 4 مفاعلات بموقع «براكة» بالتعاون مع كوريا الجنوبية وشركاتها المتخصصة، وشُغل مفاعلان منهما بقدرة 1500 ميغاوات تقريباً لكل منهما. ويتوقع أن تشرع السعودية قريباً باستدراج عروض للبدء بتنفيذ برنامجها لبناء محطتين نوويتين بقدرة 3 – 4 غيغاوات. وكانت الكويت سباقة في وضع خطط مشابهة في 3 محاولات؛ الأولى لبناء محطة تجريبية بقدرة 50 ميغاوات عام 1978 لكن المشروع ألغي بعد استدراج العروض، كما ألغيت المحاولتان الأخريان خلال العقود الأربعة الماضية لأسباب معظمها محلية، كما هو الحال في عدة مشروعات كبرى. وكان الأمل معقوداً بإطلاق برنامج خليجي مشترك بناء على اقتراح قدمته الكويت للقمة الخليجية عام 2007 لكنه لم يلقَ الدعم المطلوب. ويمكن لبرنامجي الإمارات والسعودية أن يشكلا نواة لإحياء هذا البرنامج المشترك.

الشرق الأوسط

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى